سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 24-9-2024 مع بداية التعاملات    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية»    تغطية إخبارية لليوم السابع بشأن قصف حزب الله مطارين وقاعدة عسكرية فى إسرائيل    7 شهداء وأكثر من 15 مصابًا في قصف إسرائيلي لمنزلين بخان يونس    السيطرة على حريق بمركز علاج الأورام بسوهاج    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 24-9-2024    مصرع شخص في حريق منزله بمنطقة الموسكي    30 قيراط ألماظ.. أحمد سعد يكشف قيمة مسروقات «فرح ابن بسمة وهبة» (فيديو)    مدين ل عمرو مصطفى: «مكالمتك ليا تثبت إنك كبير»    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    مريم الجندي: «كنت عايزة أثبت نفسي بعيدًا عن شقيقي واشتغل معاه لما تيجي فرصة»    «الباجوري» بعد تصوير «البحث عن علا 2» في فرنسا: لم أخشَ المقارنة مع «Emily in Paris»    شيكابالا يوجه رسالة لجماهير الزمالك قبل لقاء السوبر الإفريقي    وكيل ميكالي يكشف حقيقة مفاوضات الزمالك مع المدرب البرازيلي    جامعة العريش تُعلن عن وظائف جديدة.. تعرف عليها    قنصل السعودية بالإسكندرية: تعاون وثيق مع مصر في 3 مجالات- صور    رسالة من المشتبه به في اغتيال ترامب: حاولت قتله لكنني خذلت العالم    الرئيس الإيراني يكشف أسباب تأخر الرد الفوري على اغتيال هنية    برج الجدي.. حظك اليوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024: تلتقي بشخص مثير للاهتمام    مؤسسة محمد حسنين هيكل تحتفل بميلاد «الأستاذ».. وتكرّم 18 صحفيا    موتسيبي: زيادة مكافآت الأندية من المسابقات الإفريقية تغلق باب الفساد    "لم أقلل منه".. أحمد بلال يوضح حقيقة الإساءة للزمالك قبل مواجهة الأهلي في السوبر الأفريقي    شركة مياه الشرب بقنا ترد على الشائعات: «جميع العينات سليمة»    موعد صرف الدعم السكني لشهر سبتمبر    الجزائر تدعو إلى إطلاق مسار جدي لإعادة التوازن المفقود في منظومة العلاقات الدولية    السيطرة على حريق باستراحة تمريض بسوهاج دون إصابات    بلاغ جديد ضد كروان مشاكل لقيامه ببث الرعب في نفوس المواطنين    جيش الاحتلال الإسرائيلي: صفارات الإنذار تدوى جنوب وشرق حيفا    جسر جوي وبري لنقل المساعدات والوقود من العراق إلى لبنان    «سجل الآن» فتح باب التقديم على وظائف بنك مصر 2024 (تفاصيل)    الأمين العام الجديد لمجمع البحوث الإسلامية يوجه رسالة للإمام الطيب    أسامة عرابي: مباريات القمة مليئة بالضغوط ونسبة فوز الأهلي 70%    مروان حمدي يكشف كيف ساعده الراحل إيهاب جلال في دراسته    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    دولة آسيوية عظمى تؤكد أول إصابة بمرض «جدري القرود»    الصحة اللبنانية: ارتفاع شهداء الغارات الإسرائيلية إلى 492 والمصابين إلى 1645    أحمد سعد: اتسرق مني 30 قيراط ألماظ في إيطاليا (فيديو)    إصابة 5 أشخاص في تصادم سيارتين بطريق أبو غالب في الجيزة    هل منع فتوح من السفر مع الزمالك إلى السعودية؟ (الأولمبية تجيب)    فرنسا تدعو لاجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي حول لبنان    تأثير القراءة على تنمية الفرد والمجتمع    مسؤول بمجلس الاحتياط الأمريكي يتوقع تخفيض الفائدة الأمريكية عدة مرات في العام المقبل    مصر للطيران تعلن تعليق رحلاتها إلى لبنان    وزير الأوقاف يستقبل شيخ الطريقة الرضوانية بحضور مصطفى بكري (تفاصيل)    الفوائد الصحية لممارسة الرياضة بانتظام    الآن رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والشهادات الفنية (استعلم مجانا)    محارب الصهاينة والإنجليز .. شيخ المجاهدين محمد مهدي عاكف في ذكرى رحيله    حتحوت يكشف رسائل محمود الخطيب للاعبي الأهلي قبل السوبر الإفريقي    ارتفاع حصيلة مصابي حادث أسانسير فيصل ل5 سودانيين    أحمد موسى يناشد النائب العام بالتحقيق مع مروجي شائعات مياه أسوان    طريقة عمل الأرز باللبن، لتحلية مسائية غير مكلفة    عمرو أديب: حتى وقت قريب لم يكن هناك صرف صحي في القرى المصرية    الاقتصاد ينتصر| تركيا تتودد لأفريقيا عبر مصر.. والاستثمار والتجارة كلمة السر    جامعة عين شمس تستهل العام الدراسي الجديد بمهرجان لاستقبال الطلاب الجدد والقدامى    في إطار مبادرة (خُلُقٌ عَظِيمٌ).. إقبال كثيف على واعظات الأوقاف بمسجد السيدة زينب (رضي الله عنها) بالقاهرة    خالد الجندي: بعض الناس يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبى    أستاذ فقه يوضح الحكم الشرعي لقراءة القرآن على أنغام الموسيقى    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد السيد يكتب: أنيس منصور فيلسوف الأدب وأديب الفلسفة

على الرغم من أننى شاهدت وتحدثت مع العديد من أقطاب الفكر الذين يشار إليهم بالبنان فى مصر والعالم الغربى من أمثال يحيى حقى وأدونيس وفيلسوف اللغة والسياسى المعارض المعروف تشومسكى وفيلسوف العلم الأشهر فى العالم توماس كون الذى ترجمت أعماله لأكثر من ثلاثين لغة، وكواين أهم علماء المنطق فى القرن العشرين، إلا أننى حين شاهدت وجلست للمرة الأولى للراحل العظيم أنيس منصور وجدتنى أنجذب إليه بصورة لم تحدث مع غيره من قبل. ربما كان السبب يعود إلى أننى أجلس إلى مفكر صاغ الكثير من أفكارى حين قرأت أعماله فى سن مبكرة شأن العديد من أبناء جيلى والعديد من الأجيال السابقة واللاحقة.
حقاً حين بدأت أتخصص فى الفلسفة كنت أعترض على بعض ما يكتب الأستاذ أنيس خاصة فيما يتصل بالأشباح والأطباق الطائرة وغير ذلك من موضوعات كنت ومازلت أعتقد أن المناخ الفكرى السائد فى بلدنا لا يحتمل ترف الغوص فيها وأننا نحتاج إلى مقالات عن العقلانية والتفكير العلمى أكثر مما نحتاج عن الغيبيات من هذا اللون، لكن هأنا على أية حال أجلس وأستمع إلى أهم مفكر يكتب فى الصحافة العربية وصاحب أهم وأطول أعمدة الصحافة العربية عمرا وأكثرهم انتشارا، حتى إن الكثير من القراء كانوا يبدأون قراءة صحيفة الأهرام من الصفحة الأخيرة التى يقع فيها مقال الأستاذ أنيس، بل إن بعضهم يشترى الجريدة من أجل قراءة مقال الأستاذ. ولقد أسعدنى الحظ بأن أقترب من المفكر الراحل لمدة ثلاثة أعوام متتالية بصورة تجعلنى أستطيع أن أتحدث عن بعض جوانب شخصيته التى قد لا يعرفها الكثيرون. من الأمور التى جعلتنى أزداد اقترابا من المفكر الكبير أنه حين جاء ليترأس لجنة الفلسفة التى أشرف بعضويتها فى المجلس الأعلى للثقافة (وهى لجنة سبق أن ترأسها العديد من أعلام الفكر والثقافة كان آخرهما الراحل محمود أمين العالم والمفكر المعروف صلاح قنصوة أمد الله فى عمره) أقول حين أطل علينا للوهلة الأولى حدث بيننا تقارب كبير واختصنى الراحل الكبير بالكثير من الاهتمام لأسباب عديدة من بينها أنه لاحظ أننى على دراية وإحاطة بالكثير من الحركة الفكرية الفلسفية المعاصرة فى الغرب جنبا إلى جنب مع معرفتى بكتابات رواد الفكر المصرى والعربى وقراءتى لمعظم ما كتب هو شخصيا، فضلا عن أمور أخرى عديدة، حتى إنه ضمنى إلى هيئة تحرير أكثر من مجلة وإلى لجنة الحكم على جوائز الدولة العام الماضى. وسوف أحدثكم فى هذا المقال عن بعض جوانب شخصية الأستاذ أنيس كما عرفتها عن قرب خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وإن كانت هناك العديد من الأمور التى تحدث فيها أمامى وأمام بعض الزملاء لا أستطيع الحديث عنها لأسباب كثيرة. عندما تعرفت على الراحل الكبير كان على مشارف الخامسة والثمانين من العمر إلا أنه كان يبدو أصغر من ذلك بعشرين عاما على الأقل، وكم اندهشت لذاكرته الحديدية ورؤيته الثاقبة وإحاطته بكل ما يدور حوله من أحاديث. والأستاذ أنيس كان يفتتن ويسعد لسماع أى رأى جديد أو فكرة غير مسبوقة، أما قدرته ورغبته فى القراءة فلا يباريه فيها أحد. فقد تسابق أعضاء المجلس فى إهدائه أعمالهم ومؤلفاتهم المختلفة وكم اندهشت حين جاء الاجتماع الثانى بعد شهر ليناقش ويحاور من قدموا له مؤلفاتهم فى أدق تفاصيل تلك المؤلفات التى تنوعت لتشمل التاريخ والفلسفة والسياسة والدين والتصوف والأخلاق والأدب والفن.
أما عن قدرة الأستاذ أنيس على تبسيط أعقد القضايا الفلسفية وإعادة صياغتها فى لغة سهلة ميسورة للقارئ العادى فما زالت تثير لدىّ الدهشة الممزوجة بالإعجاب، فالقدرة على توصيل الأفكار وصياغتها بهذه الطريقة الفريدة أمر اقتصر على حفنة قليلة من العلماء والمفكرين فى الشرق والغرب، وكان أبرزهم أنيس. ولنا أن نقدر هذا الدور حين نعلم اللغة المعقدة والمصطلحات المربكة التى يكتب بها الفلاسفة والتى كثيرا ما يستعصى فهمها حتى على المتخصصين.
كثيرا ما كان يفخر الأستاذ أنيس بأنه صاحب أطول أعمدة الصحافة العربية عمرا، إنه صاحب أكبر عدد من الطبعات لأى كتاب أصدره، وكنت أمزح معه وأقول لكن البعض يا أستاذ أنيس يقول إنك كسبت الملايين من بيع كتبك ويكفى أن أحد كتبك تمت طباعته حوالى خمسين طبعة مختلفة فكان يضحك ويؤكد أن الكثير من هذه الطبعات تمت دون علمه، وأن الكتّاب المصريين هم أفقر كتاب الدنيا وأن كل ما حصل عليه نجيب محفوظ من بيع مؤلفاته لا يعادل ما يحصل عليه مؤلف مغمور فى الغرب من بيع كتاب واحد، وذكر لى أنه اضطر ذات مرة فى لندن لشراء كتاب 200 يوم حول العالم ودفع فيه 50 جنيها استرلينيا (حوالى 500 جنيه مصرى) وهو يباع فى مصر بأقل من 40 جنيها مصريا، وقال أنه لا يعلم أين تذهب أو من يحصل على تلك الأموال.
وقد ظل الراحل الكبير حتى آخر حياته يمتلك طموح وحيوية شاب فى العشرين، فقد كان يتحدث معنا عن مشاريع فكرية كبرى يريد المشاركة فيها، من بينها أنه ظل يلح علينا فى أنه يريد إعادة إصدار مجلة الكاتب المصرى التى كان يصدرها طه حسين فى أواخر أربعينيات القرن العشرين، بل اتفق معنا على كتابة موضوعات محددة للعدد الأول من تلك المجلة يتعلق بمن ولدوا فى عام 9881 لأن هذا العام شهد مولد العديد من العباقرة فى مختلف مجالات الفن والأدب والفلسفة والسياسة فى الشرق والغرب، وكان الأستاذ أنيس مولعا بكل ما هو غامض مثير وكثيرا ما كان يحاول جاهدا فك ذلك الغموض، لكننى أخذت أفند له أن مولد العديد من المفكرين العباقرة فى عام واحد لا يعنى شيئا وأنه محض مصادفة فكان لا يقتنع، بل يضيق بعض الشىء من مثل هذا الرأى.
أما عن علاقة الأستاذ أنيس بأعلام الفكر والفن والثقافة فكان له نصيب كبير من أحاديث «الأستاذ». كثيرا ما كان يتحدث الأستاذ أنيس عن علاقته المتأرجحة بين عملاقى الفكر العربى طه حسين وعباس العقاد، فكان يحترم أفكار العقاد لكنه لا يحب اعتداده المبالغ فيه بنفسه وطريقته المتعالية فى التعامل مع الآخرين، وذكر لنا كيف أن الأستاذ العقاد حين سأله البعض عن أنيس قال لهم: من أنيس هذا؟ مما جعل الأستاذ أنيس يثور ويكتب مقالا بعنوان «عباس محمود العضاض»، مما أثار حفيظة وغضب العقاد ولم يستطع حتى الاعتذار له إلا بعد جهد جهيد، لكن الأستاذ أنيس أحب شخصية طه حسين الرقيقة السمحة وكان يقص علينا كيف أن الدكتور طه وهو عميد لكلية الآداب كان يخاطب أنيس وهو طالب فى الفرقة الأولى بالقول «يا سيدى» مقارنة بلقب «يا مولانا» الساخر عند العقاد، لكننى حين قلت للأستاذ أنيس ذات مرة العام الماضى إن أمتع كتبك على الإطلاق هو كتاب «فى صالون العقاد» أومأ موافقا، على الرغم من إيمانى بأن الخيال يختلط بالواقع فى هذا الكتاب وفى الكثير غيره من أعمال الأستاذ أنيس.
من الأمور التى قد لا يعرفها الكثيرون ولع الأستاذ أنيس بمنتجات التكنولوجيا والمخترعات الحديثة، فكثيرا ما كان يشترى أحدث الأجهزة عندما يسافر إلى لندن أو باريس التى كان يعشقها، وقد أخذ يحدثنى ذات مرة عن جهاز حديث كان يحمله معه أنتجته شركة آبل المعروفة وعن إمكانيات الجهاز المختلفة وكيف أن من الممكن تحميل آلاف الكتب على ذلك الجهاز، بل شرائها فى لحظة واحدة عبر الإنترنت، وبمناسبة الإنترنت كان الأستاذ أنيس يحرص كثيرا على التواصل مع القراء عبر الإنترنت وكثيرا ما كان يقرأ تعقيبات القراء وآراءهم.
عميد كلية الآداب بجامعة المنيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.