(خليج الخنازير) أو( Bahia de Cochinos)، هو خليج على الساحل الجنوبى الغربى لدولة (كوبا)، ويقول البعض: إن تسميته بهذا الاسم، تعود إلى غرق سفينة محمًَّلة بالخنازير، بالقرب من ساحله، وألقت الأمواج الخنازير النافقة عليه، ولكن البعض ينكر هذا بشدة، ويؤكًَّد أن هناك خطأ فادحاً فى الترجمة، وأن كلمة (Cochinos) هذه إنما تعنى (سمك الفهد)، أو (Tiger Fish)، ولكن أياً كان الصواب، بين هذا وذاك، فشهرة ذلك الخليج لا تعود إلى سبب تسميته، ولكن تعود إلى ارتباط اسمه بالهجوم الفاشل، الذى نظمته المخابرات المركزية الأمريكية، عبر مجموعة من الكوبيين المناؤين لنظام (فيدل كاسترو)، والمنفيين خارج (كوبا)، بقيادة (باتستيتا)؛ لاسترجاع الحكم من يد ثوًَّار (كاسترو) وأتباعه، فى السابع عشر من أبريل، عام 1961م ... ولقد بدأ التخطيط للعملية، فى السابع عشر من مارس 1960م، عندما اقًَّنعت المخابرات الأمريكية الرئيس (دوايت أيزنهاور)، بدعم المعارضة الكوبية، ضد النظام الشيوعى الجديد- آنذاك- بقيادة (كاسترو)، ووقًَّع (ايزنهاور) بالموافقة، ليبدأ تدريب قوات المعارضة الكوبية فى (جواتيمالا)، وتم تشكيل اللواء (Brigada Asalto)، واطلقت المخابرات الامريكية على العملية، الاسم الكودى (زاباتا) (Zapata) ... وعلى الرغم من أن (آلان دالاس)، مدير المخابرات الامريكية- آنذاك- كان المسئول الأوًَّل عن العملية، وأحاطها بأقصى قدر من السرية، فإنه من العسير أن تخفى حدثاً بهذه الضخامة، وأن تقوم بتدريب قوات كاملة من المرتزقة، دون أن تتسًَّرب، ولو معلومة واحدة صغيرة .. ثم إن المخابرات السوفيتية (KGB)، كانت تحمى النظام الوليد، وتعتبره نقطة ارتكاز، قريبة من سواحل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وحليفاً يمكن استخدامه فى حالات الطوارئ، وفزًَّاعة تطيرّ النوم من عيون الامريكيين فى الوقت نفسه؛ لذا، فبوسيلة ما، تسًَّربت الخطة إلى الكوبيين، ربما عبر عملائهم السريين فى الأوساط الأمريكية، أو عبر المخابرات السوفيتية نفسها... كانت الخطة تعتمد على قصف أهم القواعد الجوية فى (كوبا)، قبل الإنزال البرى بيومين، بوساطة طائرات تحمل شعار الطيران الكوبى، ويقودها طيارون كوبيون، وفى صباح يوم الإنزال البرى، يتم توجيه ضربة أكثر عنفاً، للقواعد الجوية نفسها، بهدف شل حركة القوات الجوية الكوبية، وتمهيد السبيل للتدخًَّل العسكرى، ثم قصف الجسور البرية وطرق المواصلات وخطوط القطارات، فى العاصمة (هافانا) والمناطق المجاورة لها، وبعدها يتم إنزال قوات الكوماندوز الكوبية، التى درًَّبتها المخابرات الامريكية، عند خليج الخنازير، أو خليج (كوتشينوس)، كما يسميه الكوبيون، على أن تتكًَّون تلك القوات من المرتزقة المأجورين، والعناصر المضادة للثورة الشعبية فى (كوبا)، بحيث تبدو الولاياتالمتحدةالأمريكية خارج المنظور الإعلامى تماماً، ويبدو الأمر وكأنها عملية منظمة من القوات المسلحة الكوبية، وليست بتخطيط وتوجيه من الخارج ... ولقد كانت الخطة الاولى تعتمد على الإنزال فى (تراينيداد)، فى ساعات الصباح الاولى، ولكن تم استبدال الموقع بخليج الخنازير، والموعد بالليل بدلاً من الصباح؛ نظراً لأن منطقة خليج الخنازير أصغر حجماً، وأقل فى تعداد السكان، كما أن سكانه سيقدمون الدعم للقوات القادمة، وفقاً لتقديرات ال( CIA) ... ولقد بدأ الفوج الأوًَّل للهجوم الجوى، فى صباح الخامس عشر من أبريل 1961م، بقاذفات (بى 26) الأمريكية، التى قصفت القواعد الجوية فى (كوبا)، وأحياء (هافانا)، و(سانتياجو)، والعديد من المناطق المجاورة، وعاد الطيارون وهم يعتقدون أن ضربتهم قد حققًَّت أهدافها بنجاح... ولكن الواقع أن المعلومات التى تسرًَّبت، جعلت جيش الثوًَّار ينقل العديد من الطائرات سراً، إلى مطارات احتياطية بديلة، مما أنقذها من التدمير ... وعلى الرغم من هذا الإخفاق، لم يلغ الرئيس (جون ف. كينيدى)، خطة الإنزال البرى، إنما أصدر قراراً بإلغاء الغارة الثانية، لذا فقد بدأ الإنزال بالفعل، على شواطئ (كوبا) ليلاً، واستمر حتى فجر يوم السابع عشر من أبريل، وانتشر المئات من المرتزقة على الشواطئ، وبدأوا الزحف إلى الداخل، عندما وجدوا أمامهم مفاجأة... الميليشيات الشعبية الكوبية كانت فى انتظارهم، وتصدًَّت لهم فى عنف؛ لمنعهم من التقدًَّم، لحين وصول الجيش الشعبى ... فى نفس الوقت، قامت أربع طائرات نقل بإنزال ألف وخمسمائة وأحد عشر رجلاً، ممن تم تدريبهم فى (جواتيمالا)، عند خليج الخنازير، ومعهم كل المعدات والأسلحة، اللازمة للعملية، وبعد ساعتين، قامت خمس طائرات أخرى بإبرار مائة وسبعة وسبعين مظلياً؛ فى محاولة للسيطرة على الطرق الرئيسية، إلا أن قوة المعلومات كانت تفوق قوة المناهضين للثورة؛ إذ أنه، وبناءً عليها، وضعت القوات المسلحة الثورية الكوبية خطة بالغة الدقة، نجحت بواسطتها فى إيقاف تقدًَّم المرتزقة الأمريكيين، واستعادة المواقع التى احتلوها... فى اليوم التالى، الثامن عشر من أبريل تم شن هجوم بست طائرات، على مواقع الميليشيات الكوبية، استخدم فيه الأمريكيون الصواريخ، وقنابل النابالم الحارقة، وبلغ عدد ضحايا ذلك الهجوم، ألف وثمانمائة من المليشيات الكوبية، إلا أن قدراتهم تزايدت، مع تدًَّفق أعداد كبيرة منهم، ووصلهم السلاح والعتاد، وكبًَّدوا المحتلين خسائر فادحة ... وفى التاسع عشر من أبريل، شن الأمريكيون هجومهم الجوى الأخير، بأربع طائرات، نجح الكوبيون فى إسقاط اثنتين منها، وقتل أربعة امريكيون من طاقمها، ثم سرعان ما اسقطوا طائرة ثالثة قبل نهاية النهار... ومع غياب الدعم الجوى، حاولت قوات المرتزقة والمعارضون للثورة التراجع إلى الشاطئ، ولكن هجوم الميليشيات العنيف لم يسمح للسفن باستعادتهم، فاضطرت للانسحاب، ليأسر الكوبيون ألفاً ومائة وتسعة وسبعين شخصاً منهم، ويستولون على خمس دبابات (شيرمان) ثقيلة، وثمانية رشاشات كبيرة، ومئات من الأسلحة الفردية، من مسدسات ومدافع رشاشة وغيرها، بالإضافة إلى عشر سيارت نقل عسكرية، وأسلحة مضادة لطائرات ... ولقد اعترف الأسرى بأنهم من أنصار الحاكم المخلوع (باتستيتا)، وبأن المخابرات الامريكية هى التى درًَّبتهم، ووضعت خطة الهجوم، مما جعل وزير الخارجية الكوبى يقف فى الاممالمتحدة، ليقول فى قوة: « إننى أتهم الولاياتالمتحدةالأمريكية، أمام الرأى العام العالمى، بأنها شنت حرباً ضد (كوبا)، من أجل أن تمتلك ثرواتها من جديد، وتعيدها إلى التبعية لها ...»... وبعد تصريح وزير الخارجية الكوبى-آنذاك- (راءول روا)، فى الجلسة السياسية الخاصة، فى الأممالمتحدة، لم تستطع المخابرات الأمريكية التستر على فشلها الذريع، الذى لازمها حتى يومنا هذا... والتآمر على مصائر الشعوب، لعبة المخابرات الأمريكية دوماً، و ... لهذا حديث آخر.