شكل فوز الاشتراكى جان بييربل برئاسة مجلس الشيوخ الفرنسى ليصبح الرجل الثانى فى الدولة بعد رئيس الجمهورية، ضربة جديدة فى سلسلة الضربات التى أصابت الرئيس نيكولا ساركوزى خلال الفترة الأخيرة والتى تهدد فرصته فى الفوز بولاية ثانية إذا ما رشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية المقررة فى إبريل ومايو المقبلين خاصة أن نتائج استطلاعات الرأى تشير إلى استمرار التراجع فى شعبيته خلال الأشهر القليلة الماضية. وفاز بل (59 عاما)- الذى كان يترأس كتلة الاشتراكيين فى مجلس الشيوخ الفرنسى منذ 2004- من الجولة الأولى للاقتراع بأكثرية 179 صوتا مقابل 134 لرئيس المجلس السابق جيرار لارشيه، مرشح حزب اليمين الحاكم «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، ليصبح بذلك أول اشتراكى يتولى رئاسة المجلس منذ أكثر من خمسين عاما كان فيها هذا المنصب حكرا على تيار اليمين المحافظ الذى ينتمى إليه ساركوزى. وفى فرنسا يعتبر رئيس مجلس الشيوخ ثانى شخصية فى الدولة إذ أنه فى حال عجز رئيس الجمهورية عن القيام بمهامه أو استقالته أو وفاته يحل رئيس مجلس الشيوخ محله بالنيابة لحين إجراء انتخابات جديدة. كما أنه يملك صلاحية تعيين مسئولين من بينهم بعض أعضاء المجلس الدستورى وبعض أعضاء المجلس الأعلى للقضاء. وكان انتخاب بل متوقعا على رأس مجلس الشيوخ المكلف مع الجمعية الوطنية بدراسة وإقرار القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية إذ أن فوزه جاء بعد أسبوع من الانتصار التاريخى الذى حققه اليسار فى انتخابات تجديد نصف مقاعد المجلس وذلك عبر حصوله للمرة الأولى منذ عام 1958 على الغالبية المطلقة فى مجلس الشيوخ الذى كانت الغلبة فيه تقليديا للمحافظين، ما شكل صفعة قوية لساركوزى قبل سبعة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية. فرغم أن الدستور يمنح الجمعية الوطنية- التى لا يزال يسيطر عليها اليمين- الصدارة على مجلس الشيوخ فإن الأخير بإمكانه منع إدخال تعديلات على الدستور. كما يستطيع أيضا إعاقة خطط ساركوزى التشريعية بإعادة مشروعات القوانين إلى الجمعية الوطنية للمراجعة. وفى هذا السياق فإن مناقشات ميزانيتى الدولة والضمان الاجتماعى لعام 2012 اللتين ستحكمان خطة التقشف التى ستعتمدها الحكومة قد تشهد توترا كبيرا ومواجهات شديدة. كما أن الحزب الاشتراكى قد رأى فى اكتساح اليسار لمجلس الشيوخ مؤشرا على الانتصار فى الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة حيث اعتبر فرانسوا هولند الذى يتصدر استطلاعات الرأى بين المرشحين لتمثيل الحزب الاشتراكى فى السباق على الرئاسة أن هذا الفوز هو بداية تفكك النظام الساركوزى. ومن جانبه عمل اليمين على التقليل من أهمية هذه النتائج باعتبارها نتيجة طبيعية للتقدم الذى سجله اليسار فى الانتخابات المحلية الأخيرة حيث إن انتخابات مجلس الشيوخ لا يشارك فيها الناخب العادى وإنما الناخبون الكبار ويقصد بهم المنتخبون فى المجالس المحلية. وفى تجمع لناشطى حزب ساركوزى من الجالية الفرنسية فى العاصمة البريطانية لندن، أعلن الأمين العام للحزب جان فرانسوا كوبيه أن ساركوزى هو الشخصية الوحيدة القادرة على قيادة فرنسا واتخاذ قرارات تفرضها الأزمة المالية بعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل، إلا أن هذا ربما لا يكون رأى الناخب الفرنسى حيث إن استطلاع للرأى نشر مؤخرا كشف أن ثلثى الناخبين الفرنسيين يعتقدون أن ساركوزى سيخسر الانتخابات الرئاسية القادمة إذا رشح نفسه. ومما ساهم فى تراجع شعبية ساركوزى تورط عدد من الشخصيات المقربة منه فى فضائح فساد وتمويل سياسى غير قانونى. هذا إلى جانب حالة السخط الاقتصادى التى تسود البلاد بسبب البطالة وكذلك أزمة الديون الأوروبية التى وضعت مزيدا من الضغوط على الميزانية الفرنسية. وحسبما جاء فى تقرير عرضته القناة التليفزيونية «فرانس 24»، فإن وحدة اليمين بدأت تتصدع فى مواجهة هذه النكسات حتى أن فرضية عدم ترشح ساركوزى لولاية جديدة باتت تطرح من قبل مسئولين فى اليمين، فى حين يخوض الاشتراكيون ببراعة معركتهم لاختيار مرشحهم للانتخابات الرئاسية.