فى سنة 1938م أصدر الدكتور طه حسين (1306 -1393ه 1889 -1973م) أخطر الكتب التى حاولت دمج الشرق فى الغرب، وإنكار التميز لحضارة الإسلام عن الحضارة الغربية.. وهو كتاب (مستقبل الثقافة فى مصر) وفى هذا الكاتب أنكر طه حسين دور الدين واللغة فى الوحدة السياسية للدولة.. وقال: «ومن المحقق أن تطور الحياة الإنسانية قد قضى منذ عهد بعيد بأن وحدة الدين ووحدة اللغة لا تصلحان أساسًا للوحدة السياسية، ولا قواما لتكوين الدول..إن السياسة شىء والدين شىء آخر». ومضى طه حسين -فى هذا الكتاب- فادعى أن العقل الشرقى هو عقل يونانى، وأنه لا يزال كذلك، وأن القرآن والإسلام لم يغيرا من هذا الطابع اليونانى للعقل الشرقى، كما أن الإنجيل والمسيحية لم يغيرا من يونانية العقل الأوروبى، لأنه لا فرق بين القرآن والإنجيل!.. ثم رتب على هذا الادعاء دعوته الشرقيين إلى التبعية والذوبان فى الحضارة الأوروبية الحديثة، وقال: «إن السبيل واضحة بيّنة مستقيمة، ليس فيها عوج ولا التواء، وهى واحدة فذة ليس لها تعدد، وهى أن نسير سيرة الأوروبيين، ونسلك طريقهم، لنكون لهم أندادًا، ولنكون لهم شركاء فى الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يُحب منها وما ينكره وما يُحمد منها وما يُعاب»!. وذهب -على هذا الطريق- فتساءل: «إن الإسلام قد تقبل الحضارة اليونانية، فلم لا يتقبل الحضارة الأوروبية»؟!.. ومضى فهاجم محاولات الإمام محمد عبده (1266 - 1323ه 1849 -1905م) التوفيق بين الدين والعلم، وقال: «لقد صارت كل أفكار محمد عبده بشأن العلم والدين بالية.. وقليل من المسلمين هم الذين يهتمون بالتوفيق بين إيمانهم والمعارف التى حصّلوها، وهم يندفعون بابتهاج نحو الحضارة الغربية، ويتخذونها مثلًا أعلى..ولقد صار المتمسكون بآراء محمد عبده وقاسم أمين [1302 -1326ه 1865 -1908م] يعدون محافظين، بل ويدرجون أحيانًا بين المتخلفين»!.. هكذا فكر وقرر وكتب طه حسين فى حقبة انبهاره بالغرب..لكن طه حسين قد تطور فكريًا، وراجع جميع هذه الأفكار..ووصل إلى الحد الذى أعلن فيه -سنة 1953م- أثناء عضويته بلجنة وضع الدستور الذى أرادت ثورة يوليو أن يحل محل دستور 1923م إلى أن يدعو إلى حاكمية القرآن الكريم على الدستور والقانون.. فيقول: فى الرد على الدكتور عبد الرحمن بدوى (1335 - 1423ه 1917-2002م) الذى دعا إلى المساواة الكاملة بين النساء والرجال- حتى فى الميراث: «إنه من المقطوع به أن الأغلبية لن تقبل أن تخرج عند وضع الدستور على ما أمر به الإسلام، فلا أظن مثلًا أننا سننص على أن تأخذ المرأة فى الميراث نصيبًا كنصيب الرجل فلن يحدث هذا بالطبع أننا لابد أن نحتاط فنقول: أنه إذا وجد نص دينى صريح فالحكمة والواجب يقتضيان ألا نعرض النص، وأن نكون بين الحكمة والاحتياط بحيث لا نضر الناس فى شعورهم ولا فى ضمائرهم ولا فى دينهم» فليس هناك أى مقتضى يسمح لنا بأن نعّدل عن نص القرآن». هكذا تطور طه حسين فى موقفه من الدين والقرآن..أما العلمانيون -الذين يتمسحون به - فلا يزالون عند مرحلة انبهاره بالغرب، يندفعون بابتهاج نحو الغرب غير مكترثين بالدين.