وسط مخاوف أمنية تلقى بظلالها على ليبيا حكومة وشعباً من اندلاع أعمال عنف وفوضى خلال المظاهرات المتوقعة بمناسبة الاحتفال بمرور عامين على اندلاع الثورة الشعبية ضد نظام القذافى، جاءت كلمات البيان الذى أصدره التجمع الوطنى لثوار ليبيا حاسمة لتذكر الليبيين بأن ثورة 17 فبراير هى ثورة كل الليبيين الذين خاضوها من أجل التحرير. ويؤكد البيان على رفضه بكل قوة أسلوب عرقلة مسيرة الثورة وخلق الفوضى والهلع لدى المواطنين خاصة فى العاصمة طرابلس وبنغازى. وأن أى محاولة للالتفاف على الثورة تعد خيانة للوطن تحركها أجندات خارجية والأيادى السوداء من بقايا العهد البائد لزعزعة أمنه واستقراره وتعطيل مرحلة البناء للدولة ومؤسساتها. واضاف البيان أن من يتلاعب باسم الثوار لن يكون له مكان بينهم، وأن الشعب الليبى لم تنطو عليه أساليب المراوغة والخداع، والمؤتمر الوطنى العام هو نتاج ثورة فبراير الذى اختاره كل الليبيين عن طريق صناديق الانتخابات وحكومته المؤقتة تمت وفق آليات رسمية وشرعية شفافة. ودعماً لنفس الاتجاه عقد رئيس الحكومة الانتقالية د.على زيدان مؤتمراً صحفياً مفاجئاً الأسبوع الماضى فى العاصمة الليبية طرابلس أكد خلاله أن حكومته اتخذت جملة من الإجراءات والترتيبات لتأمين البلاد، مشيراً إلى أن رجال الجيش والشرطة على أهبة الاستعداد. ودعا رئيس الحكومة مواطنيه للوقوف إلى جانب حكومته ضد من قال إنهم يعرقلون تكوين الجيش والشرطة، ويريدون تحويل ليبيا إلى الصومال أو أفغانستان، مضيفاً أن الحكومة ليس لديها مصباح سحرى، ندعو الجميع للتعاون على تحفيز الشباب على الدخول لقوات الجيش والشرطة. وكشف زيدان عن وجود 16 ألف سجين هارب فى شوارع طرابلس وقال «إن وضعنا الأمنى الآن ليس مثالياً لكنه أفضل مما كان عليه من شهر سابق، ولدينا 30 ألف عنصر تدربوا مؤخراً فى قوات الشرطة ونعيد تأهيل المعسكرات وتدريب القوات، وضع الجيش مترهل ونحاول إعادة تأهيله، وقياساً بوضعنا السابق الوضع الأمنى معقول إن لم يكن جيداً». أما الوضع فى بنغازى المدينة التى انطلقت منها شرارة الانتفاضة التى أطاحت بحكم القذافى، فالوضع سيىء فالميليشيات المتناحرة المسلحة أكثر قوة من الشرطة، ما يدفع سكان المدينة للتساؤل.. أين الدولة؟ ووسط الفوضى والقمامة التى تملأ الشوارع وتهاوى الخدمات زاد شعور السكان بالإهمال من جانب العاصمة طرابلس، وهو ما جدد المطالب بالحكم الذاتى فى منطقة تتركز فيها أغلب ثروة ليبيا النفطية. وهو ما دفع وزير الداخلية الليبى عاشور شوايل إلى أن يخص مسقط رأسه بنغازى بالذكر حيث تحدث خلال يناير الماضى عن مشروع ضخم لبناء قوة شرطة فعالة. وقال إن الأمن يتحسن والهجمات تتراجع، مشيراً إلى أن الأوضاع لم تعد بالسوء الذى كانت عليه، وبعد مرور أسابيع قليلة على تصريحات الوزير يجرى بحث فرض حظر تجول فى المدينة التى يقطنها نحو مليون نسمة. ورغم استيعاب البعض فى وزارة الداخلية والجيش، إلا أن فصائل مثل درع ليبيا و 17 فبراير وراف الله السحاتى تستعرض سلاحاً أكثر مما تمتلكه الشرطة والجيش وتقدر أعداد أفرادها بالآلاف والشرطة لا تريد تحيدها لأنها ببساطة لا تملك القوة البشرية الكافية. ويقول قائد قسم شرطة فى وسط بنغازى: «ليس لدينا سوى المسدسات والبنادق، وهم لديهم دبابات وأسلحة ثقيلة، نريد أن نقوم بعملنا بعملنا لكن بعض ضباط الشرطة يشعرون بالخوف». وحتى إذا نفذت قوات الأمن اعتقالات فإن ما يتلوها من هجمات تقلل عزيمة رجال الشرطة، وما زال محقق بالشرطة مفقوداً منذ خطفه فى يناير الماضى. ويقول أحد الضباط «كل يوم أنظر أسفل سيارتى وأنظر فى المرآة لما ورائى قبل أن أنطلق بها، أنا فخور بأننى ضابط شرطة لكن أصبح علينا توخى الحذر الآن، أى شخص منا يخرج من منزله يكون مثل الشهيد». هذه ليست الصورة التى يتمناها أهل بنغازى لمدينتهم، فالحياة تعطلت بسبب أعمال العنف والاضطرابات، إضافة إلى مطالبة البعض بالحكم الذاتى أو ضخ استثمارات فى المدينة التى تبعد ألف كيلو متر إلى الشرق من طرابلس. وإلى جانب المشكلات الأمنية تعانى بنغازى من فشل الحكومة فى الوفاء بمطالب السكان الذين يتزايد إحباطهم منذ غادر زعماء المعارضة السابقين قاعدتهم الشرقية إلى طرابلس العاصمة. وفى نفس السياق حذر رئيس لجنة السياسات العامة بالمجلس الوطنى الانتقالى الليبى فتحى محمد البعجة من خطورة التدخل الأجنبى فى شئون بلاده، وقال إنه «سيعد كارثة كبيرة خاصة أن الأرضية الحالية فى ليبيا يملؤها الفوضى والفساد وعدم التراخى بين الناس». وأبدى البعجة مخاوفه فى الميليشيات المسلحة التى من الممكن أن تتعامل على إحدث انقلاب عسكرى، مشيراً إلى أن هذا الانقلاب سيناريو محتمل، حيث إن هناك مجموعات مدعومة من الخارج ومعها قوة السلاح. والآن ورغم مرور عامين على انطلاق الثورة الليبية والنجاح فى الإطاحة بنظام القذافى، ورغم إجراء الانتخابات البرلمانية فى يوليو الماضى، والنجاح فى تشكيل مؤسسات الدولة، إلا أن المخاوف الأمنية مازالت تلقى بظلالها الكثيفة على ليبيا حكومة وشعباً، شرقاً وغرباً.. ومازال الأمن والاستقرار حلماً صعب المنال أمام المواطن الليبى.