كما أن هناك أديب الرواية الواحدة مثل الراحل الكبير يحيى حقى الذى ألف عشرات الكتب والقصص، لكننا لا نذكر له سوى «قنديل أم هاشم»، ومطرب الأغنية الواحدة، مثل صاحب «يا بيوت السويس» محمد حمام، أو المطربة الراحلة شهرزاد، التى كانت من أجمل الأصوات، ولا يذكر الجمهور لها سوى أغنية «عسل وسكر»، ومخرج العمل الواحد مثل شادى عبد السلام صاحب «المومياء»، فهناك كذلك ممثل الدور الواحد الذى يحصره المخرجون فى شخصية واحدة لا يستطيع أبداً الفكاك منها.. فهل العيب فى الممثل أم فى المخرجين الذين يستسهلون التنميط أم فى كتاب السيناريو؟.. أم فى المناخ الفنى نفسه؟. فى البداية تجيب الفنانة القديرة هالة فاخر عن هذا السؤال فتقول: إنها ظلت محبوسة بالفعل لسنوات طويلة فى الأدوار الكوميدية الخفيفة، حتى أسند إليها المخرج الكبير نادر جلال دور الجدة فى مسلسل «الناس فى كفر عسكر»، والذى جسدت من خلاله دور أم الفنان عمرو عبد الجليل، وحصلت عنه على جائزة خاصة من مهرجان الإعلام العربى منذ سنوات، ذلك قبل أن يعيد المخرج خالد يوسف اكتشاف من خلال دور والدة الممثل عمرو سعد فى فيلم «حين ميسرة»، والذى حصلت عنه أيضاً على أكثر من جائزة، مؤكدة أن العيب ليس فى الممثل، ولكن فى المخرجين الذين لا يتعبون أنفسهم فى اكتشافات الطاقات الكامنة داخل الممثلين ويبحثون لأعمالهم دائماً عن قوالب جاهزة. وتتفق الفنانة الجميلة لبلبة تماماً مع ما قالته هالة فاخر، وتقول إنها تدين بالتحول فى حياتها كممثلة إلى المخرج الراحل عاطف الطيب الذى أسند إليها بطولة فيلم «ليلة ساخنة» أمام النجم نور الشريف، فكان نقطة التحول بالنسبة لها من الأدوار الكوميدية والاستعراضية الخفيفة إلى الأدوار المركبة والشخصيات الصعبة، فقدمت مع عاطف الطيب أيضاً شخصية المحامية فى «ضد الحكومة» ومثلت دوراً صعباً فى «فرحان ملازم آدم» مع فتحى عبد الوهاب، وياسمين عبد?العزيز، وكذلك دورها فى فيلم «حسن ومرقص» مع النجم عادل إمام، وزوجة الوزير فى فيلم «معالى الوزير» مع النجم الأسمر الراحل أحمد زكى، وكلها شخصيات متنوعة وأدوار عميقة تحتاج إلى ممثلة من طراز خاص، مؤكدة أنه لولا إيمان هذا المخرج الراحل الكبير عاطف الطيب بموهبتها وقدراتها التمثيلية لظلت محبوسة فى الأدوار الخفيفة مدى الحياة، أو اعتزلت التمثيل وجلست فى البيت كبعض زميلات جيلها. ويقول عمرو إن الممثل لا يمكن أن يرغب فى حصر نفسه فى دور أو شخصية واحدة، ولكن السوق الفنى هو الذى يفرض عليه ذلك، وقد يشاء حظه العاثر أن ينجح فى شخصية معينة فيفرض عليه المنتجون والمخرجون تقديم هذه الشخصية كنوع من النجاح المضمون له وللعمل الذى يقدمه، كما حدث مع الفنان العظيم الراحل محمود المليجى الذى ظل محصوراً فى أدوار الشر، حتى أعاد يوسف شاهين اكتشافه فى أفلام خالدة مثل «الأرض»، و«العصفور»، و«عودة الابن الضال»، ولولا يوسف شاهين لظل المليجى فى أذهاننا أسيراً لصورة الشرير الذى يبحلق بعينيه فى الكاميرا، مشيراً إلى ما فعله فنان كبير آخر مثل ملك الترسو «فريد شوقى» الذى تحلى بذكاء شديد من أدوار الفتوة حين تقدم به العمر ليقدم أدواراً أخرى مختلفة ومتنوعة، لكن لولا اسمه الكبير ونجوميته باعتباره «الملك» لما سمح له أحد بأن يغير جلده الفنى. وفى النهاية يقول الناقد السينمائى د.?أحمد يوسف إن الممثل يشارك أحياناً فى دائرة الانحصار فى شخصية واحدة، كما فعل الكوميديان محمد سعد حين أصر على أن يصر محبوساً فى شخصية «اللمبى» أو تنويعات على نفس الشخصية، والكلام والحركة والأداء بنفس الطريقة، على عكس ممثل أكثر ذكاء مثل أحمد حلمى الذى يقدم فى كل فيلم «تيمة» جديدة، ويطور من أسلوبه الفنى باستمرار. وأكد أن النجم الحقيقى يحتاج إلى ثقافة ووعى سياسى واجتماعى وحس جماهيرى لكى يصمد لمنافسة الأجيال الجديدة ويهرب من دائرة «التنميط».