تلاحقت الأحداث بأسرع مما نتصور.. وتساقط الضحايا بأكثر مما نقدر.. وبدا المشهد كأننا جميعا نتسابق لخراب مصر! هكذا عاشت مصر وعاش المصريون على امتداد الأسبوع الماضى.. مظاهرات غاضبة خلعت عنها ثوب السلمية الذى حرص شباب ثورة 25 يناير على ارتدائه طوال أحداث الثورة.. ولم تحافظ هذه المظاهرات الغاضبة على الممتلكات العامة والخاصة فتم تدمير مبان ومنشآت حكومية وغير حكومية.. أقسام شرطة ومديريات أمن ومحافظات ووزارات وطرق وكبارى ومحطات مترو.. حتى الفنادق السياحية لم تسلم من هذا التدمير.. وراح الغاضبون يهاجمون ضباط وجنود الشرطة بلا سبب أو مبرر.. كأنهم أعداء الوطن!.. وتساقط قتلى وجرحى لا أحد يعرف من قتلهم ومن أصابهم! وغرقت مصر فى الخراب والأهوال. وكان من الممكن أن تعيش مصر أكثر من الخراب والأهوال فقد راح الجميع - بلا استثناء - يتسابقون لارتكاب الأخطاء والخطايا. ورأينا وسمعنا العجب!! رأينا وسمعنا داعية يطلب من الرئيس ألا يتردد فى استخدام القوة ضد المتظاهرين.. وراح هذا الداعية يؤكد أن أعضاء الجماعات الإسلامية جاهزون للنزول إلى الشارع بدلاً من قوات الشرطة التى وصفها بالمتقاعسة!.. (البعض دعا لاستخدام الرصاص الحى ضد المتظاهرين). ويمضى الداعية خطوة أبعد فيطالب الرئيس مرسى بالضرب بيد من حديد ويسأله كأنه يحرضه: هل تنتظر حتى يعتدوا عليك فى قصرك؟! ونسمع من أحد المحافظين كلاما غريبا وعجيبا خلال انعقاد المجلس التنفيذى للمحافظة.. قال المحافظ: إن عدد الإخوان المسلمين يقارب 5 ملايين سيخرجون لحماية الشرعية إذا اضطروا لذلك. نفس الكلام تقريبا نسمعه خلال اجتماع بعض قيادات التيار الإسلامى الذى يلمح فى بيانه إلى مسألة "الكثرة" والاعتماد عليها فى "حماية الشرعية" مؤكداً أن كل ما تشهده البلاد لا علاقة له بالثورة.. وإنما هى محاولات تخريبية وممارسات خرجت عن السيطرة. ولم يغفل البيان أهمية وضرورة توحد التيار الإسلامى بكل فصائله.. كأنه فى حرب مقدسة ضد التيار الآخر.. تيار اللاإسلاميين (!!!). ونسمع كلاما عن مؤامرات ومخربين وتلقى أموال من الخارج.. فيزداد الاحتقان ويشتعل الغضب!. وعلى الجانب الآخر يرتكب كثيرون نفس الأخطاء والخطايا.. بطريقتهم!. نسمع من جبهة الإنقاذ كلاما عن ضياع شرعية الرئيس وعن إسقاطه.. وعندما يستهجن كثيرون دعاوى إسقاط الرئيس يبدأ الحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة!. هل يدرك أصحاب هذه الدعاوى أن سقوط الرئيس - أى رئيس - بعد مضى نصف عام على انتخابه يعنى سقوط أى رئيس قادم؟! هل يعرف قادة جبهة الإنقاذ أن سقوط الرئيس الحالى سواء بانتخابات مبكرة أو بغيرها هو سقوط لمصر فى بحر الفوضى؟!. ثم هذا العنف الذى وصل إلى حد الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وتدمير المنشآت والمبانى وقطع الطرق وتعطيل المواصلات.. أين قادة جبهة الإنقاذ فى التصدى لهذا الخراب؟!.. وهل ينحصر دورهم فى بعض كلمات ينتقدون بها العنف على استحياء؟!. أما أكبر أخطاء جبهة الإنقاذ من وجهة نظرى والتى أعتبرها خطيئة قبل أن تكون خطأ.. فهى رفض الحوار الذى دعا إليه مؤخراً الرئيس محمد مرسى.. ليس لسبب - على حد قولهم - إلا لأن الرئيس لم يوجه لهم الدعوة باسم جبهة الإنقاذ. إلى هذا الحد تتغلب الكبرياء على مصلحة الوطن؟!. ومن حُسن الحظ أن هناك من تذكر أن للوطن مصلحة!. *** على الرغم من أن قادة جبهة الإنقاذ أعلنوا عن رفضهم الانضمام للحوار الذى دعا إليه مؤخراً رئيس الجمهورية.. إلا أن الرئيس مرسى أعلن أنه لا يمانع فى الاتصال شخصيا بقادة جبهة الإنقاذ ودعوتهم للانضمام إلى الحوار الوطنى. وأكثر من ذلك فقد تم الإعلان عن "حجز مقاعد" لجبهة الإنقاذ (التى رفضت الانضمام للحوار) داخل اللجنة التى ستناقش التعديلات الدستورية. أما ما أعلنه الدكتور سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة بشأن مبادرة تعديل قانون الانتخابات فهو بالتأكيد يدخل فى إطار محاولات الإخوان المسلمين لإثبات حُسن النوايا!.. فقد تضمنت المبادرة ترتيب وضع المرأة فى القوائم الحزبية وقضية الانتماء الحزبى وفصل المرشح الذى ينتمى لحزب أو تيار يتخلى عنه وينضم لحزب آخر أو تيار آخر بعد نجاحه فى الانتخابات.. فالحقيقة أن هذه الأمور تمثل حجر الزاوية فى خلاف جبهة الإنقاذ مع الإخوان المسلمين.. وليس هناك شك فى أن تقليص مساحة الاختلاف يصب فى مصلحة الوطن!. الحقيقة أيضاً أن هناك أكثر من مبادرة ساهمت إلى حد كبير فى تقليل حجم الاحتقان وتقليص مساحة الخلاف والاختلاف.. من بين هذه المبادرات مبادرة الدكتور محمد البرادعى التى تضمنت دعوة رئيس الجمهورية والجيش والشرطة وغيرها من القوى السياسية.. ومبادرة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح التى حاولت تقريب وجهات النظر بين التيار الإسلامى وجبهة الإنقاذ.. ثم مبادرة الأزهر التى دعا إليها مؤخراً الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف والتى أكدت على أهمية الحفاظ على حرمة الدم المصرى وحماية النسيج الوطنى الذى هو درع الأمة المصرية. ولا ننسى مبادرة حزب النور التى جاءت متفقة إلى حد كبير مع المطالب التى تنادى بها جبهة الإنقاذ. ويدخل حزب النور فى حوار مع جبهة الإنقاذ يمكن وصفه بالحوار الإيجابى.. على أنه من الغريب والعجيب أن ترتفع بعض الأصوات فى التيار الإسلامى تنتقد مبادرة حزب النور وتعتبرها نوعا من الانشقاق عن التيار الإسلامى!. وقد لا تختلف مبادرة حزب النور عن غيرها من المبادرات الأخرى لكن الحقيقة أن أهميتها تنبع من كونها مثالا ونموذجا على أن الخلاف السياسى لا يجب ولا يصح أن يكون خلافا دينيا.. وأن تقسيم المجتمع إلى تيار إسلامى وتيار ليبرالى خطأ فادح.. والصحيح أن هناك تيارا إسلاميا يضم أحزابا قد يتفق بعضها مع الأحزاب الليبرالية وأن هناك تيارا ليبراليا يضم أحزابا قد يتفق بعضها مع التيار الإسلامى وهو فى النهاية ما يساهم فى الحفاظ على نسيج المجتمع رغم خلافاته السياسية!. *** الوطن يمر بأصعب الظروف والمواقف.. الوطن يوشك أن ينزلق فى حرب أهلية ستقضى عليه.. لماذا ننسى أن مصلحة الوطن يجب أن تعلو فوق أى مصلحة؟.. ولماذا ننسى أن الخلاف فى الرأى لا يجب أن يفسد للود قضية؟.. لماذا ننسى أنها مصر وأننا مصريون؟!