«فيه أزمة ولا مافيش».. هذا هو عنوان الحالة التى يعيشها سوق الدواء المصرى الآن وتنعكس بشكل مباشر على المواطن البسيط الذى يذهب إلى الصيدلية ليبحث عن بعض الأدوية فتكون الإجابة «مافيش». فى حين يؤكد وزير الصحة الدكتور عمرو حلمى على عدم وجود أى نقص فى الأدوية، نافياً ما تردد حول اختفاء ما يقرب من 753 دواء من الصيدليات حسبما نشرت صفحة الصيادلة على الفيس بوك. بين تصريحات وزير الصحة ومسئولى الوزارة بعدم وجود أى نقص والواقع الذى يواجهه المريض وتأكيدات بعض الصيادلة والخبراء على وجود أزمة فعلية. «أكتوبر» بحثت عن الحقيقة وجاءت تفاصيلها فى السطور التالية.. نفى د. عمرو حلمى، وزير الصحة والسكان اختفاء 753 نوعا من المستحضرات الدوائية من الصيدليات، مؤكدا أن هناك بالفعل نقصا طفيفا فى عدد قليل من المستحضرات، إلا أنه لا يتسبب فى أى أزمة حاليا. وأضاف أنه فى بعض المناطق والوحدات الصحية يحدث نقص بسبب بطء الإجراءات الروتينية المطلوبة لتغطية هذا النقص، وهذا ما يتم تغييره حاليا، مؤكدا أنه لا توجد أى مشكلة فى مخزون الدواء فى مصر. كما أكد الوزير على أنه لا توجد أزمة فى مستحضر الأنسولين وأن حصة الصيدلية من الأنسولين المدعوم والمتوافر بأربعة أصناف أكثر من عشر عبوات شهريا، كما أكد على توافر ألبان الأطفال المدعومة فى السوق المصرى ومراكز رعاية الأمومة والطفولة أيضا وبشكل جيد. وناشد الوزير وسائل الإعلام بتحرى الدقة والأمانة فى النشر حتى لا تكون أداة من أدوات الهدم وأدعو كل المصريين للتعاون معا فى تحريك عجلة الإنتاج والنهوض بالوطن. من جانبه قال الدكتور سيف الله إمام عضو مجلس نقابة الصيادلة إن أزمة نقص الأدوية التى يمر بها سوق الدواء الآن تمثل مشكلة كبيرة لوجود نقص فى أصناف من الأدوية الحساسة والمهمة لكثير من المرضى، مشيرا إلى نقص مجموعة من الأدوية ليس لها بدائل فى السوق المصرى، مؤكدا على أن نقص هذه الكمية الكبيرة من الأدوية تسبب فى معاناة لكثير من المرضى وتدهور الحالة الصحية لهم وقد يؤدى نقص الادوية لوفاة بعضهم. وانتقد سيف الإجراءات التى تتخذها الجهات المختصة لعلاج الأزمة لافتا إلى أنها تنتظر نشر الإعلام للمشكلة وكثرة شكوى المرضى للضغط عليهم لبدء التحرك وتوفير بعض الأصناف لتخفيف الأزمة وليس حلها كاملا، مؤكدا على أن هذا ما حدث فى الفترة الماضية عندما حدث نقص كبير فى مستحضر البنسلين والذى ليس له بديل فى السوق رغم قلة عدد الحالات المحتاجة إليه إلا أنه تم انقطاعه وبشكل كامل من السوق فجأة وبدون علم الجهات المختصة ولم يتم حل المشكلة وتوفير كميات منه إلا بعد شهرين أو أكثر، مؤكدا على أن هذا ما أدى لتدهور الحالة الصحية لمرضى الحمى الروماتيزمية. وعن نقص الأدوية التى ليس لها بدائل بالسوق أكد على أن هناك بعض الادوية المهمة والتى تعالج فئة كبيرة من المرضى غير موجودة بالسوق المصرى مثل دواء «استريتو كامينيز» والذى يعالج مرضى جلطات المخ فى أول 4 أو 6 ساعات والذى يمنع حدوث شلل دائم وإعاقة أو وفاة المصاب وعلى الرغم من أنه يتم إنتاجه من خلال 3 شركات عالمية فلا يتم انتاجه أو استيراده فى مصر مما يؤدى لوفاة الكثير من مرضى الجلطات، بالإضافة إلى بعض الأدوية الحيوية مثل أدوية مرض السرطان والأزمات القلبية وأدوية لعلاج الضغط والسكر والروماتويد والأمراض الصدرية وأدوية الأطفال. وأكد على أن أزمة نقص الدواء حدثت من فترة وتحدث كل سنة أو 6 شهور وهى مثل الموج تظهر من وقت لآخر لكن النقص الموجود الآن فوق المعتاد وذلك لأن السوق يشمل على 4 آلاف صنف دواء ينقص منها الآن عشرات الأصناف، لافتا إلى وجود اختلاف حول عدد الأدوية غير المتوفرة بالسوق المصرى والتى قد يفوق عددها ال 753 صنف، هذا بالاضافة إلى تزايد فترة النقص والأزمة مما يؤدى لنفاد المخزون الاستراتيجى بالصيدليات، لافتا إلى تكرار هذه الأزمة وهذا يعنى أن الأزمة لا يتم علاجها من جذورها أو التنبؤ بها لعلاجها وتفادى حدوثها أو تقليل الفترة الزمنية للأزمة وهذا يعنى وجود خلل فى الأنظمة المتبعة لعلاج مثل هذه الأزمات. مؤكدا أن وزارة الصحة هى المسئولة دستوريا عن توفير العلاج للمرضى سواء كانت علاجية أو وقائية أو توفير الدواء بكل أنواعه وبالسعر المناسب، لافتا إلى أن هناك إدارة فى وزارة الصحة مختصة بمتابعة إنتاج الشركات للأدوية إلا أن هذه الإدارة روتينية مثل باقى الإدارات الحكومية لا يوجد لديها وسائل جيدة لمتابعة خطوط الإنتاج والاستيراد أو التوقع بهذه الأزمة قبل حدوثها أو وسائل حل وعلاج الأزمة بعد حدوثها فى فترة زمنية قصيرة. إجراءات الاستيراد وأكد الدكتور عبد الله زين العابدين - أمين عام نقابة الصيادلة - أن السبب الأساسى فى أزمة نقص الأدوية المفتعلة الآن هو بعض الاختناقات فى إجراءات استيراد الأدوية الجاهزة وبعض المواد الخام بالإضافة إلى الأدوية الحديثة وإعادة تسجيل الأدوية، لافتا إلى أن الإجراءات التى تتخذها وزارة الصحة للرقابة على الأدوية معقدة وتحتاج إلى وقت طويل للحصول على تسجيلها بمصر، مؤكدا على ضرورة تغيير نظم التسجيل للأدوية بوزارة الصحة والسماح بتداول الأدوية بصورة قانونية بعد تسجيلها بدولة المنشأ لوجود نظم تسجيل بكل دول العالم تسمح بتداول الأصناف غير المسجلة وهذا أفضل من اللجوء للطرق غير الشرعية والتى تؤدى إلى تضخم وتزايد حجم الأدوية المهربة والمغشوشة أيضا. وعن أهم الأدوية المختفية من السوق المصرى أكد أن البنسلين طويل المفعول لعلاج مرضى الحمى الروماتيزمية. وأضاف: يوجد نقص مستمر لا ينتهى لأدوية وهذا لا يعنى مشكلة ولا نشعر بها لوجود بدائل لهذه الأصناف ولكن المشكلة الآن كبيرة لأنه يحدث نقص فى مجموعة أدوية ليس لها بدائل أو نقص فى كل مجموعات صنف الدواء. وأشار إلى عقد اجتماع مع مساعد وزير الصحة لشئون الصيدلة للتشاور وبحث هذه المشكلة وكيفية حلها. وتم التحدث أيضا عن ضرورة وضع استيراتيجية المتابعة وعمل احتياطات حتى لا تحدث هذه الاختناقات والقدرة على حلها مبكرا ومتابعة المخزون الاستراتيجى للدواء، مؤكدا على أن العبء يقع على الشركات المنتجة من ناحية ووزارة الصحة من ناحية أخرى. أما الدكتور عبد العزيز صالح - خبير صيدلى- فقال إن أحد أسباب افتعال الأزمة هو إرسال كميات كبيرة من الأدوية إلى ليبيا بعد الثورة الليبية وكثرة المصابين، بالإضافة إلى قدوم أعداد من المصابين وعلاجهم داخل مصر، والسبب الثانى هو احتمال افتعال شركات الأدوية لهذه الأزمة من أجل رفع الأسعار لافتا إلى أن هذا يحدث عند الرغبة فى زيادة أسعار الدواء. وقال الدكتور محمود فتوح - مؤسس نقابة الصيادلة الحكوميين - إن الأزمة الحالية لم تشهدها مصر من قبل، مؤكدا على وجود عدة أسباب لحدوث هذه الأزمة داخل سوق الدواء المصرى أهمها الجانب الأمنى، حيث تخشى الشركات على توزيع الأدوية إلا أنه لا يجد داعيا لهذا الخوف. وأضاف أن الاحتجاجات التى حدثت فى بعض الشركات مثل «ايبيكو» و«فاركو» سبب إيقاف الإنتاج فضلا عن سبب ثالث وهو خوف الشركات من عملية الإنتاج بكثرة لأن دخل الصيدليات قل بعد الثورة نظرا لأن المواطنين اقتصدوا فى شراء كل شىء وبالتالى قلت عملية «السحب» من الصيدليات الأمر الذى أدى إلى قيام الشركات بتقليل الإنتاج وهو ما حدث مع الشركات التى تستورد. وأضاف فتوح - الذى يعد أحد كوادر الإدارة المركزية لشئون الصيدليات - أنه قد يكون هناك تأخير من جانب (الإدارة المركزية) فى الإفراج عن الشحنات المستوردة من الأدوية واقترح فتوح أن يتم تسهيل الاستيراد والتصدير والإفراج عن الشحنات الدوائية. وحذر من تلاعب الشركات بالسوق وضرب مثلا على ذلك بما حدث مع شركة «أسترا زينيكا» التى قامت قبل الثورة بمنع توزيع مستحضر «أندرال» الخاص بعلاج وتنظيم ضربات القلب. البحث عن بدائل من جانبه أكد الدكتور أيمن الخطيب - مساعد وزير الصحة للشئون الصيدلية- أن ظاهرة نقص الدواء ظاهرة عالمية طبقا للإحصائيات التى أعلنتها منظمة الغذاء والدواء الأمريكية، مؤكدا أن الإدارة المركزية للشئون الصيدلية تتبع أحدث الطرق العالمية لمواجهة هذه الظاهرة. وعن الإجراءات المتخذة حاليا لتفادى الأزمة أكد أنه تم تكليف لجنة الشكاوى ونقص الدواء بمتابعة أزمة نقص الأدوية والتى تم الإعلان عنها على صفحة صيادلة الإدارة المركزية لشئون الصيادلة على الفيس بوك حول اختفاء 753 نوع دواء من السوق ويتم الآن البحث عن وجود بدائل لهذه الأنواع من عدمه. وأضاف: أن الوزارة اتخذت إجراءات وقائية لمنع حدوث أزمات فى توافر الدواء، مشيرًا إلى أن تلك الإجراءات تمثلت فى إرسال خطاب للشركات المصنعة والمستوردة وشركات التوزيع لإمداد الإدارة المركزية للشئون الصيدلية بالمعلومات فور حدوث نقص فى رصيد المخزون الاستراتيجى لأى من الأدوية الحيوية لديهم وذلك حتى تستطيع الوزارة العمل على توفيرها وإيجاد حل مناسب مع التأكد من توافر المثيل وذلك قبل أن يشعر المريض بهذا النقص. وأكد أن الوزارة تقوم - برغم ما تمر به البلاد من ظروف انخفاض التسهيلات الائتمانية والأزمة المالية - بتوفير الدواء الأمن للمواطن المصرى باعتباره سلعة استراتيجية، مشيرا إلى أنه سيتم إنشاء كيان متخصص لإدارة الأزمات من خلال متابعة نواقص الأدوية الحيوية بشكل وقائى يمنع حدوث النقص المفاجئ لأى دواء مع التعامل السريع مع حالة النقص لأى مستحضر صيدلى وهو ما حدث مع مستحضر البنسلين طويل المفعول الذى تم توفيره فى فروع الشكاوى للشركة المصرية لتجارة الأدوية كمرحلة أولى لعلاج الأزمة وتم خلال أيام تغطية السوق الدوائى بالكامل بحيث أصبح متوسط الرصيد الفعلى 20 عبوة لكل صيدلية. وأوضح أن التوزيع تم من خلال لجان المتابعة التى قامت بزيارة مفاجئة ل50 صيدلية عشوائية فى محافظتى القاهرة والجيزة، مضيفا أن الوزارة قامت بتعديل أسعار بعض المستحضرات الصيدلية بشكل يتيح للشركة إمكانية إنتاج المستحضر واستيراده فى شكل يراعى الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المصرى بالإضافة إلى زيادة الطاقة الاستيرادية والإنتاجية مع تعجيل إجراءات الإفراج والتحليل لهذا المستحضر بشكل لا يسمح بنقصه. فى حين أشار الدكتور محسن عبد العليم مدير المكتب الفنى للشئون الصيدلية بوزارة الصحة أنه تم التشديد على مديريات الصحة فى كل المحافظات بحصر الأدوية الناقصة لديها، مؤكدا أن هذه الأزمة مفتعلة ولابد من معاقبة كل من افتعلوها.