معذرة أننى لم أستطع المشاركة فى جنازة أستاذى.. وصديقى العملاق فى الأدب.. والفكر.. والفلسفة.. والصحافة.. أنيس منصور.. وذلك بسبب ملازمتى الفراش طوال سبعة شهور وحتى الآن..!! إن كثيرًا مما يعرفون أنيس منصور يعرفون عنه «الصفات التى ذكرتها.. ولكنهم لا يعرفون عنه أنه كان «يعشق النكته».. وكذلك كان يعشق «المقالب» من أجل الضحك.. والفرفشه.. «وتغيير جو» الجلسة.. لا من أجل «الوقيعة».. والعكننة..!! لقد عرفت أنيس منصور عندما كنت أعمل «محررًا» بجريدة الأخبار.. وكان هو يكتب الصحفة الأخيرة فى «أخبار اليوم».. ومع الأيام نشأت صداقة بيننا.. وإزدادت وتوطدت عندما عرف أننى من «مدينة السنبلاوين» محافظة الدقهلية «يعنى بلدياته».. كان يحب والدته جدًا.. وكان كلما سافر إلى الخارج» يخصّنى أنا.. بالاتصال بها ورعاية مصالحها وكانت يرحمها الله».. تسكن فى شارع ضريح سعد «المتفرع من شارع قصر العينى» بالقاهرة.. إن حياة أنيس منصور تحتاج إلى «مجلد ضخم» اذكر فيه كل شىء عن حياته ونوادره، ومقالبه ومشواره الطويل.. ولكن بسبب مرضى وعدم استطاعتى الجلوس كثيرًا.. فإننى اذكر الآن بعض الذكريات التى ترد على خاطرى حاليًا.. بعد حرب 1967 وهزيمة مصر من إسرائيل فى عهد جمال عبد الناصر.. قلت للأستاذ أنيس منصور: إننى سوف أهرب إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية.. سألنى: كيف ستهرب..؟ قلت: سوف يساعدنى فى ذلك المهندس أحمد عبده الشرباصى وزير الأشغال.. الذى كنت أعمل سكرتيره الصحفى فى الصباح.. ومحررًا بالأخبار فى فترة ما بعد الظهر.. قال: لا تذكر ذلك لأى إنسان.. قلت: طبعًا.. قال: لست وحدك الذى سوف يغادر مصر ولكن هناك أكثر من 2 مليون مصرى «هربوا» إلى أمريكا ودول أوروبا -كما ذكر ذلك الدكتور عمرو سلامه وزير التعليم العالى..!! المهم.. أننى سافرت إلى أمريكا «هاربًا» وليس مهاجرًا.. ومكثت هناك حوالى أكثر من ثمانى سنوات.. حضرت إلى «القاهرة» لأول مرة فى زيارة بعد أن توفى جمال عبد الناصر.. وذهبت لزيارة صديقى الأستاذ أنيس منصور فى مكتبة بدار «أخبار اليوم». استقبلنى بحفاوة بالغة، ورحب بى ثم أخذ يسألنى عدة أسئلة وبعد ذلك سألنى.. هل يا ترى سوف تعود إلى «نيويورك» ثانية.. أم سوف تبقى فى مصر.. قلت: سوف أعود ثانية.. قال: لا.. أريدك أن تبقى هنا فى مصر ولا تعود إلى أمريكا..!! وسألته: لماذا..؟ قال: إن «الرئيس السادات» قد طلب منى أن أصدر «مجلة أسبوعية». وأريدك أن تقف بجانبى حتى «تختار لى المحررين» الذين سوف يعملون معى فى «المجلة».. وسألته: ما اسم هذه المجلة..؟ قال: لقد اقترحت أن يكون اسمها 6أكتوبر 10 رمضان». قلت له: ولكننى لابد أن أعود إلى «نيويورك» لتصفية أعمالى هناك.. قال: مفيش مانع.. تبقى تسافر بعد كده.. أول مقلب..!! فى منزل أسرة صديقه بمنطقة الزمالك.. وكان يوجد من بين المدعووين «سيدة» زوجة دبلوماسى كبير فى «دولة كوبا».. وذكرت أنها قبل حضورها إلى القاهرة.. وأثناء وجودها فى مدينة «هافانا» تلقت مكالمة تليفونية من امرأة مجهولة قالت لها: إن زوجها يجلس مع امرأة كوبية فى كازينو بالمنطقة الفلانية.. وتقول السيدة: إنها أسرعت إلى هذا الكازينو وشاهدت زوجها برفقة سيدة أخرى وهو يقبّلها.. وتقول: إنها توجهت إليه وبصقت فى وجهه.. ثم انصرفت مسرعة إلى منزل سفير مصر فى هافانا.. وابلغته بالأمر.. فطلب منها «السفير» أن تهدأ حتى الصباح.. ولكنها لم تعد إلى شقتها.. وذهبت إلى لوكانده.. وفى الصباح عادت إلى القاهرة..!! سألنى أنيس منصور: عدة أسأله حول هذا الموضوع فأجبته: بأننى لا أعرف شيئًا عن ذلك..!! صدرت «مجلة أكتوبر» يوم السبت.. وفوجئت بخبر كبير يحتل صحفة كاملة حول هذا الموضوع، وفيه تفصيلات كثيرة..!! دخلت إليه: وقلت له: ايه دا يا أستاذ أنيس الناس اللى كنت أنا معزوم عندهم سوف يغضبون منى بل سوف يقاطعونى وحرم «القنصل» سوف تغضب هى الأخرى..!! استغرق فى الضحك وقال: انت قلت لى حاجة من كل ما نشر..؟ قلت له: لا.. قال: وهو مستغرق فى الضحك.. إن كل هذه المعلومات التى نشرتها حصلت عليها من وزير الخارجية المصرية..!! مقلب آخر.. كان أنيس منصور قبل صدور المجلة، قد طلب منى أن اكتب «مقالًا» أسبوعيًا.. عبارة عن «عمود».. واختار لى هو عنوان العمود وكان اسمه «قل لى يا...؟ وقال لى: إن هذا العمود.. لابد أن يكون «نقدًا» لاذعًا.. وحدث أن كتبت مقالًا ذات مرة قلت فيه بالنص: «لقد سمعت أن اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكى برئاسة الدكتور فؤاد محيى الدين رئيس الوزراء قد اجتمعت لمناقشة بعض القضايا المهمة.. ولكنها للأسف الشديد جدًا .. لم تناقش شيئًا يهم المواطنين».. هذا ما كتبته فى مقالى.. وصدرت «مجلة أكتوبر» وأقرأ الخبر فإذا بالأستاذ أنيس منصور قد أضاف إلى الخبر بعض الكلمات.. وأصبحت نهاية المقال تقول: بعد كلمة الصحافة على جزمتى.. يبدو «والله أعلم» أن الذى قال هذه العبارة بدون حذاء «يعنى حافى».. ولذلك: فأنا ادعو القراء للتبرع لشراء جزمه للسيد العضو..!! دخلت للأستاذ أنيس منصور لأ عرف منه كيف أضاف هذه الكلمات.. فوجئت به مستغرقًا فى الضحك..!! قلت له: ايه دا يا أستاذ أنيس.. اللى كتبته..؟!! قال: ولا يهمك.. قلت له: بس الكلام على لسانى..؟!! دق جرس التليفون.. ورفع السماعة وسمعته يقول: ايه يعنى لما كتب كلمتين.. عايزنى أفصله.. طبعًا لا.. وبعد أن انتهى من المكالمة.. نظر إلىّ وظل يضحك كثيرًا. ثم قال: عايزين يفصلوك..؟ قلت له: مين دول..؟ قال: الهيئة العليا للحزب الاشتراكى..!! قلت: وبعدين..؟ قال: ماتخفش.. وراك راجل..!!