فى الوقت الذى يترقب فيه السوريون مخرجًا للأزمة المستعصية على الحل حتى الآن فى بلدهم، ربما توفره مبادرة الحوار التى طرحها رئيس الائتلاف السورى المعارض معاذ الخطيب، تبدو الحالة الليبية على شفا الانفجار فى الذكرى الثانية لتدخل حلف الناتو والذى أدى لسقوط نظام معمر القذافى، وتعانى البلاد من حال غير مسبوقة من التفكك الجغرافى والتشرذم السياسى الذى ينذر بخطر جسيم على وحدة الدولة الليبية. تبدو ليبيا الثورة فوق صفيح ساخن وهى تستعد للاحتفال بالذكرى الثانية لثورتها يجرى الآن العمل على تجهيز 1440 بوابة فى طرابلس وضواحيها، إذ إن الوضع فى طرابلس خلال الفترة من 10إلى 20 فبراير سيكون غاية فى الخطورة، وبدأ شباب ثورة ليبيا العصيان لمواجهة الفوضى العارمة، والسجون والتعذيب، ومليون ونصف مهجر وبلد تنساق إلى «الصوملة» والانهيار، ويرفض الشباب القيادات التى جاءت وقفزت على السلطة بجوازات أمريكية وفرنسية وقطرية وبدأت تسيطر على مقدرات الدولة.. والشعب يعانى.. وأصبحت مطالب الشعب الليبى يوم 15/2 ممثلة فى طرد هذه القيادات.. وعودة الشرطة والجيش والقضاء.. ووحدة ليبيا. وبعد أن تدخل حلف الناتو وأسقط حكم الزعيم الراحل معمر القذافي، صار الوضع الأمنى فى ليبيا يشكل مصدرًا للقلق بالنسبة للأعضاء الدائمين فى الأممالمتحدة. وجاءت مناشدة المملكة المتحدة مطلع الشهر الماضى للرعايا الغربيين بمغادرة بنغازى ثانى أكبر مدن ليبيا، خير تعبير عن تلك المخاوف، مستندة فى ذلك إلى تقارير استخباراتية مفادها أن هجمات إرهابية وشيكة قد تحدث ضد الأهداف الغربية فى بنغازى. ونقلت وكالات الأنباء عن طارق مترى رئيس بعثة الدعم الأممية لدى ليبيا قوله:«إن الوضع الراهن ينطوى على تحديات بالغة الخطورة على أمن واستقرار شمال إفريقيا». وأضاف «مترى» فى بيان ألقاه أمام مجلس الأمن الدولى فى السادس والعشرين من يناير الماضي- أن عملية الإصلاح وبناء الدولة فى ليبيا ما بعد القذافى تسير على وتيرة غاية فى التباطؤ تهدد الاستقرار، محذرا من أن الصراع الناشب فى مالى قد يمتد إلى ليبيا، وأشاد بالجهود التى تبذلها الحكومة الليبية برئاسة على زيدان، منذ استلامها السلطة فى الرابع عشر من نوفمبر الماضى، لتحقيق الاتفاق الوطنى بين الأطياف السياسية. وأشار رئيس بعثة الأممالمتحدة فى ليبيا إلى خطورة وهشاشة الوضع الأمنى فى بنغازى وسائر مناطق الجنوب الليبى إذ تؤكد تقارير أممية أن الحكومة الليبية لا تتمتع بقدر كبير من السيطرة الأمنية عليها، لافتا النظر إلى أن أوضاع الضبط الأمنى عبر الحدود الليبية ليست على ما يرام، وتشكل مبعث قلق دوليا لا سيما فى ظل الموقف الأمنى الناشئ عن الصراع فى مالى. ترسانة الأسلحة ويرى خبراء أمنيون بالأممالمتحدة أن انهيار النظام القديم فى ليبيا بعد مقتل القذافى نجم عنه تسرب ترسانة الأسلحة الخفيفة والمتوسطة إلى أيدى العناصر الإسلامية المتشددة، الأمر الذى مكن هذه العناصر من السيطرة على مناطق من مالى. ويحذر الخبراء الأمنيون من أن نجاح القوات الفرنسية فى إجلاء الميليشيات الأصولية المسلحة من المدن المالية قد يدفع بعضها إلى التسلل لمناطق أخرى لا تتمتع بسيطرة أمنية كافية فى دول الجوار بينها جنوب ليبيا، وبناء معاقل إرهابية جديدة، وهذه المناطق وصفها رئيس بعثة الأممالمتحدة لدى ليبيا بأنها «تعانى حرمانا من الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى ضعف الوعى الأمنى لسكانها. كما يشكل انسحاب نواب مناطق الجنوب فى البرلمان الوطنى الليبى من المؤتمر الوطنى العام علامة استفهام جديدة حول مدى خضوع صحراء جنوب ليبيا لسيطرة الدولة المركزية فى طرابلس. وألقى رئيس بعثة الأممالمتحدة لدعم ليبيا طارق متري، الضوء على المصاعب التى تواجه العملية الانتقالية فى ليبيا، وفى مقدمتها صعوبة تعميم تطبيق قواعد العدالة الانتقالية فى جميع أرجاء ليبيا، وبطء عملية إصلاح الأجهزة الأمنية وتعثر جهود المصالحة الوطنية وبناء دستور للبلاد يقوم على توافق وطنى جامع أو الاتفاق على انتخاب او تعيين الجمعية التأسيسية للدستور الليبى الجديد. ومثلما سطرت مدينة بنغازى الريادة فى الثورة الليبية التاريخية؛ عندما انطلقت منها شرارة الثورة، ثم قيادتها التمرد على الميليشيات المسلحة، وإجبارها على إغلاق معسكراتها، وتسليم أسلحتها، وكذلك نجاحها فى إخراج عناصرها من المدينة وسائر المدن الليبية؛ لتصحيح مسار المرحلة الانتقالية من خلال كسر شوكة الميليشيات المسلحة، الأمر الذى فشل فى تحقيقه المجلس الوطنى الانتقالى والحكومة المنبثقة عنه، وكان يشكل أكبر العقبات أمام المؤتمر الوطنى العام المنتخَب برئاسة «محمد المقريف». ورغم الجهود التى بذلتها الجماعات الليبية فى الثورة وحمايتها فإنَّه من المسلَّم به أنَّ وجود السلاح خارج سيطرة الدولة يشكل عقبة على جانب كبير من الخطورة؛ فالسلاح يجب أنْ يكون حصريًّا للدولة الليبية فقط، والجيش الوطنى الليبى جيش واحد غير متعدد، كما أنَّ قوات الشرطة والأمن الليبية لا يمكن أنْ تكون متعددة، ولا يجمعها جامع واحد ولا قيادة واحدة؛ فسيادة الدولة الليبية معناها أنَّها تملك وحدها السيطرة على هذه الأجهزة، وأنَّ الدولة وحدها هى التى تشكلها، وتنفق عليها، وترسم لها السياسات، وتحدد لها الواجبات والأولويات، كما أنَّه لا مجال لاستقلال كتيبة من كتائب الجيش عن باقى التكوينات العسكرية. ولعل من الأخطاء التى ارتكبها المجلس الوطنى السابق برئاسة المستشار «مصطفى عبد الجليل» أنَّه لم يتعامل مع قضية السلاح والتنظيمات المسلحة بما تستحقه من اهتمام؛ فبقاء الميليشيات يعنى استمرار غياب مؤسسات الدولة الليبية - العسكرية والأمنية والمدنية - وفوضى السلاح، وتمدد وانتشار التنظيمات، وتفاقم التجاوزات على حقوق الإنسان؛ من اعتقالات للآلاف من أنصار النظام السابق خارج سلطة القانون، وممارسة عمليات قتل وتعذيب استدعت انتقادات وإدانة من المنظمات الدولية، وأعطت صورة سلبية عن الثورة الليبية. مصير الميليشيات وإذا كانت الخطوة الأولى الصحيحة قد بدأت فيجب التثنية والبناء عليها؛ لضمان أنَّ هذه التنظيمات تم حلُّها، ولم تعد موجودة، ولم يعد أعضاؤها يحملون السلاح. وهذا لن يكتمل إلَّا إذا تم دمج هذه الميليشيات إلى الجيش الوطنى الليبى أو إلى قوات الشرطة الليبية، دمجًا كاملًا لا تظهر لها من بعده استقلالية. وتتحمل الحكومة السابقة - برئاسة عبد الرحيم الكيب، ومعها المجلس الوطنى الانتقالى السابق - مسئولية عدم ضم وإلحاق هذه الميليشيات إلى الجيش والشرطة رغم مرور شهور طويلة على الثورة، ورغم أنَّ هذه الخطوة تشكل أولوية أولى يُجْمِع عليها الليبيون. وتواجه الحكومة الليبية الجديدة - برئاسة د. مصطفى أبو شاقور، ومعها المجلس الوطنى المنتخب برئاسة محمد المقريف - تحديين على جانب كبير من الأهمية والخطورة:الاول: إنهاء وجود الميليشيات خارج أُطُر الدولة، ويشمل هذا التحدى بالتأكيد جمع السلاح من الشارع الليبى؛ فوجود أكثر من عشرين مليون قطعة سلاح - كما يقرر الخبراء - يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن والحياة الطبيعية، وفى نفس الوقت تعطيلًا لمسيرة الثورة الليبية. والتحدى الثانى: هو الإسراع فى بناء المؤسسات الوطنية وإنجاز كتابة دستور جديد دون ضغط من الميليشيات المسلحة لانتزاع مكاسب خاصة، وسعى جماعات معينة لصبغ المجتمع الليبى بصبغة لا تتفق مع سماحة مقاصد الشريعة الإسلامية. رغم أنَّ الانفلات الأمنى ليس جديدًا على بلدان الثورات العربية؛ مثل تونس ومصر واليمن، إلا أن الوضع فى ليبيا يبدو أكثر حدة، لأن الدولة بكاملها انهارت ويتم بناء دولة من جديد. وإذا كان رئيس المؤتمر الوطني، محمد المقريف، قد ضخَّم من حجم انتشار أنصار «تنظيم القاعدة» فى ليبيا، واتهمهم بالهجوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازى قبل إجراء أى تحقيق، وتحدَّث عن ارتباطهم بشبكة من العلاقات مع أنصار التنظيم فى الجوار الإقليمى، والتنسيق مع بقايا النظام السابق- فإنَّه قد يفهم من ذلك أنَّ ليبيا مرشحة لأنْ تكون بؤرة نشاط للتنظيم فى شمال إفريقيا. كما أن المواجهات بين القبائل المختلفة فى ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي، وآخرها بين أفراد قبيلة التبو وسكان مدينة سبها وقبائلها. وتبدو هذه المواجهات مرشحة للتوسع بسبب الانفلات الأمنى فى الجنوب الليبى وكذلك الموقع الجغرافى المهم لسكان القبيلة، حيث تقيم قبيلة التبو فى المربع الحدودى بين ليبيا وتشاد والسودان والنيجر. وهى قبيلة امازيغية لها لغة خاصة غير العربية يقيم معظم أفرادها فى منطقتى قدر وحارة التبو فى مدينة الكفرة، ويقومون فى بيوت مبنية معظمها من أوراق النخيل والصفيح، وجميعهم من ذوى البشرة السمراء و يقدر عددهم بحوالى مليونى نسمة تقريبا، ويعتقد أنهم ينحدرون من تشاد. وقد تكررت الاشتباكات أكثر من مرة بين قبيلة التبو وقبائل سبها خلال الفترة الأخيرة. إن استمرار المواجهات بين الجماعات المسلحة المختلفة الاتجاهات والمشارب السياسية فى ليبيا شكل عبئا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على الحكومة المؤقتة والمجلس الوطنى الانتقالى، الأمر الذى أدى إلى زيادة مشاعر القلق والإحساس بعدم الأمان. فى الوقت الذى تنتظر فيه سوريا انطلاق حوار الإنقاذ بين النظام والمعارضة، يخوض الجيش السورى معارك عنيفة مع مقاتلى المعارضة فى دمشق للسيطرة على منطقة تقع إلى الشرق من وسط المدينة فيما سيطر مقاتلون معارضون على سد الفرات فى شمالى سوريا، بينما شدد الرئيس السورى بشار الاسد على أن بلاده لن تتراجع عن ثوابتها رغم «الضغوط والمؤامرات». وقال إن «سوريا ستبقى قلب العروبة النابض ولن تتنازل عن مبادئها وثوابتها مهما اشتدت الضغوط وتنوعت المؤامرات التى لا تستهدف سوريا وحسب، إنما العرب جميعا»،وجاءت كلمات الرئيس السورى بعد تدمير أكثر من 60% من مدنها وهو ما دفع رئيس الائتلاف السورى معاذ الخطيب بطرح مبادرة الحوار لإنقاذ ما تبقى من سوريا. وأعرب الخطيب عن استعداده للقاء ممثلين للنظام فى خارج سوريا، مشددا فى الوقت نفسه على ان الحوار سيكون حول «رحيل النظام» واشترط الخطيب اطلاق سراح 160 ألف معتقل من السجون وتجديد جوازات سفر السوريين المقيمين فى الخارج، قبل أن يقترح اسم نائب الرئيس فاروق الشرع كطرف محاور. ومع انتهاء مهلة حددها الخطيب للنظام لإطلاق السجينات، قال رئيس الائتلاف إن عدم التجاوب مع هذا الطرح «رسالة سلبية جدا»، طارحا فى الوقت نفسه التحاور فى «المناطق المحررة» فى شمال سوريا. ورد وزير الاعلام السورى عمران الزعبى بأن دمشق مستعدة للحوار لكن من دون «شروط مسبقة». وقد حظيت مبادرة الخطيب بترحيب دولى من الولاياتالمتحدة وجامعة الدول العربية، اضافة الى روسيا وإيران حليفتا النظام السورى، فيما نقل عن وزير الخارجية الإيرانى على أكبر صالحى قوله إن الرهان على سقوط الحكومة السورية هو «تصور خاطئ والأيام أثبتت ذلك»، لكن فى الوقت نفسه «فإن المعارضة ايضا حقيقة موجودة لا نستطيع إنكارها». وهذه اول مرة تعترف فيها ايران بوجود معارضة سورية وأضاف: «بات هناك الآن صوت معتدل يعلو فى المعارضة عقلانى يتجه للحكمة ويريد حل المشكلة السورية»، فى اشارة الى الخطيب الذى التقاه للمرة الاولى فى ميونيخ، ومن المقرر ان يستكمل التواصل معه. واعتبر صالحى ان المعارضة السورية بدأت تنظر الى الامور «بشكل واقعي»، وان بلاده تبذل جهودها «لوقف العنف والقتال بأسرع وقت. فيما علمت «أكتوبر» أن الأطراف المؤثرة فى الصراع بدأت التركيز على أجندة الحوار وموعده ومكانه ومن المتوقع أن تكون جنيف المرشحة للحوار بعد اجتماع «جنيف واحد» وعليه متوقع أن يتم البناء عليه فى «جنيف اثنين» لانضاج مبادرة لحل الأزمة تلبى طموح الشعب السورى. وكانت الأيام الماضية قد حملت ملامحًا لمشروع التسوية السياسية فى سوريا يتضمن النقاط التالية: 1- أن يتم الإتفاق على وقف القتال فوراً فى كل أنحاء سوريا. 2- أن يبقى كل طرف فى المكان الذى هو فيه ساعة وقف اطلاق النار. 3-يتم تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين وبرعاية عربية محايدة من الدول التى تقف على الحياد لبحث كل اوراق الخلاف. 4- تتفق اللجنة على تشكيل وزارة مشتركة مؤقته مهمتها إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية دون استثناء أى طرف أو شخصية وذلك برعاية دولية وعربية تشرف عليها منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية والعربية ذات الاختصاص وتكون مراقبة من قبل هذه اللجنة والمنظمات المشرفة عليها ويبعد عنها أى إشراف لأى طرف من أطراف الصراع. 5- يتم الاتفاق أن نتائج الانتخابات ملزمة لكل الأطرف والأطراف التى تدعم كل طرف على ان يتوقف الدعم المادى والعسكرى لكل الأطراف حال الموافقة على هذا المشروع وتلتزم كل الأطراف بهذا الوقف تحت طائلة عقوبة تفرض على الطرف الذى يخرق هذا الاتفاق. 6- يتم الترشح لهذه الانتخابات لأى شخصية سورية وحتى للرئيس الحالى بشار الأسد وقادة الفصائل والمجالس الوطنية والمعارضة من الداخل والخارج واى شخصية اعتبارية سورية. 7- يتعهد من يفوز بالانتخابات ألا تتم أى عمليات تصفية او انتقام من الطرف الآخر وأن يتم التعاون بين الفائز والخاسر فى هذه المعركة الديمقراطية لإعادة بناء سوريا على ان تتولى جهة خاصة تكلف بإعادة البناء وبمساندة الدول المانحة. 8- هذا المشروع يأخذ موافقة جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولى او هيئة الأممالمتحدة ليصبح مشروعاً عربياً ودولياً. لكن هذه العملية السياسية سوف تأخذ وقتها وربما تشتعل المواقف اذا فشلت الاطراف فى التوصل الى حلول فعلية وايضا اذا لم تحدث مفاجآت.