رغم كل الأزمات الاقتصادية المرعبة وعلى رأسها أزمة السولار وأزمة الدولار.. ورغم كل ما يتردد عن الخطر الذى تقترب مصر من حافته.. ورغم الاحتياطى النقدى الذى أصيب بالهزال وفقد الكثير من وزنه.. رغم كل ذلك رفضت مصر قرض صندوق النقد «العاجل» لحين الوصول إلى اتفاق بشأن القرض الأصلى الذى طلبته مصر، والذى تبلغ قيمته 4.8 مليار دولار. الدكتور المرسى السيد حجازى وزير المالية أعلن أن مصر رفضت القرض العاجل والذى تبلغ قيمته 750 مليون دولار.. لأن مخاطره أكبر من مزاياه. فى نفس الوقت اعتبرت صحيفة «فانيانشيال تايمز» رفض مصر لهذا التمويل الطارئ.. «محاولة واضحة للضغط على الصندوق». هل تلعب مصر مع الصندوق؟!. نبدأ بمصر ونسمع تفسير وتبرير وزير المالية الذى يؤكد أن المشكلات السياسية الحالية تحول دول الاتفاق مع الصندوق.. للحصول على القرض الذى طلبته مصر بقيمة 4.8 مليار دولار.. مؤكداً أن مصر لن تحصل على هذا القرض مادام هناك انقسام سياسى. وزير المالية يريد أن يقول إن الاقتصاد المصرى ليس سبب تعثر المفاوضات مع صندوق النقد (بعكس ما يردده بعض الخبراء الاقتصاديين) وإنما هى السياسة والأزمة السياسية!. وكأن وزير المالية يحاول إثبات صحة كلامه فيقول إن مبلغ ال 190 مليون دولار الذى قررت الإدارة الأمريكية تقديمه لمصر.. لم يكن إجراء طارئا بسبب موقف مصر الصعب وإنما يأتى هذا المبلغ فى إطار حزمة المساعدات التى أعلنها الرئيس الأمريكى أوباما من قبل وتقدر بمليار دولار. ونسمع من الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط والتعاون الدولى كلاما يسير فى نفس الاتجاه فنجده يقول إن صندوق النقد الدولى لم يقم بإبداء أية ملاحظات سلبية على البرنامج المصرى للإصلاح الاقتصادى.. وأن الانطباع المبدئى للصندوق حول البرنامج المصرى يتميز بالإيجابية. وأكثر من ذلك.. فقد أكد وزير التخطيط والتعاون الدولى أن لقاء قريبًا سيجمع المسئولين المصريين مع بعثة صندوق النقد الدولى.. وأنه من المتوقع أن تتم مناقشة برنامج الإصلاح المصرى للحصول على القرض الذى تطلبه مصر.. كما أن مصر حريصة - على حد تعبيره - على استكمال إجراءات الحصول على قرض الصندوق وليست فى حاجة إلى قرض سريع من الصندوق.. والذى يعرض على الدول الأعضاء فى حالات الضرورة.. والسبب كما يقول الوزير أن علاج عجز الموازنة يحتاج إلى إجراءات هيكلية واسعة وليس مجرد إعانات عاجلة من صندوق النقد. هكذا يتكلم المسئولون فى مصر.. هكذا يبررون ويفسرون رفض مصر لقرض عاجل وطارئ.. لكنهم فى الخارج يتحدثون عن مبررات وأسباب أخرى!. *** نشرت صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية تقريرا عن موقف إدارة صندوق النقد من الإصلاحات التى تقوم بها الحكومة المصرية للحصول على القرض الذى تطلبه.. وقد جاء فى هذا التقرير نقلا عن مصادر مقربة من المفاوضات الخاصة بالقرض أن صندوق النقد الدولى أعرب عن تحفظات بشأن الخطة الاقتصادية الحكومية اللازمة لإتمام الصفقة.. والتى يجرى التفاوض حولها منذ عامين. جاء فى نفس التقرير أيضاً أنه فى نفس الوقت الذى تواجه احتياطيات مصر من العملة الأجنبية مستويات حرجة.. حيث لا تكفى سوى ثلاثة أشهر من الواردات.. فإن القاهرة تفضل منهجا تدريجيا للإصلاح، بالإضافة إلى أن الرئيس مرسى الذى ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين.. يحجم عن اتخاذ تدابير تقشف قبل إجراء الانتخابات البرلمانية. ويمضى التقرير خطوة أبعد فيؤكد أن صندوق النقد أبلغ القاهرة بأن برنامج الإصلاح الاقتصادى المقترح من جانب حكومة مرسى ليس قويا بما فيه الكفاية لمنحها القرض.. وأنه لابد أن تكون هناك إجراءات قوية لمعالجة المشكلات الاقتصادية الأوسع فى مصر. ونسمع كلاما مشابها من مجلة تايم الأمريكية التى نشرت تقريرا عن قرض الصندوق الذى تطلبه مصر.. فنجد التقرير يحذر من عدم توصل حكومة الدكتور هشام قنديل لاتفاق مع صندوق النقد الدولى للحصول على القرض فى غضون الأشهر الثلاثة المقبلة.. ونجد التقرير يؤكد أن مصر سينفد ما لديها من الاحتياطى الأجنبى وستغرق البلاد فى الديون وستعلن إفلاسها.. الأمر الذى من شأنه تجديد الاحتجاجات التى يمكنها إسقاط الحكومة وجر البلاد للفوضى مرة أخرى. ويشير التقرير إلى أن استراتيجية الرئيس مرسى فى التعامل مع الموعد النهائى لتسديد ديون البلاد تتهاوى.. موضحًا أن الرئيس ظل مترددا منذ توليه السلطة فى الحصول على قرض صندوق النقد على أمل تأجيل تدابير التقشف الشديدة إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية. وكان من المفترض أن يخفف من حدة أزمة عدم حصول مصر على القرض الذى طلبته والبالغ قيمته 4.8 مليار دولار.. كان من المفترض أن يخفف من حدة هذه الأزمة حصول مصر على قرض عاجل وطارئ قدرت قيمته بنحو 750 مليون جنيه.. لكن مصر رفضت هذا القرض العاجل والطارئ بحجة أن مخاطره أكبر من مزاياه. لكن التقرير الذى نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز يؤكد أن هذه الحجة غير صحيحة وأن الرفض المصرى لا يعدو كونه محاولة واضحة للضغط على الصندوق أو محاولة للاستقواء على الصندوق.. على حد تعبير دبلوماسى غربى!. كيف؟!.. يقول التقرير إن الحكومة المصرية تراهن على أن مصر أكبر من أن تفشل.. وأن أهمية مصر الاستراتيجية فى منطقتها قد تفرض على واشنطن والعواصم الأوروبية الضغط على صندوق النقد الدولى من أجل منحها القرض الذى تحتاج إليه كثيرا!. *** مصر تحتاج القرض الذى تطلبه والذى تبلغ قيمته 4.8 مليار دولار.. وهى ترفض القرض العاجل (الأصغر) للحصول على القرض الأكبر!. لعبة قد تربحها وقد تخسرها.. ومن المؤكد أن استقرارها السياسى يبعدها عن الخسارة ويقربها من المكسب (!!!).