لا أعرف إن كان هذا قد حدث فى تونس بعد نجاح ثورة الياسمين، لكننى متأكد أنه حدث فى مصر بعد أيام قليلة من إسقاط مبارك رأس النظام وجانب من أركانه وعودة الشباب الثائر من ميدان التحرير إلى لوحة مفاتيح الكمبيوتر والفضاء الإلكترونى ومواقع التواصل والتخاطب واليوتيوب. والذى حدث هو نقاش حاد وجاد، عصبي، وأحيانا هزلى ونقاشات تبحث عن إجابات لأسئلة حائرة لدى البعض عن العملاء والأصابع الخارجية التى حولت الثورة من فعل مصرى خالص إلى فعل شابه الشك جراء تدخل قوى استعمارية دفعت من الخارج لتنفيذ مخططاتها، مستغلة فى ذلك حماسة الشباب العربى وفساد الأنظمة العربية التى تحكمه، وخرجت أيضا أصوات تسأل هل يصح أن نتهم من مدوا أيديهم وعقولهم وصافحوا أعداء العرب ونتهمهم بأنهم عملاء لأنهم استعانوا بهم على إسقاط مبارك ونظامه؟ أم إن نبل الهدف يغفر لهم التحالف ليس مع الأمريكان واليهود فقط ولكن مع الشيطان نفسه؟! (1) بالتوازى كان هناك اندفاع آخر من المصريين الشباب منهم والكبار على حد سواء نحو البحث عن البعد الغيبى فى أمر الربيع العربي، وزاد من هذا الاندفاع تكرار نموذج الثورة التونسى ومن بعده المصرى بتشابه مريب فى أقطار أخرى عربية وهو الأمر الذى استدعى استحضار تفسيرين فى أذهان الكثيرين، الأول منهما دينى غيبى، والثانى يتعلق بنظرية المؤامرة الشيطانية على سلام العالم، وكلاهما الدينى الغيبى والتآمرى مرتبطان ومتدخلان بعضهما فى بعض،والغيبى منهما يحكى معركة آخر الزمان أو نهاية العالم كما يراها البعض، وأهم مشاهده: «ظهور المهدى والمسيح الدجال وعودة المسيح عيسى بن مريم إلى الأرض» ويرتبط بهذا الظهور تحقق جانب كبير من المؤامرة الشيطانية التى يقودها منذ زمن بعيد فى التاريخ شعب عنصرى استعلائى والمقصودين بالطبع اليهود وأعوانهم من أعداء الأديان السماوية (الإسلام والمسيحية تحديدا) ويسعى هؤلاء وأولئك منذ زمن بعيد للسيطرة على العالم حتى ولو هددوا سلامه أو جلسوا على عرش الأرض بعد تحويلها إلى أطلال وخراب. (2) وبينما أكتب هذه السلسلة وأنشرها منذ عدة أسابيع فى «أكتوبر» جاء من يخبرنى بأمر الشيخ عمران حسين ونبوءاته المدهشة عن الثورات العربية، هذه النبوءات التى سبقت وقوع الأحداث بما يقرب من ثمانى سنوات، ولأن الذى أخبرنى شاب ذو توجهات أصولية اعتبرت أن اهتمامه وإعجابه بنبوءات الشيخ عمران هو من قبيل اندفاعه مثل غالبية المصريين والعرب نحو البحث عن إرادة إلهية تفسر ما يحدث وقد وجدوا مبتغاهم فى نبوءات تراثية دينية من العجيب أنها موجودة فى الديانات السماوية الثلاث. أما فى الإسلام فقد بحثت ولم أجد لهذه النبوءات أسانيد قوية لا فى القرآن حيث لم يرد أى ذكر لها تقريبا ولا فى السنة هناك أحاديث قوية تدعمها، وإنما مرويات وردت فى كتب التفاسير وأحاديث ضعيفة عن علامات آخر الزمان وظهور المسيخ والمهدى ودخول الأخير ضد الأول فى صراع مسلح ينضم إليه المسيح عيسى بن مريم الذى يعود إلى الأرض ويأخذ جانب الخير، إلى آخر هذه الأحداث التى تقابلها فى اليهودية والمسيحية تفسيرات رؤيوية لبعض الأسفار فى الكتاب المقدس تنتهى إلى نفس النتيجة تقريبا، وهى وقوع معركة نهائية ينتصر فيها الخير على الشر، والخير فى رواية اليهود يعنى إعلان ممتلكاتهم وظهور مسيحهم الملك الذى ينتظرونه ليقودهم للانتصار على أعدائهم التاريخيين الذين يتركزون تقريبا فى منطقة الشرق الأوسط مثل العراقيين والمصريين والشعوب التى كانت تزاحمهم فى فلسطين التى دخلوها أول مرة بعد خروجهم من مصر الفرعونية فى عهد رمسيس الثانى، بينما تؤمن المسيحية بكنائسها وطوائفها كلها - فيما عدا الكنائس الإنجيلية الصهيونية وطائفة شهود يهوه - أن المسيح عيسى بن مريم سوف يأتى إلى الأرض فى نهاية الزمان ويختطف الأبرار وعددهم 144ألفا ويصعد بهم إلى مملكة السماء بعد اضطرابات عظيمة وشر كبير يضرب الأرض. إذن فالديانات الكتابية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية اتفقت تقريبا على أن هناك معركة كبيرة وأخيرة ينهزم فيها أشرار الأرض، وانتصر كل أتباع ديانة لأنفسهم لأنهم رأوا أنهم يمثلون هم وعقيدتهم الخير والآخرين يمثلون الشر، وفيما سعى اليهود طوال تاريخهم الذى لم يعرف الاستقرار ولكن الطرد والشتات، من فلسطين مرة أومرتين، ومن أوروبا مئات المرات، سعوا بكل السبل والوسائل واستخدموا كل الأسلحة والرذائل للوصول إلى هدفهم النهائى وهو العودة إلى فلسطين واستعمارها وطرد أهلها منها واتخاذها قاعدة للسيطرة على العالم، وبينما كانوا ماضين فى تنفيذ مخططهم على مراحل كان العرب والمسلمون دائما يسددون الفواتير من أرضهم وسلامهم نيابة عن الآخرين الذين يضطهدون اليهود بسبب شرهم من أيام الرومان الذين هدموا الهيكل اليهودى سنة 70ميلادية إلى هتلر الذى قيل إنه سعى إلى إبادتهم فى أفران الغاز. (3) لقد أخذتنا حكاية اليهود عن حكاية الشيخ عمران الذى لم أهتم أو أسعى إلى مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة به على «اليوتيوب» إلا بعد أن قرأت ما كتبه د.هشام مصباح وهو أكاديمى مصرى متخصص فى الإعلام أتاحت له ظروف عمله فى الولاياتالمتحدة أن يتابع أحداث الربيع العربى من الشاطئ الآخر للمحيط الأطلنطي، فكتب عدة مقالات حملت عنوان: «حديث الشك» قال فيها إنه قد استرعى انتباهه بحكم عمله وتواجده فى أمريكا هذه التغطية الإعلامية الكثيفة من وسائل الإعلام الأمريكية (وعلى رأسها محطة سى إن إن) لأحداث الثورة المصرية، وهو ما يتعارض مع سياسيات تلك الوسائل الموجهة بالأساس للداخل الأمريكي، والتى لا تولى اهتماما بأحداث خارجية إلا إذا كانت أمريكا طرفا فيها، فهل معنى كلام د.مصباح أن أمريكا متورطة فى الربيع العربي؟ الدكتور لا يعطينا إجابة شافية لكنه ينقلنا معه إلى الأخذ بمنهج الشك الديكارتى وكأنه يأخذ بيدنا لنصل معه من خلال الشك إلى اليقين. يسأل د. مصباح هل هناك دور أمريكى فى ثورات الربيع العربى؟ هو يشك وقد زاد من شكوكه نبوءات الشيخ عمران حسين الذى يقدمه د. مصباح للقارئ بأنه عمل فى السلك الدبلوماسى قبل أن يتركه ليتفرغ للدعوة ، وعاش فى نيويورك عشر سنوات رئيسا للدراسات الإسلامية فيما يسمى «اللجنة المشتركة للمنظمات الإسلامية»، وأهمية هذا الشخص وسبب تسليط الأضواء عليه هو ما قاله فى إحدى محاضراته العامة عام 2003 وقال بالنص: «سوف تخرج الجماهير إلى الشارع وستكون الأنظمة الأكثر استهدافا فى العالم العربى هى الأنظمة الموالية للولايات المتحدة والهدف هو إسقاط واحد أو أكثر من تلك الأنظمة»، وأضاف: «سوف تستخدم وسائل الإعلام فى العالم بقيادة «سى إن إن» فى عرض سيناريو منذر بتأثير الدومينو (يقصد سقوط الأنظمة العربية مثل قطع الدومينو المرصوصة والتى تدفع بعضها بعضا بعد إسقاط القطعة الأولي)» ويدعم د. مصباح نبوءات الشيخ عن المخطط الأمريكى فى الربيع العربى ببعض أقوال مفكرين أمريكيين علاوة على متابعته هو لوسائل الإعلام الأمريكية فتتعمق شكوكه. ويعود بنا د. مصباح إلى الشيخ وباقى نبوءته وفيها يقول بصعود الإسلاميين بعد تلك الثورات وهو ما سوف يصيب اليهود بخوف شديد يدفعهم بعد التفكير إلى توجيه ضربة استباقية للمسلمين قبل أن يظفروا بهم ، ويستخدموا فى هذه الضربة الخاطفة سلاحا رهيبا يفوق ما تعرفه كل تكنولوجيات العالم بما فيها تكنولوجيا العم سام الأمريكي، وعند هذه النقطة يعلن د. مصباح أنه قد تملكه الفزع من أن تصدق نبوءة الشيخ عمران عن المعركة الرهيبة مثلما صدقت نبوءته عن سقوط الأنظمة العربية ، بل ويذهب د.مصباح إلى أبعد من ذلك فيبحث عن شواهد تؤكد أمكانية تحقق هذه النبوءات فى المستقبل ودليله عودة الجهاديين العرب إلى أوطانهم والظهور المفاجئ للسلفيين (نسى الإخوان)، ويسأل د. مصباح فى غمرة شكوكه: «علام استند الشيخ فى توقعاته؟ هل هى مجرد تخمينات؟ أم إن هناك أساسا من التاريخ والفكر؟». (4) ومن جانبى أستطيع أن أطمئن د. مصباح وأقول له إنه كان لدى توقعات مماثلة وضعتها فى كتاب حمل عنوان «صدام الأصوليات نهاية العالم أو نهاية إسرائيل» صدر قبل ما يزيد على 8سنوات أيضا، وبنيت توقعاتى فى هذا الكتاب على أسانيد موضوعية (تقريبا مثلما فعل د.مصباح) ومنها صعود المد الدينى فى الديانات الكتابية الثلاث التى تؤمن بمعركة آخر الزمان التى تسمى فى الأدبيات المسيحية «هرمجدون» وتنطق بالإنجليزية «إيرمجدون»، وتوقعت أن يكون الصراع على القدس هو السبب المباشر الذى يفجر هذه المعركة. أما الشيخ عمران فنبوءته ما هى إلا خليط من هذه الحكايات مضافا إليها التحليل السياسى وخبرته الدبلوماسية وربما اطلاعه بشكل أو بآخر على خطط مخابراتية وأخبرك بأكثر من هذا يا دكتور هشام، هل تصدق أن تسمية الربيع العربى قرأتها على موقع مؤسسة «كارينجي» فى مقال كتبه الدكتور حمزاوى مدير الأبحاث والباحث الأول فيها لشئون الشرق الأوسط قبل تفجر ثورات هذا الربيع بعدة سنوات، وكارينجى مؤسسة تعمل منذ 100 عام على دعم المخطط الرأسمالى الاستعمارى بينما تتصارع النخب العربية طوال هذا التاريخ حول الوصول إلى تفسير لما يحدث لأوطانهم، وما إذا كان مخططا أو مؤامرة أم قدرا مقدورا لا مناص من أن نخضع له لأنه مكتوب فى اللوح المحفوظ منذ الأزل؟.