فى ظل الدعاوى القضائية التى قام برفعها بعض المحامين وممثلو القوى السياسية لوقف قرار انتخاب الجمعية التأسيسية للدستور ورفضهم للتشكيل الحالى.. «أكتوبر» عاشت أخطر 48 ساعة فى أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية الجديدة لوضع الدستور الجديد للبلاد.. رصدنا كل المحاولات لإنقاذ هذا التشكيل وانعاشه للعبور به إلى بر الأمان منذ أن دعا المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى طبقا للمادة 60 من الإعلان الدستورى، لاختيار أعضاء الجمعية وحتى الاتفاق النهائى الذى تم فيه انتخاب مائة اسم - تم التوافق عليهم- ليمثلوا كل فئات الشعب على حد قولهم فى قاعة المؤتمرات.وعلى الجانب الآخر لم ترض هذه الإجراءات وهذه الخطوات التى تمت على مدى الأسابيع الماضية وتم فيها الحوار بين القوى السياسية والأحزاب والائتلافات وشباب الثورة وحزب الحرية والعدالة وبعض الأحزاب الليبرالية وهاجمت بكل قوة هذا التوافق وهذا التوزيع وحدثت مساجلات ومجادلات بين رؤساء هذه الأحزاب وممثليها تحت القبة وبين حزب الأغلبية وحزب النور السلفى؛ وذلك أثناء مناقشة مشروع قانون انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية والذى يهدف إلى صياغة الأحكام التى تم التوافق عليها والتى تتعلق بمعايير تشكيل الجمعية التأسيسية وتوزيع أعضائها والتصويت داخل الجمعية، وذلك بوضع صياغة قانونية لما تم التوافق عليه وصياغة أبرز الأحكام التى يجب أن يتضمنها المشروع والتى تهدف بالأساس إلى كفالة استقلالية الجمعية وكل مايلزم من أحكام تساعدها فى أداء واجبها المنوط بها على أكمل وجه. يقول المستشار الخضيرى إن القانون يهدف إلى إبراز حق الجمعية فى تشكيل أمانة فنية من الخبراء والمتخصصين لمعاونتها فى أعمالها باقتراح من رئيسها، وحقها فى دعوة من ترى الاستعانة برأيه فى هذا الشأن؛ ويكون للجمعية موازنة مستقلة لكفالة إنجاز مهامها المنوط بها فى هذا الشأن. وكان الدكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب وأعضاء الأغلبية من حزب الحرية والعدالة وحزب النور والوسط وحزب الوفد - قبل انقسامه بعد ذلك - يسعون للانتهاء من مناقشة مشروع القانون قبل عقد الجمعية التأسيسية فى صباح اليوم التالى -الثلاثاء- وأنه يجب التصديق عليه قبل عقد الاجتماع المشترك بين مجلسى الشعب والشورى لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لتحصين أعمال الجمعية وتفويت الفرصة للطعن على أعمالها. وتم الانتهاء من مناقشة مشروع القانون فى جلستين؛ الأولى استطاع الكتاتنى أن ينزع الموافقة من حيث المبدأ بطريقة إغلاق باب المناقشة فجأة ثم انتزاع الموافقة من حيث المبدأ بسرعة شديدة ثم رفع الجلسة.. وبهذه الطريقة التى لم تستغرق سوى دقائق معدودة فوت الكتاتنى على ممثلى بعض الأحزاب الليبرالية الفرصة للانسحاب من الجلسة وتسجيل ذلك فى المضابط ثم تسجيل ذلك كشو إعلامى فى الفضائيات بعد الاستماع لرأيهم فى رفض مشروع القانون من حيث المبدأ. أما الجلسة الثانية فتم تخصيصها لمناقشة مواد مشروع القانون وتضمن «11» مادة وقد استمرت المناقشات حتى منتصف الليل إلا قليلا.. وتمت الموافقة عليه على وجه الاستعجال وبالطبع كان المقصود بالاستعجال هو أن يكون القانون جاهزًا قبل انعقاد الجمعية التاسيسية فى صباح الغد الثلاثاء. وقد نص القانون بعد الموافقة عليه على عدد المنتخبين والمعينين؛ وأشار إلى أن الجمعية التأسيسية المنتخبة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال عن كافة أجهزة ومؤسسات الدولة.. ويراعى فى تشكيل الجمعية تمثيل فئات المجتمع المتنوعة كالأحزاب السياسية وأساتذة القانون والهيئات القضائية والمؤسسات الدينية (كالأزهر والكنيسة) والنقابات المهنية والعمال والفلاحين وممثلى السلطة التنفيذية والشباب والمرأة والهيئات والشخصيات العامة وذوى الاحتياجات الخاصة، وأن تبدأ الجمعية التأسيسية المنتخبة أعمالها فور تشكيلها وتضع لائحة تنظم عملها الداخلى. أما عن عملية إقرار مواد الدستور، فقد أكد القانون أنه سيتم عبر التوافق بين أعضاء الجمعية وإذا لم يتحقق ذلك يجرى التصويت على مواد الدستور المختلف عليها بموافقة 67% من أعضاء الجمعية، وإذا لم يتحقق ذلك يجرى إعادة التصويت بموافقة 57% من أعضاء الجمعية خلال 48 ساعة من التصويت الأول. وطبقا لهذا القانون فإن للجمعية التأسيسية المنتخبة أثناء عملها الحق فى أن تدعو 57% من أعضاء الجمعية خلال 48 ساعة من التصويت الأول. توتر وانقسامات وفى اليوم التالى للاجتماع المشترك للأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب والشورى فى قاعة خوفو بمركز المؤتمرات بمدينة نصر تشعر منذ اللحظة الأولى أن هناك جوًا من التوتر والانقسامات بين أعضاء الأغلبية وأعضاء الأحزاب الليبرالية التى كانت تصر على أن هذه الجمعية لا تعبر عن كل الفئات وأنه مازال الإسلام السياسى يسيطر على مقاعد الجمعية التأسيسية. ورغم أن د. سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب ود.أحمد فهمى رئيس مجلس الشورى لم يترشحا فى انتخابات الجمعية، لكن ذلك لم يخفف من حالة التوتر والاحتقان بين الطرفين. وقد أعلن د. الكتاتنى عن إجراءات عمل الجلسة وفتح باب الانتخابات لأعضاء الجمعية التأسيسية بعد توزيع قائمة بالمرشحين وضمت 1308 مرشحين.. ضمت العديد من الشخصيات المعروفة وغير المعروفة، وكان من المفروض أن يتم عمل بيانات شخصية عن كل مرشح، ولكن للأسف الشديد أن الأمانة العامة لمجلس الشعب وزعت الكشف بدون التعريف بأسماء هؤلاء المرشحين، وبدأ حزب الأغلبية توزيع قائمة بالأسماء التى سيتم تدوينها فى استمارة الانتخاب، وقالوا إنها القائمة التوافقية التى تم الاتفاق عليها مع كل القوى السياسية، ثم أطلقت الأحزاب السياسية الليبرالية عليها «الورقة الدوارة» وتناقلت وسائل الإعلام هذه العبارة. ومن الملاحظات المهمة أنه لم يتم تصنيف هؤلاء المرشحين طبقًا لفئاتهم، كما أن المرشحين من خارج البرلمان لم يحضروا أصلاً.. وبعضهم شخصيات مجهولة تمامًا لدى الذين سيقومون بالانتخاب.. بل إن بعض هذه الشخصيات العامة تركت العمل السياسى منذ سنوات طويلة، ولا أدرى هل فعلاً قام هؤلاء الأشخاص بتقديم أوراق ترشيحهم للجمعية التأسيسية أم تم إعداد الكشف وهم لايعلمون؟! وبمجرد بدء عملية الاقتراع بدأ الأعضاء فى تسجيل الأسماء المائة فى استمارة الانتخاب والتى كانت متوفرة بعدد كبير!.. انسحب «12» حزبًا من الاجتماع وخرجوا من القاعة احتجاجًا على أن التيار الإسلامى مازال مهيمنًا على الجمعية التأسيسية وأن هذا التقسيم للمقاعد لا يعبر عن كل فئات الشعب. الانسحاب الكبير وبلغ عدد الأعضاء المنسحبين من الاجتماع «57» عضوًا. وبدأ هؤلاء المنسحبون التحدث مع الفضائيات المحتشدة فى قاعة المؤتمرات وأكدوا على غياب هذا التوافق.. وقد انضم إلى المنسحبين بعض أعضاء حزب الوفد وأعربوا عن أن هذا الانسحاب هو موقف شخصى لهم بعيدًا عن توجهات حزب الوفد الذى كان يشارك فى كل الحوارات والاجتماعات التى كانت تتم بين كل القوى الوطنية. وقد سجل المعترضون على اجتماع الجمعية والمنسحبون موقفهم فى بيان مشترك أكدوا فيه أن هناك نوابًا شاركوا فى المفاوضات التى جرت فى الأسابيع الماضية رغبة منهم فى التواصل لصياغة متوازنة ولتوافق حقيقى ولكن كل الجهود انهارت بسبب تيار الإسلام السياسى وتمسكه بأن تظل له الغلبة وأن يضمن السيطرة على الجمعية. وأشار بيان المنسحبين إلى أنه قد ضاع وقت ثمين بين تشكيل التاسيسية الأولى والتى حكم ببطلانها وبين الاجتماع الأخير الذى يصر الإسلاميون على الاستحواذ على نصف المقاعد من أجل إحكام السيطرة. وأكدوا على إصرارهم الانسحاب من أجل حصول الشعب على دستور يستحقه. وفى هذه الأجواء خرج بعض أعضاء حزب الأغلبية وحزب الوسط ليعلنوا أنهم يأسفون لانسحاب هؤلاء الأعضاء؛ وأنهم خسروا جهودهم فى التأسيسية على حد تعبير عصام سلطان. وقد أكد د. سعد الكتاتنى أن هذه المائة شخصية التى توافقت عليها القوى الوطنية يوجد بها تنوع سياسى طبقا لترشيحات هذه القوى وأن دستور مصر أكبر من مائة شخص . عمومًا.. إننى أعتقد أن خطوة تشكيل الجمعية التأسيسية خطوة على الطريق الطويل فى إعداد دستور البلاد وأننا نحتاج من هذه اللجنة وضع دستور مصرى يحقق العدل والكرامة والحرية والعيش الكريم لأبناء الشعب المصرى.