فى ظل أجواء تنذر بنشوب حرب بين الشمال والجنوب مازالت خلافات النفط هى العقبة الرئيسية أمام جهود إحلال السلام فى السودان، خاصة بعد احتلال القوات المسلحة لدولة الجنوب لهجليج الحدودية الغنية بالنفط، حيث طالب الرئيس السودانى عمر البشير حكومة جنوب السودان بوقف العدوان على حدود بلاده، وإعلان وقف التفاوض والحوار مع الجنوب. وقد أمهلت الداخلية السودانية أبناء الجنوب المقيمين فى الشمال شهرا للحصر والتسجيل باعتبارهم رعايا أجانب، كما شدد البرلمان السودانى على عدم منح أى وضع استثنائى لهم بعد انقضاء المهلة الجديدة. وقد عرض التليفزيون السودانى برنامجا باسم «جنوب الوطن» يمجد ثقافة الحرب ويستطرد جهود الجيش السودانى فى ساحة المعارك، حيث لا تخلو صحف الخرطوم من إعلانات تحث الشباب على الالتحاق بدورات «عزة السودان التدريبية العسكرية»، كما تنشط الأحزاب والجماعات الموالية للنظام فى بث الدعاية المحضة للشباب للانخراط فى كتائب «المجاهدين» للدفاع عن الوطن، كما بدأ حكام معظم الولايات السودانية فى ارتداء الزى العسكرى. وكانت الخرطوم قد أعلنت وقف الطيران بين البلدين اعتبارا من الأحد الماضى. وبدأت الخرطوم إجراءات حصر الجنوبيين لاستخراج أوراق مؤقتة إلى حين توفيق أوضاعهم وترحيلهم. وحذرت جوبا من معاملة مواطنيها بشكل غير لائق ودعت الأممالمتحدة لتحمل المسئولية فى حماية الجنوبيين فى السودان. وأعلن د. برنابا بنجامين وزير الإعلام فى جنوب السودان أن الجنوبيين مستعدون للعودة إلى بلادهم لكن ماذا ستفعل الخرطوم مع الرعاة السودانيين الذين يعبرون بماشيتهم إلى الجنوب وليس لديهم أوراق ثبوتية. وأشار إلى أن ثابومبيكى رئيس آلية الوساطة الأفريقية فشل فى إقناع الخرطوم بمد الفترة للجنوبيين لتوفيق أوضاعهم، ولكن الحكومة السودانية منحتهم مهلة جديدة مدتها شهر واحد. فى العشرين من يناير الماضى أوقفت جنوب السودان إنتاج نفطها الذى يتم تصديره عبر السودان واتهمت الخرطوم بسرقة ما يصل إلى 1.4 مليون برميل بالقوة فى ميناء بورتسودان. ومن المعروف أن جنوب السودان بعد انفصاله أصبح يمتلك 75% من الإنتاج النفطى السودانى والخلاف الآن حول كيفية احتساب رسوم العبور، حيث لم يتم التوصل لاتفاق بشأنها، وكان السودان قد طالب باحتساب رسم العبور على البرميل الواحد بما يعادل 32.2 دولار، فى الوقت الذى أبدى فيه الجنوب عدم استعداده لدفع أكثر من 0.7 دولار. وتصاعدت الأمور أكثر عندما اتهم جنوب السودان الخرطوم بمحاولة بناء أنبوب نفطى بطول 25 كيلو مترا يعبر الحدود صوب حقول النفط فى ولاية الوحدة الجنوبية. ويسعى جنوب السودان لإقامة خط لتصدير نفطها عبر المحيط الهندى عبر ميناء لأمو الكينى، وفى أواخر يناير الماضى تم توقيع اتفاق مبدئى بين جوبا ونيروبى بشأن هذا الخط. قرار جنوب السودان بإغلاق آبار الإنتاج يحرم الجنوب من 98% من مصادر الدخل، كما يحرم الخرطوم من رسوم العبور والتى تقدر بثلث حجم الميزانية السودانية، مما سيؤدى إلى زيادة الأزمة الاقتصادية والتى قد تكون سببا فى الإطاحة بنظام البشير. إلا أنه يمكن القول إنه توجد قيود عديدة لدى الطرفين تحد من قدرتهما على التمادى فى هذه المناورة الخطرة. فالجنوب مطالب بتوفير 650 مليون دولار شهريا تمثل عوائده النفطية من مصادر بديلة، وفى المقابل فإن الخرطوم تواجه أزمة اقتصادية تتمثل فى قلة موارد العملات الصعبة وارتفاع التضخم كما توجد مصاعب أمام الاقتراض الخارجى، مما دفع الخرطوم لبيع جزء من احتياطى الذهب لعدم انهيار العملة. فالخيارات محدودة أمام الطرفين إما التوصل إلى حل وإما الانزلاق إلى الحرب فى ظل استمرار التصعيد، ورغم التصريحات المتكررة بأن الطرفين لا يرغبان فى الحرب وليسا مستعدين لها، إلا أن فرض استمرار الوضع الحالى تتراجع باستمرار، وقد تكون الحرب هى الوسيلة المتاحة لمحاولة الوصول إلى توازن أو فرض أمر واقع جديد. وأكد سفير السودان بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا عبد الرحمن سر الختم أن وفد الخرطوم المفاوض سيعود لإثيوبيا لاستئناف التفاوض، مضيفاً أن الوفد لم ينسحب، وإنما طلب مهلة للتشار مع القيادات فى الخرطوم. وكان ثابومبيكى رئيس آلية الوساطة الأفريقية قد أكد عودة وفدى التفاوض من دولتى السودان إلى أديس أبابا لاستئناف التفاوض، وكانت لجنة الوساطة قد أصدرت بيانا أوضحت أن هناك تقدما نحو التوصل لاتفاقية حول جميع الموضوعات، وتتضمنت 6 نقاط تشمل: التنفيذ الفورى لكل الاتفاقيات والقرارات السابقة للآلية الأمنية والسياسية المشتركة، ووقف الدعاية السلبية فى وسائل إعلام الدولتين، إضافة إلى انسحاب القوات المسلحة التى ربما قد تكون متمركزة فى أراضى الدولة الأخرى، وإنشاء آليات للتحقق من ضمنها البعثة المشتركة للتحقق ومراقبة الحدود التى ستدعمها القوة الأمنية المشتركة للأمم المتحدة «يونسفا» وأخيراً التحضير لاجتماع القمة المقررة بين الرئيس عمر البشير والرئيس سلفاكير.