استجابت الجمعية التأسيسية لوضع الدستور لمقترحاتنا ومطالباتنا المتكررة بجعل هيئة النيابة الإدارية إحدى الهيئات المستقلة في الدستور، وقد كان آخر مطالباتنا بذلك حديثنا المنشور الأحد الماضي في مجلة أكتوبر الغرَّاء. وسوف نناقش فيما يلي أسباب تراجع لجنة نظام الحكم عن اقتراحنا بجعل هيئة قضايا الدولة نيابة مدنية وعدم الاعتراف بهيئة قضايا الدولة كهيئة مستقلة أسوة بالنيابة الإدارية. و نحن نرى أن هذا التمييز بين الهيئتين لا يوجد له سند دستورى أو قانونى وذلك لوحدة مراكزهم القانونية والدستورية وذلك طبقاً لوجوه التطابق التالية : الوجه الأول : وحدة المركز الدستورى للهيئتين باعتبارهما منبثقتين عن المادة 167 من دستور 1971 والتى كانت تنص على أنه «يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم .» وقد تضمَّنت المادة الأولى من كل من قانون الهيئتين المذكورتين على نصّين صريحين بأنهما هيئتان قضائيتان مستقلتان نفاذا للنص الدستوري. الوجه الثانى : المساواة فى الحقوق المادية بين الهيئتين فى المُرتبات وجميع الحقوق المالية والمزايا الوظيفية المادية والمعنوية والخدمات الصحيّة والاجتماعية، ويشمل ذلك جميع الهيئات القضائية فى مصر. الوجه الثالث : وحدة التبعية الإدارية الهيكلية لكل من هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية لوزارة العدل. الوجه الرابع : تقارب النظام الوظيفى للهيئتين باعتبارهما تخضعان لتشريعات وظيفية خاصة لهيئتين قضائيتين يكمل نظامهما الوظيفى قانون العاملين المدنيين بالدولة. الوجه الخامس : تقارب المعايير الموضوعية فى التعيين والترقية والتفتيش والتأديب بين هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية. وقد تقدمنا إلى المستشار الجليل وزير العدل بتاريخ 8/10/2012 باقتراح بمشروع قانون لإعادة تنظيم هيئة قضايا الدولة لتكون نيابة مدنية، ويتضمن هذا الاقتراح بمشروع القانون العناصر والخطوات التالية: أولا : يُعاد تنظيم هيئة قضايا الدولة لتكون نيابة مدنية تختص بتحضير القضايا المدنية والتجارية وغيرها طبقا للقانون، وتَتْبع فنيًّا وتأديبيًّا القضاء العادى ومجلس القضاء الأعلى، وتظل محتفظة – مؤقتا – بوضعها الوظيفى والمالى والإدارى ومقارها الحالية تحت إدارة المجلس الأعلى للنيابة الإدارية بتشكيله الحالى طبقا لقانون هيئة قضايا الدولة رقم 75 لسنة 1963 المعدل وذلك لمدة عشر سنوات تبدأ من العام القضائى التالى لسريان الدستور المصرى الجديد، أى العام القضائى 2013 – 2014 إن شاء الله تعالى. ثانيا : بعد مرور الفترة الانتقالية - العشر سنوات - يتولى إدارة النيابة المدنية أقدم الأعضاء يعاونه النائب الأول له والأمين العام ومكتب فنى متخصص فى الشئون المالية والإدارية. ثالثاً: سوف ينتهى «نظام هيئة قضايا الدولة القديم» الذى تحول إلى النيابة المدنية، ليحل محله «نظام النيابة المدنية الجديدة»، والأخير يتكون من أعضاء جدد تم تعيينهم من البداية فى القضاء العادى وعملوا كقضاة خمسة أعوام على الأقل، ويقوم مجلس القضاء الأعلى ومدير التفتيش القضائى للقضاء العادى بتزويد النيابة المدنية طبقا للنظام القديم باحتياجاتها من الأعضاء - إذا لزم الأمر - وذلك دون اختلاط فى الأقدمية بين النظام القديم والنظام الجديد، وذلك حرصا على الأقدميات والمسميات الوظيفية للدرجات بين أعضاء القضاء العادى وأعضاء النيابة المدنية طبقا للنظام القديم المتحول من هيئة قضايا الدولة. رابعاً: يخضع أعضاء النيابة المدنية وظيفيا لقانون هيئة قضايا الدولة رقم 75 لسنة 1963 المعدل – بعد تغيير عنوانه ليكون قانون النيابة المدنية- وقانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 المعدل ولائحة التفتيش القضائى للقضاء العادى والقوانين المعمول بها فى الدولة. خامساً: يخضع أعضاء النيابة المدنية فنيًّا بشأن التفتيش على أعمالهم للتفتيش القضائى للقضاء العادي، ويجوز لمدير التفتيش القضائى للقضاء العادى أن يطلب من المجلس الأعلى لهيئة قضايا الدولة ندب بعض مفتشى النيابة المدنية للمعاونة فى التفتيش على أعضاء النيابة المدنية، وتُعتمَد تقارير التفتيش من مدير التفتيش القضائى للقضاء العادي. ويتم تعديل المواد المتعلقة بذلك فى قانون هيئة قضايا الدولة. كما يخضع أعضاء النيابة المدنية تأديبيًّا للتفتيش القضائى للقضاء العادى ولمجلس القضاء الأعلى، وتُعدَّل المواد المتعلقة بذلك فى قانون هيئة قضايا الدولة. سادساً: يظل قانون هيئة قضايا الدولة الحالى ساريا تحت اسم قانون النيابة المدنية لحين خروج آخر عضو تم تعيينه بهيئة قضايا الدولة فى آخر دفعة تم تعيينها قبل سريان الدستور الجديد. سابعاً: تُحال الدرجات المالية الجديدة الخاصة بالتعيين الجديد فى النيابة المدنية – هيئة قضايا الدولة سابقا - إلى القضاء العادى اعتبارًا من العام القضائى 2012 – 2013، ويُعرَض أسماء من تقدموا بأوراقهم على مجلس القضاء الأعلى للنظر فى أمر تعيينهم بالنيابة العامة بعد استيفائهم للشروط القانونية طبقا لقانون السلطة القضائية. ثامناً: يتم الاحتفاظ بدرجات الترقّى فى الدرجات المختلفة لهيئة قضايا الدولة كما هي، ويظل المجلس الأعلى لهيئة قضايا الدولة محتفظا باختصاصاته الإدارية فى الندب والنقل والترقية إلى الدرجات المختلفة لمدة عشر سنوات مع مراعاة تقارير التفتيش الخاصة بالأعضاء المصدّق عليها من اللجان المختصة بأعضاء النيابة المدنية بالتفتيش القضائى للقضاء العادي، ومراعاة الجزاءات التأديبية التى قد تُوقّع على بعض الأعضاء من مجلس القضاء الأعلى. كما إن النيابة المدنية هيئة قضائية مستقلة يتمتع أعضائها بحصانة واستقلال القضاة. تاسعاً : يجب أن يُعيَّن ثانى أقدم أعضاء النيابة المدنية عضوا فى لجنة الانتخابات الرئاسية ولجنة الانتخابات البرلمانية لمجلسى الشعب والشورى. كما يجب أن يُعيَّن فى دائرة كل محكمة استئناف فى مكتب التفتيش القضائى مكتب فنى خاص للتفتيش على أعضاء النيابة المدنية ومتابعة أعمالهم وإصدار التوجيهات القانونية المدنية لهم ووضع القواعد العامة للتنسيق بين النيابات المدنية المختلفة على مستوى الجمهورية. عاشراً: بعد قيام النيابة المدنية بإعداد تقرير التحضير يقوم رئيس المحكمة الابتدائية أو رئيس محكمة الاستئناف – حسب الأحوال- بتحديد جلسة لنظر القضايا المدنية والتجارية والضرائب أمام إحدى الدوائر المختصة علما بأن النيابة المدنية سوف تنتهى فى تقريرها دائما بأن الأمر مفوض إلى هيئة المحكمة دون إبداء أى رأى يؤثر على عقيدة المحكمة على خلاف هيئة المفوضين بمجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا. حادى عشر : تُسجَّل القضايا الجديدة الواردة للمحكمة الابتدائية ولمحكمة الاستئناف العالى فى سجلات تلك المحاكم -المعمول بها حاليا -، وتُرسَل بعد ذلك مع مخصوص إلى مقار النيابة المدنية – مقار هيئة قضايا الدولة حاليا - ويصدر بتنظيم هذا الأمر قرار من وزير العدل بالتنسيق مع مدير التفتيش القضائى بالقضاء العادى ورئيس المجلس الأعلى لهيئة قضايا الدولة، أى النيابة المدنية. ثانى عشر : أقترح أن يُصدر وزير العدل قرارا وزاريا بتشكيل لجنة قضائية لهذا الأمر، وقد أرسلت مذكرة تفصيلية بشأن هذه الاقتراحات إلى المستشار الجليل أحمد مكى وزير العدل بهذا المعنى، وقد اقترحت أن تكون هذه اللجنة مشكلة برئاسة مدير التفتيش القضائى بالنيابة العامة وعضوية أقدم رؤساء المحاكم الابتدائية ومدير التفتيش القضائى الحالى لهيئة النيابة الإدارية والأمين العام لهيئة النيابة الإدارية ومن يرى إضافته عضوا بتلك اللجنة لعمل مشروع قانون بتعديل القانون 117 لسنة 1958 المعدل وقانون السلطة القضائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية ليساير هذه التعديلات المقترحة. وتشكيل لجنة أخرى بالطريقة التى تراها وزارة العدل لتعديل قانون هيئة قضايا الدولة تتضمن عناصر من هيئة قضايا الدولة.