هناك غموض رؤية بشأن المستقبل الذى تتوجه إليه مصر، وتصارع وتضارب حول ما يحدث، فرؤية الحكومة، وأنصارها التى تقوم بالترويج لها ترى أنه يوجد تقدم بطىء لكنه ثابت نحو الديمقراطية، ورؤية مضادة يقوم السياسيون المعارضون ونشطاء الحقوق المدنية بالترويج لها ترى أنه يوجد تدهور ثابت فى الحريات السياسية والمدنية. حول هذا الموضوع بالتحديد ظهر كتاب وأقيمت ندوة.. الكتاب هو «الديمقراطية فىالخطاب السياسى المصرى المعاصر» من تأليف د. ميشيل دون أستاذة اللغويات بجامعة جورج تاون ومن ترجمة د. عماد عبد اللطيف مدرس البلاغة وتحليل الخطاب بجامعة القاهرة.. وصدر عن المركز القومى للترجمة هذا الأسبوع، ومع الترجمة أقيمت الندوة فى الصالون الثقافى بالمركز بحضور كل من د. عبد المنعم المشاط الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ود. عبد الحكيم راضى الأستاذ بكلية الآداب ود. عماد عبد اللطيف المترجم، وقام بتقديم الندوة د. أحمد زايد العميد السابق بكلية الآداب. الذى أوضح أن هذا الكتاب يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة بخصوص وظائف الكلام السياسى فى المجتمع المصرى خاصة فى العقود الأخيرة.. وقد ركز د. عماد عبد اللطيف المترجم وصاحب العديد من الدراسات حول الخطاب السياسى العربى من قبل، على أن العقود الماضية شهدت إعادة الاعتبار لدور اللغة فى السياسة، فعلى الرغم من التأثير الهائل الذى تمارسه اللغة فى حقل السياسة فإن اهتمام الباحثين العرب بدراسة لغة السياسة العربية مازال محدودًا على خلاف اهتمام الباحثين الغربيين منذ وقت مبكر بتحليل لغة السياسة الغربية وخطاباتها.. مشيرًا إلى أن مؤلفة الكتاب قد لاحظت أن هناك غموضًا فى المستقبل الذى كانت تتجه إليه مصر فى السنوات العشر الأخيرة، خاصة وأن معظم العازفين على خشبة المسرح كانوا يعزفون تقريبًا سيمفونية واحدة وإن كانت بآلات مختلفة وأصوات ونغمات متباينة، رغم وجود مايستروا واحد يحاول السيطرة على كل تجليات الخطاب، وكانت الأصوات الخارجة عن السياق عادة مهمشة وضعيفة، إما باختيارها، وإما بفعل الحرمان من مكبرات الصوت التى تمثل منافذ الخطاب المفروضة عليهم.. وانتقل المترجم بعد ذلك للتركيز على عدة أساطير سياسية تسيطر على عقول غالبية المصريين وتوجه مواقفهم وسلوكياتهم نحو الأحداث منها أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم تشبه العلاقة بين الأب والأبناء، فالحاكم رب للوطن وللعائلة ولا يجوز نقده أو الاعتراض عليه وهو رمز لا يجوز المساس به، وأن الحاكم هو ولى الأمر الذى لا يجب شرعًا الخروج عليه، وأسطورة أخرى أن الحاكم لا يعلم ما آل إليه حال الناس وأنه يعتقد أن الأمور ليست بالسوء الذى هو عليه، إما أكثر الأساطير خطورة ووحشيًا فهى أن الشعب المصرى نمرود لا تفلح فى حكمه الإ يدًا حديدية، وقد تغلغت هذه الأساطير فى شرائح من المجتمع المصرى بفعل تجريف عقلها النقدى وتسطيح أفكارها السياسية وتضليلها بخطابات سياسية ترتدى ثوب الدين، وأخلاق القرية، ومن هنا تحب دراسة كل أساطير الخطاب السياسى بعمق لكشفها ونعريها ونقاومها لعلنا نحول دون خلق مزيد من الطغاة.. وقد نبه د. عبد المنعم المشاط أن مؤلفة الكتاب د. ميشيل دون واحدة من أهم الباحثات عن الشئون السياسية المصرية، وأن كتاباتها عن الشأن المصرى كانت تحظى بتقدير واسع من الباحثين والسياسيين على حد سواء، وإن هذا الكتاب هو اطروحتها للدكتواره، وقد اعتمدت على بيانات ووثائق لم يكن من الميسور لأى باحث مصرى الوصول إليها.