بصرف النظر عن مدى حكمة الموقف الذى اتخذه رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون برفضه المصادقة على اقتراح بتعديل اتفاقية الاتحاد الأوروبى، الأمر الذى أثار عاصفة من الجدل داخل بريطانيا، وأثار تكهنات بإمكانية خروجها من عضوية الاتحاد، فإن الشئ المؤكد هو أن ذلك الخلاف الذى شهدته القمة الأوروبية فى بروكسل يعكس الانقسامات التى أحدثتها أزمة ديون منطقة اليورو بين دول الاتحاد مما يهدد بتفككه. وكان كاميرون قد صوت خلال قمة بروكسل ضد مقترحات بإجراء تعديلات على معاهدة الاتحاد الأوروبى، مبررا ذلك برغبته فى حماية قطاع الخدمات المالية فى بلاده حيث إن شكل الاتفاق الجديد - الذى وقعته دول منطقة اليورو ال 17 و6 دول من الاتحاد الأوروبى وعارضته بريطانيا وثلاث دول أخرى هى السويد والمجر وجمهورية التشيك حيث قالت إنها تحتاج للتشاور مع برلماناتها - يسمح برقابة أكبر على نفقات الدول الأعضاء فى الاتحاد بهدف منع تكرار أزمة ديون منطقة اليورو الحالية. وأدى موقف كاميرون إلى اتفاق الأعضاء ال 26 الآخرين فى الاتحاد على العمل على صياغة معاهدة جديدة من دون بريطانيا بحيث يتم عرض صيغتها النهائية بحلول شهر مارس المقبل. وفى حين قوبل قرار كاميرون بالترحيب من قبل العديد من أعضاء الحزب المحافظ وبالرغم من أن استطلاع للرأى أجرته صحيفة «ميل أون صنداى» أظهر أن 62% من البريطانيين يوافقون كاميرون رأيه، فإن كاميرون واجه انتقادات داخل حكومته الائتلافية حيث عبر نائبه نيك كليج، رئيس حزب الليبراليين الديمقراطيين الذى يشارك المحافظين فى الحكومة الائتلافية البريطانية منذ العام الماضى، عن استيائه من قرار كاميرون حيث يرى أنه يضر ببريطانيا. كما وجهت المعارضة انتقادات واسعة لرئيس الوزراء حيث اعتبر رئيس حزب العمال المعارض إيد ميليباند أن عدم مشاركة بريطانيا فى محادثات صياغة التعديلات الجديدة التى تقف وراءها ألمانياوفرنسا بقوة يضر ببريطانيا ويفقدها مكانتها على طاولة المفاوضات، مضيفا أن «رئيس الوزراء سيفاجأ خلال قراءته للصحف بخطط تؤثر على الاقتصاد البريطانى». وفى جلسة برلمانية، أكد كاميرون أن بريطانيا ستبقى عضوا كاملا فى الاتحاد الأوروبى وأن العضوية أمر مهم للمصالح البريطانية، ولكنه لفت إلى أن بريطانيا اختارت أن تبقى على حرية قرارها، بما فى ذلك عدم الانضمام إلى اتفاقية شنجن، مجددا أيضا رفضه الانضمام إلى منطقة اليورو. كما سارعت حكومة كاميرون إلى نفى وجود ثغرات كبيرة فى العلاقات مع فرنسا أو ألمانيا بسبب الفيتو البريطانى. ومع ذلك وبالرغم من أن الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، فى رده على سؤال من صحيفة «لوموند» حول شرعية بقاء بريطانيا فى المنظومة الأوروبية الموحدة، قال إن «خروجها سيكون خسارة كبيرة، لكن لحسن الحظ، هذا الأمر ليس واردا»، إلا أنه قال أيضا إنه أصبح واضحا الآن أن أوروبا أصبحت مقسمة إلى جزءين، موضحا أن هناك جانبا من أوروبا يسعى نحو مزيد من التضامن بين أعضائها وجانب آخر يرتبط فقط بفكرة السوق الموحدة. وكان ساركوزى قد حذر قبل انطلاق القمة من أن أوروبا تواجه الآن خطر التفكك على نحو غير مسبوق بسبب أزمة اليورو. وفى هذا السياق، أشار تقرير تحليلى بصحيفة «نيويورك تايمز» أعده الكاتب الصحفى ستيفن كاسل إلى أن أزمة ديون منطقة اليورو قسمت أوروبا إلى ثلاث مجموعات. المجموعة الأولى تضم الدول الشمالية التى مازالت تحتفظ بمستوى التصنيف الائتمانى AAA وهى ألمانياوفرنسا (حتى الآن على الأقل) والنمسا وفنلندا وهولندا. أما المجموعة الثانية فتضم ايطاليا واسبانيا اللتين تواجهان صعوبات مع الأسواق المالية، إلا أن حجم اقتصادهما يضمن لهما الحصول على مساعدة من صندوق إنقاذ منطقة اليورو، لأن عجزهما عن سداد الديون سيعنى القضاء على مستقبل مشروع العملة الأوروبية الموحدة. وفى المجموعة الثالثة تأتى الدول الضعيفة اقتصاديا التى حصلت على حزمات إنقاذ ومهددة بالخروج من منطقة اليورو على المدى الطويل وهى اليونان والبرتغال وأيرلندا. ويرى كاسل أن الدول ذات التصنيف الائتمانى AAA - وبالأخص ألمانيا - هى التى تدير المشهد الأوروبى الآن. يأتى هذا فى الوقت الذى تنقسم فيه الدول العشر الواقعة خارج منطقة اليورو إلى جانبين. الجانب الأول بقيادة بولندا يبدو مصمما على عدم إقصائه من عملية صناعة القرار وهو يضم الدول التى تعتزم الانضمام إلى منطقة اليورو فى المستقبل. وعلى العكس من ذلك يقف الجانب الآخر والذى يضم الدنمارك وبريطانيا حيث تبدى بريطانيا ارتيابها فى أوروبا بل ويضغط أعضاء حزبها المحافظ من أجل إجراء استفتاء على عضوية البلاد فى الاتحاد.