هل يمتد الربيع العربى إلى باكستان؟ سؤال طرحته الصحف العالمية بعد المظاهرات التى اجتاحت إسلام آباد الأسبوع قبل الماضى، وشارك فيها الآلاف من الباكستانيين، ورغم انتهاء هذه المظاهرات سريعا بعد 5 أيام من اندلاعها بعد توصل زعيم المعارضة طاهر القادرى لاتفاق مع الحكومة على تنفيذ مطالب المحتجين، إلا أن هناك عدة أمور ينبغى التوقف عندها فى هذه الاحتجاجات، الأمر الأول يتعلق بقيادة المظاهرات، حيث نجد أن ثورات الربيع العربى التى اندلعت فى بعض الدول العربية كمصر وتونس وليبيا لم يكن لها قائد أو زعيم، ولكن الأمر اختلف فى باكستان، حيث كان عالم الدين الصوفى والداعية الإسلامى «محمد طاهر القادرى» عنصر مؤثر فى تحريك الشارع ضد الحكومة التى اتهمها بالفساد. ورغم أن القادرى رجل دين، إلا أنه ليس بعيدا عن الحياة السياسية فى بلده، فهو رئيس حزب الحركة الشعبية المعارض الذى أسسه عام 1989، وبعد عامين من تأسيسه شارك حزبه فى الانتخابات التشريعية، كما انتخب القادرى عضوا بالجمعية التأسيسية فى مدينة «لاهور» قبل أن يتقدم باستقالته من الجمعية عام 2004، ليترك بعدها باكستان ويسافر إلى كندا التى استقر بها 8 سنوات، حتى عاد إلى بلاده الشهر الماضى ليقود تلك الاحتجاجات، مما جعل البعض يشبهه ب «الخمينى»، واتهمته الحكومة الباكستانية بأنه جزء من مؤامرة خطيرة تهدف لتأجيل الانتخابات والاستيلاء على السلطة. الأمر الثانى يتعلق بدور الجيش فى هذه الأحداث، فهناك من يعتقد أن وراء المظاهرات ضمنيا قادة الجيش بعد أن أثار استياؤهم الفساد المستشرى وسط السلطات المدنية، ويرى هؤلاء أن القادرى الذى غاب عن بلده لفترة طويلة لم يكن بوسعه أن يحشد- دون مساعدة العسكر- خلال وقت قصير مثل هذا العدد من المشاركين فى الاحتجاجات، لكن القادرى ينفى أن تكون تحركاته قد أتت بأمر من الجنرالات، ويصف مهمته بأنها طرد اللصوص والفاسدين. وتتعلق الملاحظة الأخيرة، بالنتائج التى ترتبت على الاحتجاجات، حيث استجابت الحكومة بشكل سريع لمطالب المحتجين، وتوصل القادرى لاتفاق مع الحكومة ينص على حل البرلمان قبل 16 مارس المقبل، وإجراء الانتخابات خلال 90 يوما، بالإضافة لإعادة تشكيل لجنة الانتخابات العامة، أما المفاجأة الأكبر فتمثلت فى قرار المحكمة العليا فى باكستان باعتقال رئيس الوزراء « راجا برفيز أشرف» بتهمة الفساد وتلقى الرشاوى حين كان وزيرا للموارد المالية والطاقة عام 2010، ورغم أن قرار الاعتقال لم يتم تنفيذه حتى الآن، إلا أن صدوره فى حد ذاته يدل على نجاح المتظاهرين فى تحقيق أهدافهم. وركزت معظم الصحف الباكستانية على الاتفاق الذى تم بين القادرى والحكومة الباكستانية، وتحت عنوان « انتهت اللعبة» كتبت صحيفة «ديلى تايمز» الباكستانية أن ميلودراما المسيرة المليونية الطويلة التى استمرت 5 أيام انتهت بفوز كل من الحكومة والقادرى على السواء، وقالت إن نجاح المفاوضات التى دارت على مدار أكثر من 5 ساعات بين وفد من 10 أعضاء يضم ممثلين لحزب الشعب الباكستانى وشركائه فى الحكومة الائتلافية وبين الدكتور القادرى لم يعط فقط متنفسا إلى حكومة هشة فى أيامها الأخيرة فى السلطة، بل أعطى للقادرى أيضا فرصة لإنقاذ ماء الوجه، بعد أن واجه وحدة غير مسبوقة بين جميع القوى السياسية التى رفضت ما فعله. وتحت عنوان «دموع وهتاف مع انتصار المحتجين» كتبت صحيفة «نيشن» الباكستانية أن الحل السلمى لهذه الأزمة السياسية جلب شعورا بالارتياح إلى أغلبية كبيرة من الشعب، وحظى بإشادة كبيرة من القادرى وأنصاره، وأيضا من شركاء الحكومة الائتلافية الذين اعتبروه انتصار للديمقراطية.