أنقل عن صديق - مع بعض الاختصار - حكاية يؤكد لى أنها انتشرت مؤخراً بشكل ملحوظ على موقع “الفيس بوك”.. الحكاية تقول إن فتاة سقطت فى النهر فتجمع المارة على الشاطئ يتابعون محاولاتها اليائسة لمقاومة الغرق واكتفوا جميعاً بالفرجة عليها ولم يمد أحد يده لإنقاذها.. لأسباب مختلفة!.. السلفى قال إنه يخاف أن يلمسها “فينقض” وضوءه.. والإخوانى قال إن عليه أن يحصل أولاً على إذن المرشد.. والليبراليون طالبوها بأن تخلع ملابسها حتى يمكنها أن تطفو بسهولة على سطح الماء!.. وأكد شباب ميدان التحرير أنهم سينظمون من أجلها مليونية يطلقون عليها اسم “جمعة الإنقاذ”!.. أما شباب 6 أبريل فقالوا إن عليهم الاتفاق أولاً مع ائتلافات الثورة البالغ عددها 130 ائتلافاً!.. وأصدر مجلس الشعب بيانا قال فيه إنه شكّل لجنة لتقصى الحقائق فى الواقعة.. وقال شباب العباسية إن الفتاة إذا غرقت لن تكون شهيدة متسائلاً: ما الذى جعلها تذهب إلى النهر؟!.. وقال وزير الداخلية إن المعلومات المتوافرة لديه تؤكد أنه لا يوجد نهر أساساً!.. ملحوظة.. الفتاة اسمها مصر!.. االحكايه رمزية ومعناها أننا جميعا نرقب مصر وهى تغرق فى مشاكلها الخطيرة وتحدياتها المميتة مكتفين بالفرجة عليها!.. المصيبة أننا لا نكتفى بالفرجة كما يحدث فى الحكاية الرمزية وإنما نحن على أرض الواقع نساهم أحياناً.. سواء بقصد أو بغير قصد.. فى دفع الفتاة نحو قاع النهر!.. فى كل الأحوال وسواء كنا نكتفى بالفرجة على الفتاة أو ندفعها نحو القاع.. فإن مصر تغرق.. ومعها سنغرق جميعا!.. وكل ما حولنا من أحداث ينبئ بذلك.. وكل الطرق تؤدى إلى روما كما يقولون!.. وأبدأ بحدث التمويل الأجنبى الذى أراه النموذج المثالى لاجتماع المصريين جميعا على قلب رجل واحد.. والوقوف وراء قضائهم وحكومتهم وجيشهم فى مواجهة أمريكا.. لكنهم بدلاً من ذلك.. يتفرجون أحياناً.. ويدفعون مصر إلى القاع فى أحيان أخرى!.. ليس هناك خلاف على أن قضية التمويل الأجنبى وما أحاطها من ردود فعل أمريكية تمثل واحدة من أكثر النماذج الوقحة للتدخل الأجنبى فى الشأن المصرى!.. السفيرة الأمريكية تبعث بمنتهى الوقاحة بخطاب إلى قضاة التحقيق فى قضية التمويل الأجنبى تطالبهم فيه بعدم إحالة أى متهمين فى القضية للقضاء!.. الكونجرس الأمريكى يهدد ويتوعد ويؤكد أنه سيمنع المعونة عن مصر إذا تمت محاكمة نشطاء المجتمع المدنى ويعلن رئيس أركان الجيوش الأمريكية - بجلالة قدرها - أنه سيزور قريباً مصر لنزع فتيل هذه الأزمة!.. رئيس الأركان الأمريكى يؤكد أن زيارته لمصر هى للتشاور مع أصدقاء وليس لتسليم إنذارات.. وهو كلام فى عِلم الدبلوماسية الأمريكية معناه أنه قادم إلى مصر ليس للتشاور.. وإنما لتسليم إنذارات!.. المسألة فى الحقيقة لا تقتصر على انتهاك السيادة المصرية ولكنها تمثل خطرا حقيقيا على مصر.. وقد كشف قضاة التحقيق عن وقائع يشيب لها الولدان.. خرائط لتقسيم مصر إلى أربع دويلات.. خرائط عليها مواقع الكنائس ومواقع القوات المسلحة فى مدن القناة ومعسكرات الجيش فى مختلف المناطق الأخرى.. ثم هذه الأموال الضخمة التى أكد قضاة التحقيق أنه تم إنفاقها داخل مصر فى أغراض مريبة والتى تتجاوز الملايين من الدولارات.. هل تسمح أمريكا لأية دولة أجنبية بانتهاك سيادتها كما تفعل هى فى مصر؟!.. هل تسمح أية دولة لأمريكا بأن تفعل بها ما تفعله بمصر؟!.. ويطرح السؤال نفسه بشدة: لماذا جاء رد الفعل الأمريكى بهذه الحدة؟.. لماذا وصل الأمر إلى حد التهديد بقطع المعونة؟.. لماذا تضرب أمريكا تحت الحزام؟!.. هل يكون السبب اتهام مواطنين أمريكيين؟.. ليست المرة الأولى التى يوجه فيها الاتهام لمواطنين أمريكيين ثم إنها مسألة كان يمكن فى النهاية تسويتها بشكل أو بآخر لكن المشكلة أن أمريكا غاضبة من أى تعامل قضائى مع نشطاء المجتمع الدولى - أمريكيين أو مصريين - لماذا؟!.. ما هى الأسباب الحقيقية؟!.. وكان مفترضا أن يغضب الشعب المصرى ويعلن بكل وضوح وقوفه وراء جيشه وحكومته وقضائه.. لكنه بدلاً من ذلك يرقب ويتفرج.. يتفرج على الفتاة وهى تغرق فى النهر!.. الأخطر أن هناك من لا يكتفى بالفرجة وإنما يقوم بدفع الفتاة نحو قاع النهر.. فنسمع من ينتقد موقف مصر ويدافع عن أمريكا.. ونسمع منطقاً غريباً يقول إذا كانت الدولة قد سمحت لنفسها بالحصول على معونات أمريكية.. فلماذا تحرم المعونات على جمعيات المجتمع المدنى؟!.. حق يراد به باطل!.. فالدولة تحصل على المعونات من أجل الدولة.. أما بعض الجمعيات فتحصل عليها للتدريب.. التدريب على إسقاط الدولة وهدم المجتمع.. فارق كبير وهائل!.. وأنتقل إلى البرلمان!.. كأن هناك خطة ممنهجة ومنظمة لهدم مجلس الشعب الجديد وإسقاطه وتمزيقه!.. قبل أن تبدأ الجلسة الأولى احتشد شباب التحرير «يزأرون» حول أسوار البرلمان!.. ومن أول جلسة تبارى الأعضاء فى إثارة مشاكل لا داعى لها ولا لزوم.. القسم الدستورى يتم تحريفه.. مرة باسم شرع الله ومرة باسم مبادئ الثورة!.. وتتصرف الأقلية على أنها الأغلبية!.. وسلاحها الوحيد المزايدة بصوت عال!.. ولا يتم الهجوم على المجلس من الخارج فقط وإنما من الداخل أيضاً!.. بعض النواب - من أحزاب الأقلية - لا يعجبهم أن يقول بعض النواب - من حزب الأغلبية - إن المتواجدين حول وزارة الداخلية.. الذين يريدون اقتحامها.. والذين اقتحموا بالفعل مبنى الضرائب.. من البلطجية.. فيعتصمون ويُضرِبون عن الطعام!.. نائب آخر يفاجئ الجميع برفع أذان العصر!.. نائب ثالث يمسك بخرطوش فى يده ويقول إنه دليل على أن الداخلية تضرب المتظاهرين بالخرطوش.. الغريب أن طلقة الخرطوش التى كان يمسكها النائب كانت جديدة لم يتم إطلاقها.. والأكثر غرابة أن الجميع يعرف أن طلقات الخرطوش والسلاح المستخدم لإطلاقها.. يباع على الأرصفة!.. ولا يزال البرلمان غارقا فى خلافات نوابه.. لا يزال البرلمان مشغولا بقضايا فرعية تبعده عن واجباته الأساسية.. لا يزال البرلمان مشغولا بالصراع مع الميدان.. تماما كما أرادت له فضائيات التحريض والفتنة!.. ومن البرلمان أنتقل إلى العصيان!.. أخطر ما فى قضية العصيان المدنى أنها دعوة بلا أسباب حقيقية أو منطقية!.. تسأل عن السبب فيقولوا لك لكى يسقط حكم العسكر.. يا سيدى حكم العسكر سيسقط بعد ثلاثة أو أربعة أشهر.. المسألة لا تستحق.. وما الفرق بين سقوط حكم العسكر فى شهر يونيه أو شهر مايو؟!.. ويدرك أصحاب الدعوة للعصيان المدنى أن حجتهم سخيفة وفاسدة فيعودوا ويقولوا: لا نريد أن يتم إعداد الدستور والعسكر فى الحكم.. مرة أخرى.. ما الفرق.. إذا كان الدستور فى النهاية لن يتم إقراره إلا بعد استفتاء الشعب عليه.. أليس معنى ذلك أن الدعوة للعصيان المدنى لها أهداف ومآرب أخرى؟!.. فى بعض الأحيان يكون المكسب خسارة ويكون الانتصار هزيمة.. فى بعض الأحيان يتصور فصيل أو فريق أو حزب أو تجمع أنه انتصر وحقق مكسبا.. بينما الحقيقة أن انتصاره ومكسبه خسارة لمصر وهزيمة لها.. ماذا ننتظر حتى نمد أيدينا لمصر؟.. ماذا ننتظر لإنقاذ فتاة تغرق فى نهر؟!..