آخر نكتة سياسية يرددها المصريون فى الشارع هذه الأيام هى أنهم يفضلون الإخوان المسلمين على السلفيين؛ لأن الإخوان إذا وصلوا للحكم فسوف يضبطون حركة المجتمع، ويكتمون على أنفاس الفاسدين بالنهار، ويتركون الحبل للجميع على الغارب.. بالليل. أما إذا وصل السلفيون للحكم فسوف يكتمون على أنفاس الجميع بالليل.. وبالنهار.. انتهت النكتة..!! وهذه النكتة السياسية تعكس بدقة واقع ما يدور على الأرض وتلخص ما جرى فى الانتخابات البرلمانية.. فالجماعة "المحظوظة" أصبحت تمثل الأغلبية فى البرلمان، والجماعة السلفية أصبحت المعارضة.. أى أن التيار الدينى سيطر على ما يقرب من ثلثى مقاعد البرلمان، وهى سابقة لم تحدث فى التاريخ من قبل..! ولعل قارئى العزيز لاحظ أننا لأول مرة نصدر بغلاف بدون أى عناوين وأعتقد أننا المجلة الأولى فى المنطقة التى تصدر بدون أى عناوين.. فالصورة التى على الغلاف تغنى عن أى كلام يمكن أن يقال تعليقاً على نتائج الانتخابات والصعود القوى للتيار الإسلامى بصفة عامة، والإخوان المسلمين بصفة خاصة.. وصورة الغلاف هذه المرة قريبة الشبه بالغلاف الصادم الذى نشرناه قبل نهاية الانتخابات بأكثر من شهرين وبالتحديد فى 6 نوفمبر الماضى؛ والذى ظهر فيه رموز التيار السلفى على منصة مجلس الشعب، وفى أسفل المنصة د. محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين يلقى بيان الحكومة..!! والحقيقة أننا لم نكن وقتها نضرب الودع أو نقرأ الطالع، فقد كانت كل المؤشرات تشير إلى هذه النتيجة، فأى قارئ للأوضاع، كان يتوقع أن يصعد التيار الإسلامى صعوداً قوياً بعد توجه الشعب لاختيار أناس؛ يتبنون نسقاً أخلاقياً يختلف تماماً عن النسق الذى كان سائداً، والذى كان يجمع تحالفات لا أخلاقية بين أصحاب المال والسلطة، وما نجم عن ذلك من صور فاضحة للفساد كان يتباهى بها رموز النظام السابق.. وأعتقد أن الشعب المصرى بهذا الاختيار ألقى الكرة فى ملعب التيار الدينى بصفة عامة، والإخوان المسلمين بصفة خاصة.. الجماعة التى كانت "محظورة" فأصبحت "محظوظة"، فهو يلقى بمسئولية كبيرة على كاهل الإخوان ليقدموا نموذجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً مختلفاً عما كان سائداً من قبل.. فعلى المستوى السياسى يجب أن يفتح الإخوان صدرهم لاستيعاب جميع الأطياف على الساحة السياسية بانتهاج ما يمكن أن نسميه ب "الليبرالية الإسلامية".. فلا يتم إقصاء أحد من المعادلة، ولا يستأثر بطرف دون آخر، ولا برأى دون آخر، بل يجب أن تكون عقولهم وقلوبهم وأذهانهم مفتوحة لتقبل الآخر، والتعامل معه بوصفه شريكاً فى الوطن.. ومن هنا يجب على التيار الدينى تنقية صفوفه ومراجعة ما صدر عن مرجعياته ورموزه من فتاوى ورؤى شاذة تكفر الآخر، بل وتحرم مجرد إلقاء التحية عليه، والتمييز بين أبناء الوطن الواحد حسب انتماءاتهم الدينية.. فهذا الأمر شاذ على مجتمعنا وشعبنا المصرى المتسامح والذى أثبت على مدى تاريخه تقبله للآخر، والتعامل مع الجميع على قدم المساواة، بدون النظر لخانة الديانة فى الهوية.. أى أن على التيار الدينى بصفة عامة والإخوان بصفة خاصة، أن يقدموا للعالم كله نموذجاً حقيقياً لسماحة الدين الإسلامى فى التعامل مع الآخر، ومع متغيرات القرن الحادى والعشرين، والتى تختلف بالتأكيد عن المعطيات التى كانت موجودة فى المجتمع فى صدر الإسلام.. أما أهم الملفات التى يجب على التيار الدينى، خاصة الإخوان، أن يولوها أهمية قصوى، فى هذه المرحلة، فهو الملف الاقتصادى.. إذ يجب على الرأسمالية الإسلامية، إن جاز لى هذا التعبير أيضاً، أن تلعب دورها فى تنمية المجتمع، وزيادة الاستثمارات وتوفير المزيد من فرص العمل، وزيادة معدلات الإنتاج والتنمية.. ويجب كبادرة حُسن نية لكبار الرأسماليين من التيار الدينى أن يعطوا القدوة والمثل فى العطاء فيتبرعوا بزكاة أموالهم لسد العجز فى الموازنة العامة للدولة، وزيادة الاحتياطى من النقد الأجنبى للحدود الآمنة.. كما يجب على نواب الشعب من التيار الدينى أن ينزلوا للشارع لحث الناس على زيادة الإنتاج، وتفعيل مبادرات العمل الأهلى فى مجالات التعليم والصحة وباقى الخدمات، وإقامة المزيد من الصناعات الصغيرة والحرفية والريفية فى مختلف المناطق.. إننى لا أبالغ إن قلت إن الوقت ليس فى صالح "الجماعة المحظوظة"؛ فالمطلوب منها أن تقدم نموذجها المختلف فى السياسة والاقتصاد فى أسرع وقت ممكن.. اليوم قبل غد، بحرفية عالية؛ لأن أى اختلال فى الأداء سيفقد الإخوان الأرض التى اكتسبوها فى الانتخابات البرلمانية، وسيهز ثقة الشارع المصرى فيهم.. فالفشل فى الأداء.. ستكون نتيجته الحتمية انهيار المشروع السياسى للإخوان المسلمين؛ لأن ثورة الآمال والتطلعات التى تجتاح الشارع الآن ستحل محلها ثورة خيبة أمل وإحباط، وحينها لن تقوم للإخوان بعد ذلك أى قائمة..! نصيحة أخيرة للجماعة المحظوظة: إن الكرة الآن فى ملعبكم.. فلا تضيعوها.. حتى لا تندموا وقت لا ينفع أى ندم!!