لم تسجّل مداولات مجلس الأمن الدولي حول مشروع قرار قدمته دول عربية وغربية الذى يتضمن دعوة الرئيس السورى بشار الاسد الى تسليم صلاحياته إلى نائبه الأول، أي اختراق لموقف روسيا التي أكدت انها ستستخدم حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بشأن سوريا تراه غير مقبول ولا يشير صراحة إلى استبعاد التدخل العسكرى. وفى السياق ذاته استبعد محللون ومراقبون، وصول الأزمة فى سوريا إلى حد التدخل العسكري الأجنبى، على غرار ما حدث فى ليبيا بعد قرار من مجلس الأمن يقضي بحماية المدنيين، قائلين إن عدة أسباب سياسية وجغرافية تجعل من ذلك أمرا صعبا، وغير متوقع. أكد د. محمد أحمد النابلسى - رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية - أن اجتماع مجلس الأمن لم يتوصل الى نتائج ملموسة فى حل الأزمة السورية فلم يحدث سوى إصدار بيان إدانة عادى من دون صفة ملزمة مضيفا أنه ليس هناك مقترحات من قبل الجامعة العربية لإرسال قوات عربية إلى سوريا فى الوقت الحالى، مشيراً إلى أنه لا يوجد توافق عربى أو غير عربى على التدخل عسكريا فى الوقت الحالى فى سوريا. وبالتالى فإنه من الواضح أن تظل الأزمة السورية فى تصاعد مستمر فى الوقت الراهن خاصة بعد رفض الحكومة السورية قرار مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزارى الذى يتضمن دعوة الرئيس السورى بشار الأسد إلى تسليم صلاحياته إلى نائبه الأول، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمهيدا لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ديمقراطية فى البلاد. ويرى د. النابلسى أنه رغم الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة على روسيا للموافقة على قرار مجلس الأمن ضد النظام السورى فإن روسيا مازالت تعارض أى استخدام للقوة ضد سوريا سواء بفرض عقوبات اقتصادية جديدة او التدخل الدولى العسكرى. وأشار الى أن موسكو منذ لحظة انهيار الاتحاد السوفييتى لم يحدث أن سعت لاتخاذ مثل هذا الموقف القاطع فى مواجهة تحركات واشنطن وباريس، والتى أخذت الآن شكل الصراع إزاء الملف السورى. ولكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن هل ستسعى موسكو إلى عرقلة مخططات ومشروعات الهيمنة الأمريكية والأوروبية الغربية بعد أن أدركت موسكو تماماً أنها أحد أهم المستهدفين لاحقاً، وأنها سوف تكون الضحية الكبرى مادام التخلى عن دمشق لن يؤدى إلا أن البحر الأبيض المتوسط يكون بحيرة أمريكية، وبعدها سوف تباشر واشنطن وحلفاؤها تنفيذ مخطط خنق روسيا عن طريق إغلاق البحر الأسود. وأضاف أنه فى ظل تصاعد الأزمة السورية وعقب هذه التطورات سعى أطراف مثلث واشنطن وباريس ولندن لجهة القيام بسيناريو استهداف سوريا، وتحديداً عبر مسارين: المسار الأول محاولة تمرير قرار دولى يستهدف دمشق عبر مجلس الأمن الدولى والمسار الثانى محاولة استخدام أنقرا كمخلب لجهة التحرش بدمشق. وأوضح أن نوايا خصوم دمشق ركزت على استخدام المسار الأول لتنفيذ نفس سيناريو استهداف ليبيا عن طريق فرض إقامة مناطق حظر الطيران فى بعض المناطق السورية التى شهدت تصاعد بعض الاحتجاجات، ولكن فشلت فعاليات هذا المسار بسبب الموقف الروسى وأيضاً الموقف الصينى الرافض لتدويل ملف الحدث السورى وبالنسبة للمسار الثانى، فقد انطوى على قدر كبير من معطيات نظرية المؤامرة. بما فى ذلك تضليل القيادة التركية نفسها عن طريق التخمينات التى تضمنت المزيد من المعلومات الكاذبة المغلوطة، وكان الهدف يتمثل فى تصعيد الاضطرابات بما يدفع إلى تزايد تدفق موجات اللاجئين السوريين للداخل التركى، بما يؤدى بدوره إلى قيام تركيا باستخدام قواتها من أجل إقامة منطقة عازلة داخل الأراضى السورية، الأمر الذى سوف يفسح المجال أمام حلف الناتو للتدخل على أساس اعتبارات أن تركيا عضو رئيسى فى حلف الناتو.. ولكن، ما هو واضح، فإن العديد من العوامل الأخرى لعبت دوراً مهماً فى إضعاف فعاليات المسار الثانى، ومن أبرز هذه العوامل: الدبلوماسية الوقائية السورية التى سارعت إلى التفاهم مع أنقرا و بروز مصداقية جهود دمشق إزاء القيام بإجراء المزيد من الإصلاحات الداخلية. من جانبة اكد اللواء د . محمد نبيل فؤاد – الخبير فى الشئون العسكرية – أن اجتماع مجلس الأمن الدولى حول الأوضاع فى سوريا فشل فى الوصول لحل الأزمة السورية، مضيفا أن السيناريو الليبى لن يتكرر فى سوريا مستبعدا التدخل العسكرى، وذلك بسبب اختلاف ظروف وثقافة وتاريخ البلدين، كما أن التدخل العسكرى الخارجى يتطلب استخدام أراضي الدول المجاورة لتكون نقطة انطلاق لهم، فموقع ليبيا الجغرافى على البحر المتوسط سهل المهمة العسكرية، أما سوريا فمحاطة بتركيا والأردن والعراق ولبنان. وأوضح أن الموقف الأمريكى والأوروبى تجاه استخدام الخيار العسكرى ضد النظام السورى يتسم بالتردد نوعا ما، وذلك خوفا من أن تتحول سوريا إلى مركز لحرب شاملة بالمنطقة، خاصة إسرائيل، حيث إن سوريا تمتلك علاقات قوية بإيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية. وشدد الخبير العسكرى على أن تصعيد الأزمة وانزلاقها فى فوضى النزاع الشامل لن تكون مأساة الشعب السورى وحده، بل ستؤدى إلى عدم استقرار جدي لدى الدول المجاورة الأمر الذى سيزيد من اهتزاز الوضع فى منطقة استراتيجية مهمة من الشرق الأوسط. وأضاف «أن قرار التدخل العسكرى الدولى فى ليبيا كان قراراً أممياً من مجلس الأمن، ومن الصعب الحصول على القرار نفسه بشأن سوريا،خاصة دولة مثل روسيا لديها مصالح فيها، وتمتلك قاعدة عسكرية بحرية ضخمة هناك، وعلاقتها بالنظام السورى استراتيجية وعميقة و ستعترض على قرار بشأن حملات عسكرية دولية فى سوريا». وفى السياق ذاتة اكد د. رفعت سيد أحمد- مدير عام مركز يافا للدراسات السياسية والاستراتيجية– أنه يصعب تدخل حلف شمال الأطلسى لتوجيه ضربات لسوريا، بسبب امتلاكها أوراق قوة، كما أن توجيه ضربات لها سيسحب المنطقة إلى حروب إقليمية بين سوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينية وإيران من ناحية، وإسرائيل والولاياتالمتحدة من ناحية أخرى. وأشار إلى أن الولاياتالمتحدة والدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسى يستغلون المطالب الشعبية السورية العادلة فى التغيير والإصلاح والقضاء على الفساد، فىتنفيذ مؤامرة الهدف الرئيسي والأساسى منها، فك علاقة سوريا بالمقاومة العراقية والفلسطينية وحزب الله.