حاولت أن أتحلى بالدبلوماسية والكياسة وأنا أكتب هذا المقال.. ففشلت فشلاً ذريعاً؛ لأننى وجدت أنه من الكياسة أن أتخلى عن الكياسة وأنا أكتب هذه الكلمات التى هى محاولة متواضعة منى لوقفة صدق مع.. شقيق..! فقد صدمنى أن أكتشف أن بعض الدول العربية “الشقيقة” للأسف متواطئة فى مؤامرة صمت، لتجويع وتركيع الشعب المصرى، والذى كان عوناً وسنداً لهم فى كل المواقف.. ودفع دماءه وأرواح أبنائه فداء لهذا الشقيق أو ذاك، وهى مواقف لم نطلب أبداً مقابلاً لها؛ فقد كنا نقوم بالواجب تجاه الشقيق دون أن نطلب فواتير سداداً لهذا الواجب، لأنها مواقف نابعة من ثوابتنا الوطنية والقومية والتاريخية.. والدينية.. فقد اندفعنا فى مؤازرة أشقائنا فى كل المواقف دون أن نحسبها "بالورقة والقلم" كما يقولون، لكننى اكتشفت أن بعض أشقائنا العرب أحجموا بحسابات الورقة والقلم عن نصرة الشعب المصرى والوقوف بجانبه فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخه التى يمر بها حالياً.. فقد ملأ بعض الأشقاء، للأسف، الدنيا ضجيجاً بوعود عن عشرات المليارات من الدولارات وعن نهر المساعدات الذى سيتدفق على مصر وشعب مصر مؤازرة له، وإنجاحاً لثورته المباركة ضد النظام البائد والتى قامت بها مجموعة من شرفاء هذه الأمة احتجاجاً على فساد وظلم وإهدار لقيم تربى عليها أبناء هذا الوطن، وجاء الأشقاء وذهبنا للأشقاء.. واكتشفنا أن وعودهم تبخرت فى الهواء ومليارات الدولارات تحولت إلى مليارات القبل والأحضان.. وجف فجأة نهر المساعدات التى وعد بها "الأشقاء" العرب "أشقاءهم" المصريين. إننا لا نستجدى أحداً، ولن نتسول من أحد، وقد يغضب هذا الكلام كبار المسئولين العرب، بل والمصريين أيضاً، لكننى أقول قولى هذا ورزقى على الله، لأنه لا بارك الله فىَّ إن لم أقلها، ولا بارك الله فيهم إن لم يسمعوها.. إن ما سمعته عن مواقف بعض الدول العربية "الشقيقة" للأسف تجاه مساعدة مصر يندى له الجبين..! فإحدى الدول التى قيل إنها تدعم الفوضى فى مصر بالمال والتهييج الإعلامى، اشترطت أن تمنح مصر أموالاً على شكل قرض بسعر فائدة 4.5% وهو أعلى من أسعار الفائدة السائدة عالمياً، مع ضرورة تقديم ضمانات لسداد القرض وفوائده فى المواعيد المحددة.. دولة أخرى قلصت بقدرة قادر المبلغ الذى وعدت به مصر على لسان كبار مسئوليها إلى أقل من الثُّمن، دولة ثالثة ورابعة اشترطت ضمانات من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى بسلامة الوضع الاقتصادى المصرى، قبل أن تضخ أى أموال أو قروض فى شرايين الاقتصاد.. وهو شرط تعجيزى؛ لأنه من المعروف أن الاقتصاد المصرى تأثر سلباً خلال الفترة السابقة، وتراجع احتياطى النقد الأجنبى لأدنى المستويات التى لم يصل إليها منذ سنوات، وتراجع تقييم مصر الائتمانى، وهو ما ينعكس سلباً على تدفق الاستثمارات الأجنبية، كما يؤثر سلباً على أية قروض قد تطلبها مصر من مؤسسات التمويل الدولية.. يضاف إلى كل هذا وذاك الشروط القاسية لصندوق النقد الدولى، والتى تصل إلى حد التعجيز.. وهو ما يعنى فى النهاية حصار اقتصادى شامل لمصر بهدف تجويعها وتركيعها.. وبالتأكيد هناك حلول ذاتية كثيرة للخروج من الوضع الاقتصادى المتردى الراهن أعتقد أنها ستكون على رأس أولويات حكومة الدكتور كمال الجنزورى التى يجب أن نلتف حولها جميعاً، وأن نتوافق على الثقة فيها حتى نعبر عنق الزجاجة كما أكدت فى مقال سابق. والحلول فى تقديرى يمكن أن تأتى من رجال الأعمال المصريين الشرفاء الذين أثبتوا أنهم عماد الاقتصاد فى كل المواقف، وقد آن الأوان لكى يردوا جزءاً من جميل هذا البلد عليهم.. بأن يمضوا قدماً فى مشروعاتهم بل والتوسع فيها وأن يعقدوا اجتماعات مع الحكومة للتنسيق ومعرفة المطلوب منهم للخروج من هذا المأزق.. كما أن الحل فى تقديرى يكمن أيضاً فى تكاتف كل القوى السياسية الوطنية والثورية لوقف المليونيات التى لا تقدم لكنها تؤخر.. فالثورة لم تكتمل والنجاح لن يتأتى إلا إذا رأى الشعب بأم عينيه ثمار هذه الثورة فى صورة إنتاج وعدل وحياة كريمة.. كما أن كل مواطن فى هذا البلد الأمين عليه واجب وهو أن يعيد الثقة لجهاز الشرطة.. حتى يعود الأمن والأمان لهذا البلد؛ لأن الاستقرار والأمن هما أساس أية تنمية حقيقية.. نعم هناك العديد من الحلول الذاتية التى قد تأخذ بعض الوقت، لكن الشعب المصرى العظيم قادر على تنفيذها بكل عزيمة وإصرار، خاصة وهو يرى تخاذل الأشقاء وتآمر الأعداء على أمن وأمان هذا الوطن.. ما يهمنى التأكيد عليه مرة أخرى أننا لم نكن نتوقع مثل هذا الموقف المتخاذل من الدول العربية "الشقيقة"، ولم نكن نتوقع أن يأتى اليوم الذى يساهم فيه الأشقاء فى مؤامرة لتجويع وتركيع الشعب المصرى.. لقد ترددت كثيراً قبل أن أكتب هذا الكلام بكل هذه الشفافية والوضوح بعيداً عن الدبلوماسية وتزويق الكلمات التى تحتمل أكثر من معنى، لكننى وجدت أن هذا هو أقصر طريق إلى قلب وعقل الشقيق، الذى نؤكد له أن الشعب المصرى لم ولن يركع يوماً إلا لبارئه وخالقه عز وجل.. حفظ الله مصر وشعب مصر من كل سوء ومن غدر الأشقاء.. قبل الأعداء..!!