مشروع قانون الطوارئ الجديد الذى أعلن وزير العدل المستشار أحمد مكى عن الانتهاء من إعداده، أثار حالة من الجدل فى الأوساط السياسية والحقوقية، وخاصة مع إعلان البعض عن رفضهم لإعادة العمل بقوانين استثنائية تؤثر على حقوق وحريات المواطنين.. «أكتوبر» وضعت هذا الملف الساخن، أمام نخبة من خبراء القانون ورجال القضاء، ليجيبوا عن السؤال الذى يشغل بال المصريين جميعاً فى الوقت الحاضر: هل نحن بحاجة فعلية لإصدار قانون جديد للطوارئ لصرف عفريت البلطجة الذى يثير الرعب فى الشارع المصرى؟ أم أن هناك طرقا ووسائل أخرى يمكن القضاء على هذا العفريت من خلالها؟ التفاصيل فى سياق التحقيق التالى.. فى البداية يقول المستشار ياسر رفاعى المحامى العام الأول ورئيس الاستئناف بمحكمة استئناف القاهرة إن قانون الطوارئ لم يتم إلغاؤه ولكن تم إلغاء حالة الطوارئ والتى قام المشير طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق بإلغائها وكانت الدساتير المتعاقبة تنظم إعلان حالة الطوارئ وتمنح اختصاصها لرئيس الجمهورية فى مواجهة ظروف معينة تمر بها البلاد مثل إعلان الحرب ومواجهة قوة قاهرة مثل حالة الزلازل أو السيول أو اضطرابات داخلية تؤثر على وحدة البلاد وأمنها، موضحاً أن النظام السابق قصر استخدام حالة الطوارئ على مواجهة المخدرات والإرهاب. ويضيف المستشار رفاعى أن التشريع المصرى ليس فى حاجة إلى مشروع قانون طوارئ جديد حالياً لأن الجديد يتفق فى جوهره ومضمون نصوصه مع قانون الطوارئ المعمول به لدينا فى التشريع المصرى، كل ما نحتاج إليه هو إعلان حالة الطوارئ. ويضيف أن نفس الضمانات موجودة فى القانون الحالى من حيث معاملة الحبس الاحتياطى ويبلغ أهله ويمكنوا من الاتصال بالمحامين والمشكلة الحقيقية تتمثل فى القائمين بالتطبيق. ويؤكد أن نصوص قانون العقوبات الحالى والمطبق حالياً تغنينا عن إعلان حالة الطوارئ ولكن ينبغى على القائمين على تطبيق القانون أن يطبقوه بحزم وحسم وبشفافية مع مراعاة حقوق الإنسان فى مصر والعالم، فنحن لدينا عقوبات تواجه كل أنواع الإرهاب والبلطجة فى إطار التشريع العقابى العادى والذى يحترم حقوق الإنسان إذا تم تطبيقه بشفافية والذى يخضع أى متهم بالمثول أمام قاضيه الطبيعى لتطبيق قانون الإجراءات الجنائية وليس الإجراءات الاستثنائية وهو ما يحقق العدالة الاجتماعية التى ننادى بها والتى يحتاج إليها المجتمع المصرى بأكمله. ويرى المستشار إسماعيل البسيونى رئيس مجلس إدارة نادى قضاة الإسكندرية السابق ورئيس الاستئناف أن قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 الذى صدر فى عهد جمال عبد الناصر مازال موجوداً وهو قانون مجحف جداً لأنه يلغى كل ضمانات الحريات لكل الأفراد الموجود فى قانون الإجراءات الجنائية فرجل الضبطية له الحق فى التفتيش والاعتقال بدون إذن من النيابة العامة. ويضيف أن قانون العقوبات الحالى فيه ما يكفى لمواجهة جرائم البلطجة وقطع الطرق إلا أنه طعن على نص قانون البلطجة ثم الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية لعدم عرضه على مجلس الشورى قبل عرضه وإقراره من مجلس الشعب فقضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذه المواد لعدم عرضها على مجلس الشورى قبل الموافقة عليها من مجلس الشعب ومن الممكن تفعيل هذه المواد مرى أخرى بعد إقرار الدستور الجديد ومن الممكن فى حالة الضرورة أن يصدر الرئيس الحالى - وبيده السلطة التشريعية - مرسوما بقرار جمهورى بتفعيل هذه المواد التى قضى بعدم دستوريتها والعمل بها وعرضها على مجلس الشعب القادم والذى يقوم بإقرارها أو رفضها بعد انتخابه. ويؤكد المستشار البسيونى أن قانون العقوبات الحالى يكفى لمواجهة البلطجة وقطع الطرق وبه من النصوص لتفعيلها وقد كانت جماعة الإخوان المسلمين أكثر الناس معاناة ومعارضة لهذا القانون فالمفترض الا يتم التكفير إطلاقاً فى إصدار مثل هذه القوانين الاستثنائية. قانون جائر ويؤكد المستشار البسيونى أن هذا القانون الاستثنائى إذا صدر سيكون قانوناً جائراً سيهدر كل المبادئ الدستورية ومبادئ حقوق الإنسان وسيعيد محاكم أمن الدولة طوارئ ومحاكم من العسكريين والمدنيين وليس هناك نقض لأحكام هذه المحاكم الاستثنائية وهنا نتساءل: لماذا العجلة وما الهدف من إصدار هذا القانون الاستثنائى حالياً؟! إن قانون العقوبات الحالى يكفى لمواجهة وردع أية مجرم وأى جريمة وهنا نؤكد: أنه خلال 30 عاماً من حكم مبارك الديكتاتورى هل اختفت جرائم البلطجة؟! والإجابة أنها لم تختف والمهم هنا هو تفعيل نصوص القوانين الحالية. ويؤكد أن الهدف الخفى من إصدار هذا القانون هو تكميم الأفواه وإعادة الرقابة على الصحف والمحطات الفضائية وأداة لفرض سيطرة الحزب الحاكم على مقدرات الأفراد والمجتمع. ويؤكد المستشار علاء شوقى رئيس محكمة جنايات الجيزة أن المجتمع المصرى فى ظروف لا تقتضى فرض حالة طوارئ مجدداً حتى مع انتشار الفوضى وأعمال البلطجة والعنف والسطو المسلح وكل أعمال العنف بكافة أشكالها ومظاهرها منذ قيام الثورة تحديداً حتى إن البعض أصبح يتمنى العودة إلى ما قبل الثورة فى النواحى الأمنية التى كانت محكومة بقبضة من حديد غير أن تلك القبضة كانت على الخارجين على القانون والملتزمين والمنصاعين له معاً، وهو ما يكون مستهدفاً بمشروع القانون الجديد الذى لن يفرق بين بلطجى ورجل شريف مادام من حق السلطة العامة أن تقتاد أى شخص دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وفوقه أن هذا الأمر يتسم بخطورة بالغة فإنه لا جدوى منه إذ أنه فى القانون الحالى - وهو قانون العقوبات - فيه ما يردع كل خروج على القانون وبشكل حاسم فقط يجب تقوية شوكة الأمن بمعدات وأدوات وتجهيزات وتهيئة نفسية للرأى العام بأن يتعاون مع الأمن ورأينا مرارا وتكرارا حالات قبض الأهالى على البلطجية والمتورطين وسحلهم وإنهاء وجودهم بشكل عنيف، وأنا مع هذا الاتجاه وأقره وأقبله بأن يشترك الأهالى والمواطنون مع الأمن بصورة مخلصة وجادة لإنهاء حالة البلطجة وللابد. قوانين استثنائية ويضيف أن حالة الطوارئ تفرض وجود محاكم طوارئ وأمن دولة عليا طوارئ وتصديق الحاكم العسكرى عليها ولا يوجد على أحكامها طعن بالنقض، وهذه تسمى محاكم استثنائية لأنها تكاد تكون درجة واحدة فى التقاضى. ويؤكد أن التشريع الحالى الموجود كاف لمواجهة البلطجة وقطع الطرق، وقانون العقوبات يكفى لهذه المواجهة ولا يحتاج إلى مثل هذه القوانين الاستثنائية، ولدينا ما يردع كل هذه الجرائم، ولكن نحتاج إلى تفعيل هذه القوانين بشكل دقيق وحاسم. ويرى المستشار هشام جنينة- رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة وأحد رموز تيار الاستقلال والسكرتير السابق لنادى القضاة أن هذا القانون المقترح يضع قيودا وقوانين استثنائية من شأنها فرض قيود على الحريات وحقوق المواطنين الموجودة فى الدستور، ومما لاشك أن هذه الضمانات يجب الحافظ عليها والتمسك بها حتى فى ظل هذه الظروف التى تمر بها البلاد والمتمثلة فى حالة الانفلات السلوكى والأمنى الموجودة فى الشارع المصرى. ويضيف المستشار جنينة أن مواجهة هذه المسألة لن تكون على حساب فرض مزيد من العقوبات عبر قوانين تسن لتشديد العقوبات وإعطاء رجال الأمن صلاحيات إجرائية من شأنها تجاوز الحقوق والضمانات المكفولة دستوريا للمواطنين والتى يجب أن تكون تحت رقابة قضائية مسبقة وليست لاحقة تحكم من خلالها الأجهزة القضائية منظومة الأداء داخل أجهزة الشرطة حتى لا يحدث تجاوز أو خرق للقانون من خلال الصلاحيات التى قد تمنح للشرطة والتى تتجاوز حقوق المواطنين الدستورية لمحاولة فرض قيود وتجاوز الرقابة القضائية السابقة بمعنى أن القاضى أو وكيل النيابة لا يباشر رقابته القضائية سابقة على إجراءات الضبط. ويضيف أن تحريات أجهزة الشرطة فى الإجراءات العادية تعرض على القاضى المختص قبل الضبط، أما حالة الطوارئ تأتى بمحاكم أمن الدولة طوارئ وهى محاكم استثنائية. مواجهة الانفلات ويؤكد المستشار جنينة أن التفكير فى إعلان حالة الطوارئ لم يفكر فيه الوزير الجديد، ولكنه يريد مواجهة حالة الانفلات، فالوزير لا يفكر فى إعلان حالة الطوارئ وأنا أعتقد أن هذا الكلام غير صحيح، فالقوانين الاستثنائية لا تردع الانفلات الأخلاقى والسلوكى والقيمى والمجتمعى. ويتوقع المستشار جنينة أن تكون هناك تعديلات مرتقبة فى قانون العقوبات والإجراءات الجنائية خاصة بضبط السلوكيات الجديدة التى تظهر فى الشارع مثل استعراض القوة وترويع المواطنين أو قطع الطرق بالقوة والبلطجة. والحل فى وجهة نظر المستشار جنينة أن يتم تعديل قانون العقوبات والإجراءات بما يسمح بمواجهة الجرائم الجديدة فى الشارع المصرى ومواجهتها عبر قانون طبيعى وتمكين الشرطة من خلال تدريب وتسليح الأفراد وتعزيز إمكاناتهم وزيادة أعدادهم، وفى هذه الحالة سوف لا نحتاج إلى قوانين استثنائية. نحن نحتاج إلى تفعيل القوانين الحالية ويجب أن يطبق القانون فى الشارع المصرى لضبط أى خرق للقانون وعلى أكثر تقدير يمكن أن يتم استرجاع واستحضار قانون البلطجة الذى تم إلغاؤه عام 2002 لعدم دستوريته. التصدى للبلطجة ومن جانبه أوضح المستشار إبراهيم محمد نجيب المحامى بالنقض أن مشروع قانون الطوارئ الجديد ينص على إعلان حالة الطوارئ، إذا تعرض الأمن فى الجمهورية أو منطقة منها للخطر بسبب الحرب أو حدوث إضرابات أو كوارث طبيعية أو بيئية أو صحية مثل انتشار الأوبئة ويمنح مشروع القانون السلطات حق القبض على المشتبة فيهم أو معتادى الإجرام والخطرين على الأمن واعتقالهم وتفتيش أماكن وجودهم دون النقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وكذلك فرض حظر التجوال. ومن أهم ملامح المشرع أنه يستوجب عرض قرار إعلان حالة الطوارئ على مجلس الشعب خلال الأيام السبعة التالية لإصداره ليقرر المجلس ما يراه بشأن القانون، كذلك لا يجوز مد الفترة الزمنية المحددة وهى 6 شهور فقط فى قرار حالة الطوارئ إلا بعد موافقة المواطنين عليها بعد استفتاء عام وتنتهى حالة الطوارئ بقوة القانون إذا لم تتم الموافقة عليها قبل نهاية المدة بستة أشهر، وإذا رفضه الشعب ينتهى بقوة القانون. ويضيف أن من بين نصوص المشروع ضمانات أنه لا يجوز اعتقال الشخص أكثر من مرة واحدة، فى هذه المدة خلافا للقانون القديم الذى كان يقرر اعتقال الشخص أكثر من مرة أو عدة مرات، كذلك يحق للمعتقل التظلم من قرار الاعتقال أمام محكمة الجنايات بعد صدور القرار بخمسة عشر يوما، خلافا للقانون القديم الذى كان يقرر تظلم الشخص من قرار اعتقاله بعد صدوره ب 30 يوما. ويضيف المستشار إبراهيم أننى مع مشروع القانون الجديد الخاص بالطوارئ من أجل التصدى للبلطجة والعنف الموجودة فى المجتمع والشارع والتى زادت على حدها وقطع الطرق التى انتشرت فى كل المناطق، وسوف يكون له مردود إيجابى. ويؤيد صدور القانون لمواجهة البلطجية وتجار المخدرات وقاطعى الطرق وأعمال الشغب الذى يؤدى إلى إتلاف الممتلكات العامة والخاصة.