يبدو أنهم لن يكونوا آخر الشهداء أو آخر المصابين.. فدرجة حرارة الأحداث التى تشهدها البلاد حاليا تقول إن هناك أسماء ستظل تضاف إلى قوائم ودفاتر المجلس القومى لرعاية أسر شهداء ومصابى الثورة.. لذلك كان من الضرورى أن تكون لهذه الجهة حيثية وتمتلك كافة الامكانات والأدوات اللازمة لخدمة من قدموا النفيس والغالى من أجل أن نعيش الحرية.. فهل هذا هو واقع الحال أم أن الأمر يختلف فى شارع بورسعيد بجوار مستشفى أحمد ماهر المقر الحالى لمجلس رعاية أسر المصابين والشهداء.. «أكتوبر» كانت هناك ترصد الواقع وننقل تفاصيله بكل حلاوته ومرارته التى هى أكثر فى السطور التالية:قبل ذهابنا إلى المجلس القومى لرعاية أسر الشهداء والمصابين، ظننا أننا سنجد مكانا مجهزا على مستوى عال وبه إمكانات ووسائل راحة جيدة إلا أننا فوجئنا بعدم وجود معظم هذه الأشياء لا حراسة ولا أفراد أمن على البوابة الرئيسية بشارع بورسعيد بجوار مستشفى أحمد ماهر وعبارة عن مكتب ملحق بالمستشفى. وجدنا أهالى الشهداء والمصابين يجلسون على كراس بالية ويشكون حالهم لبعضهم البعض وآخرين يصطفون فى طوابير أمام شبابيك المجلس، ولم نستغرب عندما لاحظنا أن هؤلاء البسطاء يصبون جام غضبهم على الموقف والحكومة والمسئولين ويلعنون اليوم الذى أجبرهم على المجىء إلى هنا. وبعد أن استمعنا إلى حالات عديدة أدركنا أن كلامهم عبارة عن قصة إنسانية كبيرة، وتستطيع بسهولة التفريق بين أسرة الشهيد والمصاب الحقيقى وبين المدعين. ضياع الأوراق الطابع البيروقراطى الذى تتميز به أجهزة الدولة وطول مدته كان سببا فى تكوين صداقات بين المصابين من المحافظات المختلفة وأصبحوا يغدون ويمسون معًا ووجدنا شابين الاول من محافظة كفر الشيخ والثانى من الاسماعيلية وتشابهت ظروف الاثنين فى أن أوراقهما التى كانت موجودة بصندوق رعاية أسر المصابين والشهداء قد ضاعت. وقال محمد السيد 20 سنة طالب فى مرحلة البكالوريوس بكلية التجارة جامعة كفرالشيخ أصبت بكسر فى رأسى يوم موقعة الجمل وحصلت على تقرير يفيد باصابتى فى تلك الاحداث من القومسيون العسكرى منذ شهر ونصف الشهر وعندما تم حل صندوق رعاية المصابين والشهداء وتشكيل مجلس قومى بدلا منه فى مقر جديد أخبرونا بأن أرواقنا ضاعت وعلينا ان نستعوض ربنا فيها أنا معى صور طبق الاصل من خطابات سابقة تؤكد حقى فى الحصول على تعويضات منها خطابات صادرة من وزارة التضامن الاجتماعى. وعندما ذهبنا الى حسنى صابر رئيس المجلس القومى لرعاية حقوق المصابين والشهداء قال اعتبروا أوراقكم ضاعت ومنذ أربع أيام ونحن فى القاهرة لم نعد إلى بيوتنا فى المحافظات المختلفة نذهب من هنا الى هناك بحثا عن حقوقنا التى أضاعتها يد الاهمال والتسيب. وهل نحن نستحق تلك المعاملة السيئة التى قال عنها الدكتور الجنزورى أنه قد تم التنبيه على الموظفين ليعاملونا بشكل آدمى ومحترم هل احترامنا تضييع أوراقنا وحقوقنا؟! أجهزة الرقابة عم سعد جابر رجل بسيط يقترض يوميا ثمن مواصلاته من بيته إلى الصندوق ليطالب بحقه فى التعويض بعد أن أصيب فى ميدان التحرير يوم 29 يناير فى عينه اليسرى مما أدى إلى فقدانه البصر بها. سعد رجل أرزقى كان يعمل على تريسيكل حصل عليه إعانة من إحدى الجمعيات الخيرية لكى يكتسب قوت يومه ويتمكن من الانفاق على عائلته الكبيرة المكونة من أمه وزوجته وأولاده الخمسة، عندما سمع عما يحدث فى ميدان التحرير ذهب إلى هناك كغيره من المصريين فى مظاهرة سلمية ليطالب بحقه فى عيشة كريمة ووظيفة ثابتة. ولكن شاء القدر أن يفقد عينه نتيجة للتزاحم والتكدس، ويقول عم سعد: أنا استلفت ثمن المواصلات ودايخ السبع دوخات ومش لاقى أمل فى الحياة مرة أخرى. وما يقال عن صرف معاشات شهرية للمصابين وهم ولم يصرف حتى الآن أى تعويض يعوضنى عن نعمة البصر التى فقدناها فى مظاهرات سلمية. أما سلوى مصطفى فبعد أن تقدمت إلى الصندوق لإجراء قومسيون طبى صرف لها الصندوق مبلغ 5000 جنيه وأستبعدها بعد ذلك. وبدأت قصة سلوى منذ يوم 6 فبراير عند مشاركتها فى المظاهرات السلمية ولكن لسوء حظها دهستها سيارة شرطة وهربت وتسبب ذلك فى عجز كامل لها. وقامت بإجراء أكثر من 27 عملية جراحية، وتقول سلوى إنها لجأت إلى الصندوق للحصول على تعويض تستطيع به استكمال علاجها ولكنها لم تحصل إلا على مبلغ ال5آلاف جنيه وهى الآن امرأة بلا تأمين صحى ولا معاش مما اضطرها إلى بيع الغرفة التى تعيش فيها من أجل إجراء باقى العمليات الجراحية. وتتساءل سلوى: لماذا تم استبعادها من الصندوق وهى أحق بكل مليم؟!.. وأحمد عمر رزق شاب فى الثلاثين من عمره -مدرس كونغوفو سابقا- لم يكن يتخيل يوما أن يكون واحدًا من مصابى ميدان التحرير. فقد أصيب بخرطوش فى عينه اليمنى وشظايا فى الرجل والظهر منعته من مزاولة عمله مرة أخرى، ويقول أحمد: غادرت قصر العينى خوفًا من أمن الدولة الذى كان يجمع المصابين من المستشفيات وخرجت ولم أستكمل العلاج وآثرت الإصابة على الكلى والحالب، وذهبت للصندوق لصرف التعويضات ولكن المعاملة سيئة للغاية؛ فهم يتعاملون معنا على أننا نأخذ منهم حسنة! ويضيف: الثورة مر عليها سنة كاملة ولم يتم إصدار حكم واحد على عائلة مبارك، ومازال المصابون فى المستشفيات ينتظرون التعويضات، مرت سنة وأنا أبحث عن وظيفة أستطيع من خلالها الإنفاق على عائلتى وحتى الآن لم أحصل على نسبة العجز التى أعلن عنها الصندوق أو الكارنيه الذى يمكننى من الحصول على وظيفة ومعاش شهرى. مصابون ومتطوعون فى هذا الجو الصاخب لا تستغرب إن وجدت متطوعين يساعدون أهالى الشهداء والمصابين لاستكمال أوراقهم حتى يستطيعوا صرف مستحقاتهم. لكن الأغرب أن هؤلاء المتطوعين من مصابى الثورة .محمد فاروق أحد المتطوعين يقول الاجراءات لا تستغرق وقتا طويلا وتبدأ باحضار تقرير طبى يؤكد الاصابة فى أحداث ثورة يناير أو ماسبيرو أوشارع محمد محمود أومجلس الوزراء لأن كل المستشفيات التى دخلها المصابون بها بياناتهم ونحن فوجئنا بكثير من الناس يدعون أنهم من مصابى الثورة ووضح هذا بشدة من خلال اصاباتهم الغريبة مثل من جاءوا الى هنا بتقارير طبية كشف باطنة وقلب بالاضافة الى اوقاتها المغايرة لأوقات الأحداث. وإذا كان أحد المصابين بالفعل قد تمت اصابته فى تلك الأحداث وغير مقيد بسجلات المستشفيات عليه أن يقوم بالذهاب الى النيابة ومنها الى مصلحة الطب الشرعى وحسب علمى ان عدة مصابين قاموا بعمل ذلك وأثبت التقرير الطبى اصابتهم ومن ثم صرفوا مستحقاتهم. ومن بين 10 متطوعين فى الصندوق وجدنا أحمد إبراهيم مصابًا سابقا ومتطوعًا حاليا، يجلس على مكاتب الموظفين ويساعد اهالى الشهداء والجرحى لمعرفة الإجراءات للحصول على حقوقهم. بدأت قصة أحمد فى ميدان التحرير يوم 28 يناير وأصيب بخرطوش فى الرأس وكعب القدم وتم نقله إلى المستشفى وحرر محضر بالقسم لتحويله للنيابة ثم الطب الشرعى ليحصل على تقرير طبى يثبت فيه إصابته وحقه فى التعويض ولكن حتى الآن لم يستكمل أحمد علاجه ولم يستخرج الخرطوش من جسده وفضل أن يستكمل حياته متطوعا لخدمة المصابين وأهالى الشهداء. ويقول أحمد إنه بعد تصريحات رئيس الوزراء بصرف كل الشيكات تكدس الأهالى عند وزارة المالية والصندوق ولكن لم يصرف حتى الآن إلا 140 شيكًا فقط. وأضاف أن هناك العديد من التقارير المزورة التى تعرض عليه يوميا وشهادات وتقارير طبية تثبت أن لهم حقًا التعويض ولكن يتم بسهولة إثبات التزوير وأن الوفاة أو الإصابة طبيعية وليست بسب أحداث الثورة. شكوى مضادة من جانبه اشتكى رئيس موظفى المجلس من عدم وجود حماية لهم بالمبنى مما أدى إلى إصابة زميل لهم اسمه الليثى أحمد من قبل بعض البلطجية الذين ادعوا أنهم من مصابى الثورة وتسببوا فى إصابته بانفصال فى الشبكية وفقد بصره على أثرها لذلك امتنعوا عن العمل لمدة ثلاثة أيام. ويضيف قائلا: ومع ذلك لم نمتنع عن تسيير مصالح أهالى المصابين والشهداء الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل وصل إلى حد تهديد طبيب المجلس بعد أن رفع أحد البلطجية مطواة فى وجهه ليرغمه على كتابة تقرير طبى يفيد أنه من مصابى الثورة.