ما موقف الإسلام من الفنون الجميلة؟ يقول الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق: السينما والمسرح وسائل لنشر الثقافة والقيم لكنها عندما تخضع لثقافة وقيم غير إسلامية يصبح موقفنا منها كموقفنا من أى فكر يأمر الإسلام بتغييره ومن هنا فإنى أنتظر الوقت الذى تخضع فيه للقيم الإسلامية لكى أفكر فى ارتيادها والدعوة لها. ويقول الشيخ جاد الحق على جاد الحق فى الكتاب الذى أصدرته دار الإفتاء عام 1980: التمثيل بوجه عام وسيلة من وسائل التثقيف والترفيه وليس هو الوسيلة الوحيدة لذلك حتى يتجاوز عما فيه من بعض السلبيات فهناك القراءة والرحلات وما إليها.. وتمثيل الشخصيات التاريخية تصوير لحياتهم وحكاية لتاريخهم بالقول والفعل أى بالكلمة والحركة. فإن كان صادقا شكلا وموضوعا ويستهدف غرضا شريفا أعطى حكم الخبر الصادق وهو الجواز وإن كان كاذبا فى شكله كيفا أو كما أو فى موضوعه قولا أو فعلا أعطى حكم الخبر الكاذب وهو المنع، ولا يستباح هذا الكذب حتى ولو كان الغرض صحيحا فهو ليس من الضرورات التى تباح من أجلها المحظورات وليكن فى حيز ضيق لايوجد غيره لأداء الغرض . هذا كله فى الشخصيات العادية. أما الشخصيات التى لها قداسة واحترام كالأنبياء الذين جعلهم الله للناس أسوة ومثلهم الخلفاء الراشدون الذين أمرنا الرسول باتباع سنتهم. فإن الكذب عليهم تضليل للناس وكغير الخلفاء من الصحابة وعظماء الإسلام الذين تكونت عندنا صورة طيبة عنهم فى أقوالهم وأفعالهم يكون الكذب عليهم إيذاء لهم وكل ذلك منهى عنه ففى الحديث الشريف من كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فهل يمكن لأحد مهما بلغت قدرته فى التمثيل أن يتحرى الصدق فى تمثيل الشخصيات العادية فضلا عن الشخصيات المحترمة ذلك أمر دونة خرط القتاد كما شهد بذلك خبراء التمثيل الذين أخرجوا أفلاما عن بعض الأنبياء. وتعرض الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين لموضوع الفن فى كتبه «الحلال والحرام فى الإسلام» و«فى اللهو والترفيه فى حياة المسلم» و«فتاوى معاصرة» و«الحديث عن الصورة والتصوير» وعن فن السينما جاء فى كتابه «فى اللهو والترفيه فى حياة المسلم» أن السينما وما مثلها أداة مهمة من أدوات التوجيه والترفيه وهى إما أن تستعمل فى الخير وإما تستعمل فى الشر فهى بذاتها لا بأس بها ولا شىء فيها والحكم فى شأنها يكون بحسب ما تؤديه وتقوم به وعموما يجب أن تتنزه موضوعاتها عن المجون والفسق والابتعاد عن الرويات التى تثير الغرائز الدنيا وتحرض على الإثم وتغرى بالجريمة أو تدعو لأفكار منحرفة ويجب ألا ينشغل الإنسان بالسينما عن واجب دينى أو دنيوى وأن يتجنب الملاصقة والاختلاط المثير بين الرجال والنساء الأجنبيات منهن منعا للفتنة. وفى كتابة «الإسلام والفن» يقول الشيخ القرضاوى إن الإسلام يحيى الشعور ويؤيد الفن الجميل لكن بشروط معينة بحيث يصلح ولا يفسد ويبنى ولا يهدم فيه أيضا لا مراء فى أن الفن كالعلم يمكن أن يستخدم فى الخير والبناء أو فى الشر والهدم. وهنا خطورة تأثيره ولأن الفن وسيلة إلى مقصد فإن استخدم فى حلال فهو حلال وإن استخدم فى حرم فهو حرام. وفى وثيقة الأزهر التى ألقاها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بعد ثورة 25 يناير بالنيابة عن الأزهر الشريف وعلماء من المسلمين والمسيحيين والمثقفين أكد على حرية الإبداع الفنى والأدبى مع مراعاة القيم الدينية العليا والفضائل والأخلاق للمجتمع. فالقاعدة الأساسية التى تحكم حدود حرية الإبداع هى قابلية المجتمع من ناحية، وقدرته على استيعاب عناصر التراث والتجديد فى الإبداع الأدبى والفنى من ناحية أخرى. وقدرته على استيعاب عناصر التراث أو القيم الأخلاقية المستقرة. وأكدت الوثيقة على أن الإبداع الفنى والأدبى سوف يظل أهم مظاهر ازدهار منظومة الحريات الأساسية وأشدها فعالية فى تحريك وعى المجتمع وإثراء وجدانه. وكلما ترسخت الحرية الرشيدة كان ذلك دليلا على تحضره. فالآداب والفنون مرآة لضمائر المجتمعات وتعبير صادق عن ثوابتها ومتغيراتها ويعرض صورة لطموحاتها فى مستقبل أفضل. ويؤكد المفكر الإسلامى الدكتور محمد عمارة فى كتابه «الإسلام والفنون الجميلة» أن موقف القرآن الكريم من التصوير والتماثيل للأحياء ليس واحدا وليس عاما وليس مطلقا فحينما تكون سبيلا للشرك بالله شركا جليا أو خفيا فهى حرام والواجب تحطيمها أما عندما تنتقى مظنة عبادتها وتعظيمها والشرك بواسطتها فهى عندئذ من نعم الله التى يجب على الإنسان أن يقصد إليها وأن يتخذ منها سبيلا لترقق حسه وتجمل حياته وتزكية القيم الطيبة وتخليدها. وجاء فى الكتاب «هذا عن موقف القرآن الكريم من فنون التشكيل والتى يقاس الرسم فيها التصوير على التماثيل. ويؤكد أنه لا يدرك ما فى القرآن الكريم من بلاغة هى بعض من إعجازه إلا قوم قد ارتقت بهم الحاسه الفنية إلى حيث يدركون ما فى هذا الكتاب من أسرار الإعجاز وفنون البيان». ويقول الدكتور عماره: «من الواجب أن ننبه على أن الصور فى الأحاديث النبوية التى عرضت لهذه القضية إنما يراد بها الصنم والوثن المعبود. من قبل المشركين. ومن هنا فإن النهى عن الصور وذم المصورين هو حديث عن الأصنام والأوثان وليس حديثا عن الصور والمصورين بالمعنى الذى يراد اليوم عند الحديث عن فنون التشكيل وفنانيها. الفنون هى وسائل التعبير فى الإنسان، وكل حى معبر. وهذا التعبير بالحياة فى الحياة هى حياته نفسها.. فهى ليست حراما». [email protected]