قضية اعتقال وانتحار عميل الموساد «بن زيجيير» والتى تم الكشف عنها فى استراليا غطت على تطور خطير ومهم يتمثل فى خطوة عملاقة أقدمت عليها إيران فى اتجاه إنتاج القنبلة النووية، عن طريق تجربة إطلاق جرت فى كوريا الشمالية، وتعتقد صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن هناك صلة بين الموضوعات الثلاثة، فقد كتب «عامير ربابورت» يقول: إذا ما حللنا ما نشر حول هذه القضية فمن غير الممكن ألا نضع فى اعتبارنا أن نشاط بن زيجيير وحتى اعتقاله كان مرتبطًا بشكل أو بآخر بمحاولات إحباط المشروع النووى الإيرانى، وهذا يتماشى مع حقائق معروفة أخرى منها على سبيل المثال أنه منذ بداية تولى مئير دجان رئاسة الموساد فى سبتمبر 2002، احتل موضوع إحباط المشروع النووى الإيرانى الأولوية فى جدول أعمال الموساد، بعدما كان رئيس الموساد السابق «إفرايم هاليفى» يعلق آمالًا كبيرة على سقوط النظام فى إيران بأيدى الشعب الإيرانى نفسه، وهو ما لم يحدث. وفى ظل رئاسة مئير دجان للموساد تضاعفت ميزانيات الموساد عشرات، بل مئات المرات. وانتشرت فى العالم أخبار عن عمليات تخريب تستهدف المفاعلات النووية الإيرانية، وتم تنفيذها فى كل أنحاء العالم (على غرار سلسلة التفجيرات التى استهدفت المواقع التى تم فيها تخزين المعدات الخاصة بالمفاعل العراقى أوزيراك فى أوروبا قبل أن يقوم سلاح الجو الإسرائيلى بتدمير المفاعل العراقى عام 1981). ومن المعروف عن أجهزة المخابرات فى كل العالم أنها تنشئ شركات وهمية تمكنها من إدخال معدات وأفراد إلى دولة الهدف، ومن المعروف أيضًا أن أجهزة المخابرات فى العالم اعتادت على استخدام جوازات سفر مزورة (وإن كان هذا الاستخدام أصبح صعبًا الآن بعد انتشار وسائل التعرف البيومترى فى مطارات العالم). وفى السنوات العشر الأخيرة تورطت إسرائيل مرتين على الأقل مع دولتين صديقتين اتهمتاها بالاستخدام غير القانونى لجوازات السفر الخاصة بهما، وهاتان الدولتان هما كندا ونيوزيلندا، وفى حالة نيوزيلندا تم القبض على ثلاثة إسرائيليين عام 2004 عند محاولتهم سرقة هوية محلية، وانتهت الفضيحة باعتذار إسرائيل، مع عدم اعتراف بأن المقبوض عليهم من رجال الموساد ومن الممكن الافتراض بأن الملف قد تم إغلاقه بالكامل من وراء الكواليس. كما يمكن الافتراض أن بن زيجيير قد تم تجنيده فى الموساد على خلفية الحرب على البرنامج النووى الإيرانى، وأن عملية التجنيد جاءت مكتملة إلى حد بعيد فهو يحمل جواز سفر أجنبيًا حقيقيًا (بالإضافة إلى جوازات سفر مزيفة أخرى وفقًا لما نشر فى أستراليا)، ويتكلم بلكنة أسترالية ثقيلة بالإضافة إلى ملامح غير إسرائيلية وخلفية صهيونية دفعته إلى ترك عائلته فى ملبورن والهجرة وحده إلى إسرائيل والخدمة فى الجيش الإسرائيلى (ولا يمكن إغفال حقيقة أن وجود زيجيير فى إسرائيل بدون عائلته كان ميزة فى نظر من قاموا بتجنيده)، ولكن رغم كا ما نشر حول هذه القضية منذ نشر التحقيق فى أستراليا، إلا أن القصة الحقيقية لأسباب اعتقال بن زيجيير وموته داخل زنزانته فى سجن أيالون الإسرائيلى فى ديسمبر 2010 لا تزال غير معروفة، كيف كانت خدمته فى الموساد؟ هل غضب من رؤسائه وقرر كشف عملية من العمليات السرية والمكلفة للغاية؟ هل خان؟ هل عرّض حياة زملاء له للخطر؟ كل هذا وارد. لكن الشىء المؤكد أن عملية إلقاء القبض على عميل الموساد كانت معروفة لبعض أجهزة الإعلام فى إسرائيل فى حينه، وأن الصحفيين الذين اطلعوا على هذا السر كانوا ممنوعين من نشر أية تفاصيل حول هذه القضية سواء استجابة لتوجيهات الرقابة العسكرية أو بسبب أمر منع نشر أية تفاصيل حول القضية. وكان أول من فجر هذه القضية هو المحقق الأسترالى «تربور بورمان»، وقد حكى فى لقاءات صحفية أنه اكتشف هذه القضية من خلال دردشة مع شخص إسرائيلى فى أحد مطاعم تل أبيب قبل حوالى عشرة أشهر، وأن المصدر قال له - على حد قوله - إن هناك قصة كبيرة ممنوعة من النشر فى إسرائيل وحكى له عن التفاصيل التى يعرفها. أما أول نشر فى إسرائيل فكان من خلال موقع «واللاه» الالكترونى وبعد دقائق تمت إزالة الخبر من الموقع بتعليمات من الرقابة العسكرية، ونشر موقع «هآرتس» الخبر بخصوص ما تم نشره فى أستراليا، ورفض التعليمات بإزالته فأوصت الرقابة العسكرية الموساد بالتراجع عن أمر منع النشر، وكانت التوصية تنص على السماح بالنشر فى إسرائيل لما يتم نشره فى أستراليا، لكنهم رفضوا ذلك فى الموساد وقام رئيس الموساد الحالى «تامير باردو» بعقد اجتماع عاجل فى ال «جيفعاه» أو التلة (وهو الاسم المتعارف عليه لمقر قيادة الموساد فى وسط إسرائيل) مع رؤساء تحرير الصحف الأكثر انتشارًا فى إسرائيل، غير أن السد المنيع تحطم من خلال المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى مثل الفيس بوك وتويتر. وبعد تفاعل القضية، شعرت الصحافة الإسرائيلية بالضيق لعدم تمكنها من تناول الموضوع بحرية وشفافية، فخرجت أصوات عدد من الكتاب والصحفيين الإسرائيليين من أمثال جدعون ليفى الذى كتب فى هآرتس: شكرًا للتليفزيون الأسترالى الذى قام بتذكيرنا فى أية دولة ظلامية نعيش.. شكرًا لأعضاء الكنيست الثلاثة الذين تحدثوا عن الموضوع ولبعض وسائل الإعلام وجميعات حقوق الإنسان الذين حاولوا القيام بدورهم تجاه هذه القضية، وعلى الآخرين أن يشعروا بالخجل بسبب خيانتهم لمهنتهم.