«نريد المدد.. نريد المدد.. ولا نريد المد”.. بهذه الكلمات التلقائية الصادرة من القلب.. من وسط المعاناة وركام الآلام.. خاطبت زملائى أعضاء لجنة الصحافة بالمجلس الأعلى للصحافة.. كى أعبر عن المأساة التى تعيشها مؤسستنا المثقلة بديون وخسائر تقترب من 1800 مليون جنيه.. وجاء موعد صرف المرتب الشهرى وخزائننا وحسابتنا خاوية على عروشها للأسف الشديد. ومجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة وكل أجهزة الدولة السياسية والسيادية والأمنية تعلم ذلك تماماً.. ومع ذلك فقد تم تعيين رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية فى ظل هذه الظروف الخطيرة.. وكأننا أحضرناهم مكتوفى الأيدى والأقدام وألقينا بهم فى المحيط المضطرب.. ثم نقول لهم: انطلقوا كى تحققوا المعجزات!! ونحن نعلم تماماً أن زمن المعجزات قد ولى.. ولن يعود. وحتى نكون أكثر دقة وواقعية فإن الأنظمة البائدة قد ساهمت فى وصول المؤسسات الصحفية ودور النشر القومية إلى هذه الحالة المتردية والخطيرة.. بدءاً من التأميم الذى تم فرضه فى الستينات ومروراً بفرض قيادات غير مؤهلة وإعطائها صلاحيات ديكتاتورية مطلقة كى تدير هذه العزب كما تشاء.. وانتهاء بالوضع الكارثى الحالى.. ومن أبرز أسباب هذه الكارثة - وكوارث مصر كلها - سوء الإدارة بل فساد الإدارة غير العلمية وغير المؤهلة، وغير المتخصصة، فقد كنا نفاجأ بهبوط قيادات هذه المؤسسات بالباراشوت عليها.. ولا أحد يعترض أو حتى يسأل عن السبب.. بل كان هناك حملة المباخر والمنافقون فى كل عصر وحين.. يهللون للقادم الجديد ويلتفون حوله.. ويحاصرونه من أجل استمرار مصالحهم الذاتية.. على حساب المصلحة العامة.. وعلى حساب العمال والبسطاء من الإداريين والصحفيين، حتى إننا شاهدنا فى بعض المؤسسات خللاً هائلاً فى توزيع الأجور والدخول.. فهناك من يتقاضى مائة ألف جنيه شهرياً.. وهناك من يحصل على الفتات ومئات الجنيهات!! وفى ظل هذا الفساد تراجعت الخبرات وتقدم أهل الثقة والبهلوانات.. فانهارت المؤسسات وحققت خسائر فادحة تحت سمع ومشاركة ومباركة النظم السابقة.. التى كانت تعتمد أسلوب المسكنات: سحب على المكشوف من البنوك.. ودعم على مراحل من مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة.. وأخيراً - وهو الأهم - بيع بعض أصول هذه المؤسسات الكبرى.. وبلغ حجم الديون المتراكمة على المؤسسات الصحفية القومية أكثر من عشرة مليارات جنيه. *** ويجب أن نعرض لتجربتنا هنا فى دار المعارف ومجلة أكتوبر خلال الأسابيع القليلة الماضية.. فقد تسلم الأستاذ كمال محجوب (وأنا معه) هذه المؤسسة وهى خاوية على عروشها.. فحساباتنا فى البنوك والخزائن صفر تقريباً.. وتوقفت المطابع عن العمل.. وسحبت وزارة التربية والتعليم خمسة كتب من المطبعة.. وتراكمت مشاكل الموردين للورق وتراجع توزيع المجلة بصورة حادة.. وزادت ديونها.. ناهيك عن مشاكل أخرى كثيرة لا داعى لذكرها. ولكن هذا الوضع الخطير بدأ يتغير بفضل الله أولاً.. ثم بفضل تعاون المخلصين فى هذه المؤسسة.. فعادت المطابع للدوران وبعد سحب كتب وزارة التعليم.. حصلت المطابع على أكثر من 15 كتاباً.. كما زاد توزيع المجلة بنسب تتراوح بين 20 إلى 50%، خلال شهر واحد.. وبإحصائيات جريدة الأهرام ذاتها، والأهم من ذلك أن المؤسسة بدأت تشعر بروح جديدة وجدية والتزام وحب وإخلاص وتفان فى العمل.. حتى إن بعض العاملين فى المطابع عمل أكثر من سبعة أيام دون مقابل.. وفاءً وفداءً للدار العريقة التى تجمعنا والتى فتحت بيوتنا على مدى عشرات السنين. هذه الروح الرائعة هى أعظم مكاسب الفترة الماضية.. وليس عودة الإنتاج فقط، ونحن هنا نقدم أعظم تحية لإخوانى وأبنائى العاملين فى المطبعة.. هؤلاء الشرفاء الذين يكدون ويعرقون حتى نذوق جميعاً لقمة عيش حلال.. أقول لهؤلاء الرجال المخلصين: «إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً».. وسوف تحصلون على أعظم الجزاء.. فى الدنيا والآخرة بمشيئة الله، ونحن متفائلون بأن الشهور والسنوات القادمة سوف تشهد انطلاقة دار المعارف وعودة «الفنار».. شعارها الخالد.. كى يضىء العالم بعلمها وأعلامها، ولنعلم جميعاً أن نصر الله قريب.. *** وحتى نخرج من هذا المأزق.. اقترحنا على رئيس مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة عدة حلول.. تتمثل فى النقاط التالية.. * توفير دعم شهرى ثابت للمؤسسة لمدة ستة أشهر لسداد الرواتب والمستحقات الأساسية للعاملين. * الإسراع بتسوية مديونيات ومشاكل المؤسسة لدى كافة أجهزة الدولة (البنوك - التأمينات - المرور.. إلخ). * الاتفاق مع وزارة التعاون الدولى لتوفير منح خارجية لتطوير المطابع وتدريب العمالة والارتقاء بمستواها بما يتناسب مع حاجة العمل فى كل القطاعات. * مناشدة وزارات وأجهزة الدولة المختلفة للتعاون مع الصحف القومية فى أداء مهمتها والخروج من عثرتها. * الإسراع بتطبيق خطط الإصلاح الاستراتيجى التى وردت فى الدراسات المقدمة للجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشورى من المرشحين لرؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية. لذا فنحن ندعو مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة وكافة أجهزة الدولة السياسية والسيادية أن تتحمل مسئولياتها وتدرك خطورة هذه الأوضاع التى لا نتحمل مسئوليتها وحتى لا تصل الأمور إلى درجة لا تمكن السيطرة عليها، نحن ننبه من هذه المخاطر بكل أمانة وإخلاص. وفى ذات الوقت نحن ندعو مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين لتنظيم مؤتمر موسع تشارك فيه كل أطراف هذه الأزمة.. لوضع حلول عاجلة لها.. وأن يقدم الصغير قبل الكبير مقترحاته للخروج من هذا المأزق، إن كل يوم يمر بل كل ساعة تعمق هذا الجرح الغائر.. وتزيد انتشار المرض المستفحل.. إذا لم نسرع بعلاجه. ورغم ذلك فإن الحل الأسرع.. هو أن نعتمد على الله.. ثم على أنفسنا.. فما حَك جلدك مثل ظفرك.. لذا ندعو كافة رؤساء المؤسسات الصحفية القومية لاجتماع عاجل بمؤسسة دارالمعارف ومجلة أكتوبر لتشكيل جبهة موحدة للمطالبة بحقوق آلاف العاملين والإداريين والصحفيين بمؤسسات الجنوب.. هذه المؤسسات جار عليها الزمن.. كما نهبها بعض اللصوص الذين يجب أن يحاسبوا الآن.. وليس غداً، وهذه دعوة لكافة أجهزة الرقابة والمحاسبة لبدء تحقيق فورى مع المتسببين فى هذه الكارثة الكبرى.. دون تردد أو تأخير.