? د. عماد أبو غازى: عمليات الحرق التى جرت خلال الثورة صعّبت عمليات الأرشفة ? د. محمد صابر عرب: قريبا الانتهاء من قانون جديد لحماية الوثائق... جرت العادة قديما على نقل أى موظف مهمل أو مقصر إلى الأرشيف واعتبار أن ذلك الإجراء يمثل نوعًا من أنواع العقاب فى إشارة مهمة جدا إلى أن الأرشيف قديما لم يكن يحظى بأهمية تذكر لدى المسئولين رغم أنه يعتبر عصب أية مؤسسة أو مصلحة أو شركة بل أية دولة. وهذه الأهمية بدأت تلفت النظر إليها منذ سنوات قليلة خاصة بعدما وصلت إليها التكنولوجيا فأصبحنا نسمع عن الأرشيف الإلكترونى وما شابه ورغم هذه الأهمية ورغم الكوراث التى نتعرض لها من وقت لآخر وتطول ذاكرة الأمة مثل حريق الشورى ومؤخرا حريق المجمع العلمى فإنه توجد إجراءات تضمن السلامة والأمان لهذه الأماكن ولا توجد قوانين وتشريعات تحكم عمليات بناء الأرشيفات فى أى مكان.. أكتوبر تناقش هذه القضية المهمة فى السطور التالية:د. عماد أبو غازى وزير الثقافة السابق يقول: إن الثورات تفرز أحداثا استثنائية ولا ينتج عنها وثائق بالآلية التقليدية ومن ثم تكون أمام الأرشيفى والموثق والمؤرخ إشكاليات فى التعامل مع الثورة بصورة قد تنعكس على عملية التأريخ. وأضاف: أن وثائق الثورة تنتجها عدة مصادر منها النظام المضاد أو طرف خارجى أو غيرهما، وأشار إلى أن من أبرز الإشكاليات الوثائق التى تصدرها القوى التى تقوم بالثورة فهى لا تتراكم بشكل طبيعى أو متناسق، ناهيك عن أنها لا تصدر من مؤسسة رسمية. ومن هنا يأتى التحدى الأول للحصول على هذه الوثائق حتى تكون متاحة، ثم مصداقية الوثيقة وشهادات الشهود لأن كل وثيقة تحمل قدرا من الانحياز لوجهة نظر معينة أو زاوية معينة عند شاهد الموقف. فمثلا عند حريق المجمع العلمى المصرى قامت إحدى الصحف القومية بنشر صور للمبنى وهو يحترق ولم تكمل الصورة وأفراد المبنى يرشقون المتظاهرين بالحجارة فهذه مشكلة التعامل مع المصدر المصور. كما أن التطور التقنى فى ثورة المعلومات ساهم فى توثيق هذه الثورات. لكنه أيضا يخلق مشكلات جديدة ويضعنا فى مشكلات المصداقية.. خاصة أنه يمكن التلاعب بها. وأشار إلى أن الثورة عملية هدم وبناء وهذا ينعكس على وثائق الثورة نفسها من حيث تدمير الوثائق، والثورة الفرنسية أكبر دليل على ذلك وقد نتج عنها الانتباه لهذه الوثائق فيما بعد وظهر الأرشيف القومى الفرنسى أعظم الأرشيفات فى عالمنا المعاصر وفى 25 يناير وجدنا مشكلة مشابهة عندما تم اقتحام مقارأمن الدولة والاستيلاء على الوثائق الموجودة وتداولها فىالشوارع وفى الحقيقة أن وزارة الداخلية وجهاز الأمن عموما لم تكن تسلم وثائقها للأرشيف القومى فى السنوات الماضية إلا ما ندر منها وكنا نأمل أن يأتى يوم تستطيع دار الوثائق من خلاله ضم هذه الوثائق إليها. وأيضا فى سياق الاستيلاء على وثائق أمن الدولة يتم دس وثائق مختلقة من قبل الجهاز لتشويه بعض الشخصيات التى تلعب دورًا فى الحياة السياسية وفى عملية الثورة المضادة. قانون جديد وأضاف الدكتور محمد صابر عرب رئيس دار الكتب والوثائق القومية السابق أن الارشيف فى العالم كله تعرض لكوارث وحرق! والحكومة الآن بصدد الانتهاء من قانون جديد لحماية الوثائق التى تعد ثروة قومية للأجيال القادمة، ومن الغريب أنه عند حرق المجمع العلمى المصرى حرق معه أرشيف وزارة النقل والذى كان مجاورا للمجمع.. وهذا يعنى أن من لديه أرشيف أو وثائق يجب أن يضعها فى دار الوثائق القومية حتى لا تحدث كارثة مثل هذه مرة أخرى. كما أنه يجب على كل الجهات والمصالح أن تشعر بمسئوليتها تجاه الأرشيف وتبدأ جميعها فى عمل مشترك مع دار الوثائق ليتم حفظ أية وثيقة فى مكانها الطبيعى الآمن. أما بالنسبة للجنة توثيق ثورة 25 يناير التى تتكون من 10 مجموعات فستكون بوابة ضخمة للمعلومات والصور والفيديوهات التى نرصدها من جهات متعددة وسيوضع لها توثيق على الموقع وقد جمعت اللجنة فى هذا الأمر عشرات الألوف من الصور والمستندات الخاصة بثورة 25 يناير وقال إنه من المقرر إطلاق بوابة خاصة بدار الكتب والوثائق القومية فى منتصف عام 2012 يتم فيها تجميع كل ما تحتوى عليه الدار. لجان خاصة أما الدكتور أحمد عبد الدايم بمعهد البحوث الأفريقية بجامعة القاهرة فقال: إنه ظهر العديد من الارشيفات الالكترونية والمواقع المختصة بأرشيف الثورة مما دفع بعض الجهات الحكومية وغير الحكومية لتشكيل لجان خاصة بتوثيق أحداثها. ونظرا لتعدد التيارات الإسلامية عبر القطر المصرى.. تعددت أرشيفات الإسلاميين بخصوص مشاركتهم فى ثورة 25 يناير بصورة يصعب حصرها فى موضوع وسياق واحد فما بين البيانات الرسمية التى صدرت عنهم وصفحات التواصل الاجتماعى كاليوتيوب والفيس بوك وتويتر الخاصة بهم ومواقعهم الشخصية والتنظيمية على شبكة المعلومات الدولية ولقاءاتهم التليفزيونية وكتاباتهم وحوارتهم الصحفية ورواياتهم للأحداث الجارية خلال الثورة وشهادات آخرين بشأن مشاركتهم وحجم وقوة المشاركة فىالثورة. كل هذا يجعل أرشيف الإسلاميين أرشيفيا ثريًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وأشار د. عبد الدايم فإنه رغم أن أرشيف الإسلاميين يعد أرشيفا إلا أنه غير مجموع فى مكان واحد وغير مرتب بطريقة تمكن قراءة ما فيه بسهولة لتقصى حقيقة ما جرى وتفعيل الأمر بشأن مشاركة بعضهم من عدمها وأن بعض هذه البيانات حصلت عليها شخصيا خلال فترة وجودى شبه الدائم فى ميدان التحرير طيلة مدة الثورة وبعضها منشور ومعروض على مواقع الحركات والتنظيمات الإسلامية نفسها وجزء منها نشر بالفعل عبر كتيبات صغيرة وعبر الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام وأملى أن يكون هناك توثيق بدار الكتب لهذه الحركات الإسلامية والسياسية حتى يكون هناك أرشيف خاص بكل منهم. الوثائق الإلكترونية وقالت الدكتورة أمينة عامر إن الصور الفوتوغرافية أصبحت منذ الثمانينات مصدرا أرشيفيا مهما ومكملًا لواقع الأحداث حيث تنوعت المصادر الأرشيفية وتعددت فلم تعد تقتصر فقط على الوثائق الورقية او الوثائق الالكترونى وبينت أن الأرشيف الهولندى يحتوى على 14 مليون صورة وأن هناك بعض الدول المتقدمة بأرشيفها 17 مليون صورة مما يستلزم قيام وحدة أرشيفية خاصة بالصور لأن الصورة فى طبيعتها تستفز الكلمة. وأضاف أن الصورة الفوتوغرافية لها أهمية خاصة وأنها تكمل مع غيرها من المصادر. الأرشيفية المشهد التاريخى وأهميتها القصوى إذا لم تتوافر غيرها من المصادر وسيتم توظيف الصور فى التاريخ لثورة 25 يناير التى لعبت فيها الصورة دورا إثباتيا لا يمكن إنكاره فمن خلال الصورة تأكدت حقائق وفندت أقاويل واتضح زيف وعدم صحة وقائع. التسجيلات الصوتية اما الدكتور عزت عزت سعد حسان بكلية الآداب جامعة بنى سويف فقد أشار إلى أن التسجيلات الصوتية من الاشكال غير التقليدية فى طرق الارشفه والتى تعتمد على صوت الإنسان وتتميز فيما عداها بأنها تحمل نوعيات معينة من المعلومات ذات طبيعة خاصة لا يمكن لغيرها من الوسائط أن تحملها. فمثلا إذا كان هناك تسجيل صوتى يكون أبلغ فى التعبير عن الكتابة او التوثيق ولا يمكن ان يدور حوله شكوك من اى نوع مما يؤدى إلى مصداقية حالية من قبل المستمع إليه. وقال د. حسان إن أولى خطوات انتقال التراث من خلال الكلمة المنطوقة قد بدأ بتسجيل هذه الكلمة كتابيا على سبيل معاونة الذاكرة حيث لم يكن هناك وسيلة أخرى غير الكتابة لتسجيل الكلمة المنطوقة ولكن الآن أصبح الإنسان يستمع من خلال الأجهزة الحديثة إلى جلجلة الكلمة تهز حياته وتنفذ بمعناها إلى وجدانه فازدادت تباعًا وتنوعت التسجيلات حسب الغرض من إصدارها سواء سياسية أو تاريخية أو إعلامية وحسب طبيعة وشكل المادة المسموعة المسجلة من خطب وأحاديث وحوارات. كما زاد الاعتماد عليها فى كثير من الأعمال وزاد الإقبال عليها من قبل أرشيفات متعددة. وأضاف أن هذه النوعية تعكس أهمية حول توثيق الحدث أو الموضوع وتحمل أيضا قيمًا معلوماتية وإثباتية مختلفة وأن هذه النوعية تتطلب إمكانات مادية ومعالجة وتجهيزات فنية غير التى اعتاد عليها الأرشيفيون مع الوثائق التقليدية. تساؤلات مهمة وقال الدكتور احمد المصرى رئيس قسم الوثائق بكلية الآداب جامعة بنى سويف إن حريق مجلس الشورى وما ذكر من احتراق أصول بعض الوثائق وحريق المجمع العلمى طرح التساؤلات حول مستقبل الوثائق المصرية والتى هى المستندات التى تنشأ أثناء أداء الجهة الإدارية لعملها سواء كانت فى الشكل الورقى أو الرقمى. وإذا نظرنا على حال الوثائق فى بعض الجهات الإدارية نلاحظ أن القائمين عليها فى أقسام الأرشيف الحكومية المختلفة هم المغضوب عليهم من الموظفين غير المتخصصين الذين لايكادون يدركون أهمية ما يقومون به من عمل وأماكن حفظها غير مناسبة على الإطلاق. فتحفظ فى البدرومات وعلى الأسطح وفى دورات المياه وهو ما يؤدى إلى فقدها فى كثير من الأحيان. وأضاف د. المصرى أن السبب فى ذلك عدم وجود قانون واضح يحدد كيفية التعامل مع الوثيقة فى كل مراحلها وهو ما يؤدى إلى احتفاظ بعض الجهات والأفراد بوثائق ما كان ينبغى لهم الاحتفاظ بها حيث يجب نقل الوثيقة إلى الأرشيف الرسمى بعد انتهاء أهميتها الإدارية. وكشف أن القواعد والقوانين التى تحكم التعامل مع الوثائق فى مرحلتها النشطة تقتضى الحفاظ عليها فى هذه المرحلة حيث إنه ليس من حق أى موظف إتلاف أية ورقة من أى ملف حتى لو كان هو من قام بتحريرها ومن يفعل ذلك يعرّض نفسه للمساءلة، لافتًا إلى أنه أيضًا ليس من حق الموظف إفشاء البيانات والأسرار التى يطلع عليها بحكم وظيفته مثل الملفات الخاصة بالضرائب والملفات الشخصية، لافتا إلى أنه لا يوجد قانون منفصل متكامل خاص بحماية سرية البيانات الشخصية أسوة بما هو متبع فى الكثير من البلدان فنحن فى مصر بحاجة إلى مثل هذا القانون. وقال إن هناك تشريعات مرتبطة بالعمليات الفنية التى تتم على الوثائق للحفظ النهائى. وينظم هذه العملية لائحة محفوظات الحكومة بالإضافة إلى القانون رقم 356 لسنة 1954 وتعديلاته وهو القانون الخاص بدار الوثائق القومية ويلاحظ أن الكثير من الموظفين ليس لديهم معرفة به.كما أن به الكثير أوجه القصور وفى حاجة إلى الكثير من التعديلات. خاصة فيما يتعلق بالوثائق الالكترونية ووضع مواد تلزم المصالح الحكومية بضرورة تسليم الوثائق التى انتهى عمرها الإدارى إلى دار الوثائق مع إعطاء الدار سلطة تمكنها من ذلك بالإضافة إلى وضع سياسة واضحة للاطلاع على الوثائق فى هذه المرحلة. وينبغى وضع تشريعات جديدة للحفاظ على الوثائق الالكترونية وبيان كيفية التعامل معها والشكل الذى ستسلم به للدار مع توضيح ما إذا كان سيتم نسخ الوثائق فقط ام سيتم تسليم نسخ من الأنظمة التى سجلت بها هذه الوثائق وذلك للتغلب على مشكلة تعدد الانظمة وتقادمها. وأشار إلى أنه لا يوجد فى مصر قانون خاص ومتكامل للوثائق وضرورة إشراك الأرشيفيين فى إعداد هذا القانون، مع ضرورة ضم كافة التشريعات المتعلقة بالوثائق فى قانون واحد ونشر الوعى القانونى بين كافة المواطنين فى المصالح الحكومية المختلفة ووضع تشريع خاص ومتكامل لحماية البيانات الشخصية.