أحى مشهد ترحيل ديكتاتور بنما السابق مانويل نورييجا (77 عاماً) وهو مسحوباً على كرسى متحرك ليقضى مدة عقوبته فى سجنه ببلده - بعد أن أمضى أكثر من 19 عاماً فى سجون أمريكا وفرنسا - عبارة «أن لكل ديكتاتور نهاية». ويحرص التاريخ دائما على تسجيل أسماء الطغاة ومصاصى دماء شعوبهم وهم فى العادة صناعة أمريكية ليتم التضحية بهم فور إنتهاء مدة صلاحيتهم فمازلنا نتذكر شاه إيران وصدام حسين وماركوس وحديثاً الرؤساء الثلاثة مبارك وبن على وعبدالله صالح. ولاتعجز الإدارة الأمريكية عن ذكر التبريرات التى تقدمها لحلفائها فى كل مكان وزمان لتحظى بالتأييد والترحيب لكل مواقفها والتى تخدم دائما مصالحها الذاتية وأطماعها. فهى تارة ترفع شعار مواجهة المد الشيوعى والحرب على الإرهاب ثم مواجهة الإتجار بالمخدرات وتارة أخرى إمتلاك أسلحة الدمار الشامل وكلها مبررات تخفى نزعة الهيمنة التى تسعى الولاياتالمتحدة لبسطها على سيادة الشعوب لتظل هى سيدة العالم وهى فى المقابل تسمح لهؤلاء الجبابرة بسرقة وسحق شعوبهم فكلنا نتذكر منعها لإصدار قراراً يدين صدام حسين فى مجلس الأمن وكلمات مستشار الأمن القومى الأمريكى «بيرجنسكى» الذى قال: «إننا لا نرى أى تعارض فى المصالح بين واشنطن ونظام صدام حسين فى العراق» وقدموا له السلاح فى حربه مع إيران ثم انقلبوا عليه بعد أن أقنعوه بحقه فى غزو الكويت وانتهت حياته بالإعدام شنقاً. وحديثاً الرئيس السابق حسنى مبارك الذى ساند الولاياتالمتحدة فى حربها ضد الإرهاب وأصبح حليفاً استراتيجياً لها يدعم كل خططها فى منطقة الشرق الأوسط وفى المقابل رفض كل دعاوى شعبه التى تطالبه بالحرية والعدالة الاجتماعية حتى ثار الشعب عليه وطالبه بالتنحى عن منصبه ومحاكمته على التجاوزات التى حدثت فى عصره ويتكرر السيناريو السابق وتطالبه أمريكا وحلفاؤها من الدول الغربية بالتنحى، ويتكرر الحال مع الرئيس السابق لتونس بن على والرئيس اليمنى على عبد الله صالح. أما الرئيس البنمى الأسبق فالسيناريو مختلف فقد أطاح الجيش الأمريكى بالعميل السابق لجهاز الاستخبارات الأمريكية (سى آى إيه) مانويل نورييجا حليف أمريكا الذى أصبح عدوها اللدود وتم ترحيله ومحاكمته فى ولاية ميامى الأمريكية على ارتكابه جرم الاتجار بالمخدرات داخل الأراضى الأمريكية وهذا ذنب يستحق عقاب رادع وصدر ضده حكماً بالسجن لمدة تزيد على 40 عاماً ثم خفضت إلى 17 عاماً ليتم ترحيله لفرنسا ومحاكمته على تهم غسل الأموال وعقوبتها السجن لمدة 6 سنوات أمضى منها سنتين فى أحد السجون الفرنسية وتم ترحيله مؤخراً إلى بنما لمحاكمته على جرائمه تجاه معارضيه وعلاقة نورييجا بالولاياتالمتحدة بدأت بعد أن أصبح رئيساً لجهاز المخابرات ولهذا الأمر قصة فقد حدث انقلاب عسكرى قام به عدد من الضباط تابعين للرئيس السابق أرنولفو آرياس واستغلوا سفر الرئيس البنمى عمر توريجوس للخارج و أصدروا أوامرهم بإغلاق الأنوار فى المطار فلم تتمكن طائرة الرئيس توريجوس من الهبوط فتصدى نورييجا لهذا الإنقلاب وأصدر أوامره للقوات التابعة له بالسيطرة على محطات الراديو والهاتف وأطلق أضواء السيارات لإنارة المدرج لمساعدة طائرة الرئيس على الهبوط بسلام الأمر الذى جعل نورييجا أهلاً للثقة وسطع نجمه ليتولى منصب رئيس لجهاز المخابرات ويصبح بذلك الرجل المنشود للإدارة الأمريكية فسعت لتجنيده للعمل لصالحها ومهدت الطريق أمامه ليتولى رئاسة بنما بعد وفاة نوريجوس فى حادث تحطم طائرة مريب وعن واقعة اغتيال نوريجوس يعترف جون بيركنزفى كتاب بعنوان «اعترافات سفاح اقتصادى» يتناول الكتاب مشوار حياة الكاتب كعميل تابع لوكالة الأمن القومى الأمريكى وقد عمل تحت ستار شركة استشارية دولية باسم «تشارلس . تى . مين» ويعترف بالتفصيل بقيام شركته بتقديم المنح والقروض للدول الفقيرة حتى تعجز عن السداد فتستولى الشركة على ثروات وموارد هذه البلاد خدمة لسداد الديون وفى هذا الصدد يعترف بيركنز بفشل الادارة الأمريكية فى الضغط على الرئيس البنمى نوريجوس الذى رفض رهن بلاده لأمريكا فصدر القرار بتصفيته ودبروا له حادث تحطم لطائرته عام 1981 وبعدها تصبح الأرض ممهده ليتولى حليفهم نورييجا منصب الرئاسة وقد حكم نورييجا شعبه بالحديد والنار وكما هى العادة تجاهلت أمريكا هذه المماراسات القمعية التى مارسها نورييجا على شعبه حتى وقع فى المحظور وثبتت إدانته بالإتجار فى المخدرات عبر الأراضى الأمريكية فأصدر الرئيس ريجان قراراً بمهاجمته فى بلده وتم القبض عليه وترحيله للأراضى الأمريكية حيث تم سجنه وقد رفض إلتماس قدمه محاميه لتخفيف الأحكام الصادره ضده نظراً لتقدمه فى العمر وإصابته بالسرطان وهنا تقول شقيقة المعارض هوجو سبادافورا الذى اختطف وقطعت رأسه «إنه حان الوقت ليحاكم نورييجا على جرائمه ضد الإنسانية».. وهكذا تأتى دائماً خاتمة الطغاة لعل البعض يتعظ.