كلما أشرقت الشمس داهمتها غيوم سوداء عليها غبرة فأحالتها من الإشراق المبهر إلى الكسوف المظلم، صورة قاتمة ونظرة متشائمة أرى من خلالها إرهاصات مؤكدة لفوضى متوقعة وتسيب منتظر.. ورغم أن ذلك توصيف حقيقى رغم جنوحه نحو الصيغ البلاغية؛ ولكنه يصور بصدق شديد ما آل إليه المشهد السياسى فى الآونة الأخيرة حيث أصبحت الضبابية هى السمة السائدة لأحداثه ووقائعه.. وإذا كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير هى الحدث المحورى لهذا المشهد عبر شهور قاربت العشر فإن ما يعتريها من التباسات سياسية واجتماعية واقتصادية يجعلها عن جدارة تتصدر بؤرة الاهتمام لكل من أراد أن يتناول ظواهر التحول فى الشارع السياسى المصرى بالتحليل والدراسة.. وقد لا تقتصر هذه الاهتمامات على المفكرين والباحثين وإنما تتجاوزهما إلى رجل الشارع العادى والذى أصبح بعد معايشته للأحداث الثورية من محترفى السياسة والتحدث عن أغوارها العميقة والتى أتاحت الفضائيات فرصة لم تكن لتحقق بدونها وقد أصبحت حقيقة واقعة نلمسها كل يوم وسط ما نشهده من زخم إعلامى أقرب إلى الفوضوية منه إلى الموضوعية، وقد خلق نجوما مزيفين وما يخلع عليهم من ألقاب ما أنزل الله بها من سلطان كالخبير الاستراتيجى والناشط السياسى وخلافهما كمحترفى حقوق الإنسان وسائر المنظمات التى لا ننزهها عن شبهة الارتزاق الذى يصل أحياناً إلى درجة التسول ولنا فيما اكتشف مؤخراً من مصادر التمويل الأجنبى المشبوه من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة المثل الواضح والفاضح فى ذات الوقت.. *** وبنظرة فاحصة لما يحدث على الساحة السياسية المصرية يتأكيد ما تضمنه عنوان المقال من جرعة صادمة رغم حاجتنا الملحة لجرعات مغايرة من التفاؤل الذى يتناسب وما طرأ على هذه الساحة من تحولات جذرية كانت تشكل منذ شهور قليلة أملاً يستعصى على التحقيق ويندرج فى زمرة الأحلام المستحيلة.. ورغم أن ليل الاستبداد والقهر قد ولى إلى غير رجعة - إن شاء الله - فما زال الأمل يحدونا أن يحل بديلاً عنه نهار تنجلى فيه الحقائق مؤكدة أننا مقدمون على عهد جديد رغم كل ما نشهده من سوء الاستغلال لهذه التحولات المصيرية وكذلك الانتهازية التى شابت مسيرتها والتى تنذر بعواقب وخيمة قد تفسد ما نشعر به جميعا من أمل فى مستقبل مشرق تستحقه مصر بعد معاناة مقيتة فى ظل حكم جائر استنفد كل طاقات الأمل لدى شعب صبور يتطلع إلى الحرية.. وإذا أخذنا أبرز ملامح المرحلة الراهنة والفارقة فى تاريخنا المعاصر وهى الانتخابات، وبالطبع لا نعنى بها الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها فى الشهور القادمة وإنما هناك أعراس انتخابية أخرى موازية ومن المفترض أنها تمثل إنجازات ثورية تتجلى خلالها معطيات الديمقراطية الجديدة بعد ثورة يناير.. ولكن للأسف الشديد فإن هذه المعطيات تحمل فى مقدماتها الأولية استمرارية الإدارة العقيمة السابقة والتى من أبرز مواصفاتها المرفوضة.. الاستحواذ والسلطوية وقد انتقلت - بأسف أشد - من الحزب المنحل إلى أحزاب أخرى وليدة تدعمها تيارات لها أجنداتها الخاصة والأمثلة كثيرة وتبرز إحداها فيما حدث من انتخابات النقابات المهنية المختلفة كالمعلمين والصيادلة والبقية تأتى قريبا فى نقابتى المحامين والصحفيين وغيرهما وسوف تكون النتيجة المتوقعة بكل أسى هى احتكارات تيارات يعرفها الجميع بشكل قد يهدد ما نصبوا إليه من بناء نقابى ديمقراطى تنعكس إيجابياته شاملة كل مؤسسات الدولة تشريعية كانت أو تنفيذية مع النقابات وسائر المنظمات المشابهة.. وإذا كنا قد طالبنا من هذا المكان بوقفة لأولى الأمر تتسم بالجدية والحسم حفاظاً على بزوغ فجر أطل علينا نهاره جليا إبان ثورتنا المصرية الرائعة بعد ليل دامس طال ثلاثين عاما من القهر والظلم وكبت الحريات فإننا بدورنا نكرر ولا نمل من تكرار رجائنا أن تكون هذه الوقفة الحازمة ضد كل من يحاول القفز على منجزات ثورتنا لمصلحة شخصية حتى يعى المغرضون أن مصلحة مصر هى العليا بعيدا عن ثقافة الاستحواذ والاحتكار والتى قد انتهى زمانها إلى غير رجعة بعد مولد الثورة المصرية وما أحدثته من تغيرات إيجابية أمدتنا جميعا بالأمل فى نهار مشرق بشمس الحرية.