ما إن أصدر القضاء البريطانى حكمه بترحيل الإسلامى المتشدد أبو حمزة المصرى إلى الولاياتالمتحدة حتى قامت السلطات البريطانية - على عكس توقعات المراقبين - بتنفيذ الحكم على الفور، لتغلق من جانبها ملف هذه القضية المثيرة للجدل، وتفتح المجال واسعا أمام جدل جديد فى أمريكا بشأن محاكمته أمام القضاء المدنى. وجاء ترحيل مصطفى كمال مصطفى - 54 عاما - المعروف بأبو حمزة المصرى، وأربعة مطلوبين آخرين، بينهم مصرى آخر يدعى عادل عبد البارى، إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية - حيث يواجهون تهما عدة تتعلق بالإرهاب - بعد أن رفضت المحكمة العليا فى لندن الاستئناف الذى تقدموا به بعد مصادقة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قبلها بأسبوع على قرار نهائى يقضى بترحيلهم. وقالت المحكمة إنها لم تقتنع بدفاع أبو حمزة القائل بأن حالته الصحية لا تسمح بتسليمه إلى واشنطن. وكانت تلك آخر محاولة من جانب أبو حمزة على مدار ثمانى سنوات لوقف تسليمه إلى الولاياتالمتحدة حيث يواجه 11 تهمة تتعلق بالإرهاب من بينها المشاركة فى خطف 16 سائحا غربيا فى اليمن عام 1998، وإقامة مركز لتدريب عناصر مسلحة بأمريكا، وتمويل جهاديين يرغبون فى التوجه إلى الشرق الأوسط لتلقى تدريب على أعمال إرهابية. وقد أثار القرار الانتقادات من قبل الجماعات الحقوقية فى بريطانيا، والتى اعتبرت أن تسليم المشتبه بهم للولايات المتحدة تحت سلطة قانون تسليم المجرمين - المثير للجدل - والصادر عام 2003، يشكل انتهاكا للسيادة البريطانية. ويرى كثيرون أن بريطانيا فشلت فى حماية مواطنيها من خلال السماح للولايات المتحدة بأن يكون لها اليد العليا عندما يتعلق الأمر بتسليم مواطنين بريطانيين. تفاصيل السيرة الذاتية لأبو حمزة المصرى تشير إلى أن: مصطفى كمال مصطفى ولد فى 15 ابريل 1958 فى الأسكندرية لعائلة متوسطة الدخل، والده كان ضابطا فى الجيش المصرى. وفى عام 1979 انتقل إلى المملكة المتحدة حيث درس الهندسة المدنية بجامعة برايتون، وتزوج من بريطانية أسلمت مما جعله يحصل على الجنسية البريطانية، ولكن هذا الزواج انتهى بالطلاق بعد 5 أعوام. وفى مطلع التسعينيات سافر «أبوحمزة» إلى أفغانستان كمتطوع للمساعدة فى إعادة إعمارها بعد الحرب الطويلة التى خاضها الأفغان ضد السوفييت، وأصيب فى انفجار لغم مما أدى إلى فقد البصر فى عينه اليسرى وبتر يده اليمنى واستبدالها بخطاف حديدى. وعاد إثر ذلك إلى بريطانيا ليصبح فى عام 1997 إماما لمسجد فينزبورى بارك فى شمال لندن، والذى ذاع صيته بسبب ارتباط اسمه بما وصفته بعض وكالات الأنباء الغربية ب «مركز لتجمع الإسلاميين المتطرفين». وتم تنبيه إدارة المسجد فى عام 2000 بعدم استعمال المسجد كمركز سياسى. وازدادت شهرة «المصرى» حين امتدح هجمات 11 سبتمبر 2001، وفى 20 يناير 2003 اقتحمت الشرطة البريطانية المسجد للتحقيق والتفتيش، وحسب تقارير الشرطة البريطانية فإنه تم العثور على «جوازات مزورة وغاز مسيل للدموع وسكاكين ومسدسات» بالإضافة إلى ما أسمته الشرطة «موسوعة الجهاد الأفغانى»، والتى كانت حسب وصف الشرطة «دليلا يحتوى على أسماء ساعة بيج بن وبرج إيفل وتمثال الحرية كأهداف تمكن مهاجمتها». وتم عزل المصرى من منصبه كإمام للجامع فى 4 فبراير 2003 ولكنه استمر فى إلقاء خطبه النارية فى الشارع المقابل للمسجد حيث اشتهر بتعاطفه العلنى مع زعيم القاعدة أسامة بن لادن ومواقفه المناهضة لغزو العراق 2003. وفى مايو 2004 صدرت بحقه مذكرة اعتقال أمريكية أوقفته على أثرها السلطات البريطانية قبل أن يحكم عليه القضاء البريطانى فى فبراير 2006 بالسجن لمدة 7 أعوام بتهمة «التحريض خلال خطبه على الكراهية العنصرية وقتل غير المسلمين». وفى عام 2008 وافقت بريطانيا على تسليمه لأمريكا وفقا لاتفاقية تبادل المجرمين بين الولاياتالمتحدة وبريطانيا والتى تلزم الأخيرة بتسليم من تطلبهم السلطات الأمريكية من دون الحصول على أدلة تورطهم فى أعمال إجرامية أو إرهابية، إلا أن القضية ظلت أربع سنوات أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لتعارض هذا الإجراء مع قوانين الاتحاد الأوروبى التى تمنع إحالة شخص لقضاء دولة أخرى يطبق فيها عقوبة الإعدام. وبعد ثمانية أعوام من الجدل القانونى جاءت موافقة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على ترحيله بعدما حصلت على تعهد من الحكومة الأمريكية بعدم توقيع عقوبة الإعدام عليه فى حالة إدانته وعدم إرساله إلى قاعدة جوانتانامو العسكرية بكوبا أو محاكمته أمام أية محكمة عسكرية أو شبه عسكرية، وهو ما قد يثير جدلا سياسيا فى أمريكا بشأن التهديدات الأمنية و«المعاملة برفق لأمثالهم» حسبما قالت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية حيث أشارت الصحيفة إلى تعهد الرئيس أوباما خلال الحملة الانتخابية 2008 بإغلاق سجن جوانتانامو ومحاكمة أخطر المتهمين هناك بمن فيهم المتهمين بتفجيرات 11 سبتمبر أمام محاكم مدنية.. لكن هذه الخطة أثارت جدلا سياسيا واسعا مما جعل الكونجرس يقر تشريعا يحظر نقل معتقلى جوانتانامو للمحاكمة بالولاياتالمتحدة.