رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على بدء المرحلة الانتقالية التى يديرها بكل أمانة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إلا أنه لا مفر من الإقرار بأن ثمة أخطارًا كبيرة لاتزال محدقة ليس بثورة 25 يناير فحسب، وإنما بمصر كلها.. دولة ووطنا وشعبا. إذ أن الثورة التى نجحت فى إسقاط النظام السابق.. رئيسه وأركانه ورموزه لم تنجح بعد فى إسقاط بقاياه وتطهير مؤسسات الدولة من فلوله الذين لم تتوقف مساعيهم لإثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار والأمن بهدف إسقاط الدولة.. انتقاما من الثورة والشعب. لقد أكدت أحداث العنف والشغب التى وقعت ليلًا فى ختام جمعة «تصحيح المسار» الأسبوع قبل الماضى حقيقة تلك الأخطار، وحيث بدا أن تلك الأحداث غير المبررة بالاعتداء على وزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة، قد استهدفت تشويه الثورة والثوار وإلصاق تلك الأعمال التخريبية بالمتظاهرين السلميين وحتى تتحول جمعة تصحيح المسار إلى جمعة انحراف المسار! وفى نفس الوقت ومع إمكانية تفهم مبررات هدم الجدار العازل الذى أقامته السلطات أمام العمارة السكنية التى تقع بها السفارة الإسرائيلية، إلا أن حادثة اقتحام السفارة ذاتها بدت مسلكا غوغائيا غير مبرر.. من المستحيل أن يُقدم عليه المتظاهرون من شباب الثورة، ومن ثم فإنه فلا تفسير له سوى أنه محاولة خبيثة من جانب فلول النظام السابق ارتكبتها جحافل من البلطجية المستأجرين بهدف تشويه صورة مصر خارجيا أمام المجتمع الدولى والإساءة إلى ثورة 25 يناير التى مازالت مثار إعجاب وإشادة شعوب وديمقراطيات العالم. ولذا وتجنبا لخلط الأوراق فإنه يتعيّن على شباب وائتلافات الثورة ضرورة تطهير صفوفها من المندسين من أتباع ومأجورى النظام السابق وأصحاب «الأجندات» التآمرية الذين يسعون لتشويه الثورة وتلطيخ ثوبها الأبيض الناصع بدماء العنف والبلطجة، وفى نفس الوقت فإن على سلطة الحكم مُمثلة فى المجلس العسكرى والحكومة الانتقالية ضرورة التمييز بين المتظاهرين السلميين من شباب الثورة وبين البلطجية المستأجرين المندسين فى التظاهرات والمليونيات لارتكاب أعمال التخريب وافتعال المعارك مع قوات الأمن والجيش بهدف استفزازها ودفعها للرد العنيف لإظهار المجلس العسكرى وكأنه ضد حرية التظاهر السلمى وأيضًا ضد الثورة. إن الخشية.. كل الخشية أن يقع الطرفان.. المجلس العسكرى والحكومة من جهة وشباب الثورة والقوى السياسية من جهة أخرى فى ذلك الفخ الذى نصبه أتباع النظام السابق وفلوله لإحداث الوقيعة بين الجيش والشعب فى سياق مسعى خبيث وخطير يستهدف إسقاط الدولة وهدم مؤسساتها وفى مقدمتها المؤسسة العسكرية صمام الأمن ودرع الوطن والضامنة للثورة ومكتسباتها. *** غير أنه مما يعد مدعاة للطمأنينة أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يدير شئون البلاد فى هذه المرحلة الانتقالية قد التزم ومن المؤكد أنه سيظل ملتزما بضبط النفس فى مواجهة محاولات ومساعى استفزازه ودفعه دفعا إلى الانزلاق إلى استخدام القوة ضد الخروج على القانون والنظام العام مثلما حدث فى حالات إغلاق الطرق وتعطيل حركة القطارات وغيرها من الحالات التى تسىء إلى الثورة، وهو مسلك يعكس فى واقع الأمر إدراك المجلس لحساسية هذه المرحلة وما يتخللها من انفعالات ثورية، ومن ثم مسئوليته عن نجاح الثورة وتلبية مطالبها وتحقيق أهدافها رغم ما تشهده المرحلة من تباين واختلافات الرؤى السياسية وارتفاع سقف المطالب الشعبية. ورغم أن أية محاولة لإسقاط المجلس العسكرى أو المساس بالمؤسسة العسكرية سوف تبوء بالفشل الذريع، إذ إنه أمر فى غير مقدور أى تجمع أو جهة أو قوى أو فئة، إلا أنه يبقى ضرورة انتباه شباب الثورة وكافة القوى والتيارات السياسية إلى مؤامرة التحريض ضد المجلس العسكرى والتهجّم عليه وإلى درجة الدعوة إلى إسقاطه وتخليه عن إدارة البلاد، وهى مؤامرة وإن لن يكون مقدراً لها النجاح بأية حال، إلا أن إغفال التصدى لها وإجهاضها من شأنه إدخال مصر فى نفق مظلم والانزلاق إلى حرب أهلية. *** ولكن من المهم أن يتوافق المجلس العسكرى وشباب الثورة وكافة التيارات السياسية على ضرورة التمييز بين حق انتقاد الأداء السياسى فى إدارة شئون البلاد فيما مضى وفيما هو آت من المرحلة الانتقالية من خطوات نقل السلطة من جهة وبين الهجوم على المجلس والتحريض ضده والدعوة لإسقاطه. إن الفارق واضح وكبير بين انتقاد الأداء السياسى الذى يستهدف الصالح العام وتحقيق مطالب وأهداف الثورة باعتبار أن ممارسة النقد والاختلاف مع سلطة الحكم من صميم الديمقراطية التى حظرها النظام السابق والتى كانت أحد أهم أسباب قيام الثورة، أما التحريض على القوات المسلحة والمجلس العسكرى فهو مؤامرة ضد مصر كلها وضد الثورة وهى من صنع فلول النظام وقوى الثورة المضادة والتى يتعين على شباب الثورة التصدى لها. *** إن ما جرى ويجرى فى المشهد السياسى الراهن وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على إسقاط النظام السابق يستوجب وبالضرورة إجراء مراجعة عاجلة وموضوعية لإدارة المرحلة الانتقالية وعلى النحو الذى يستدعى إعادة النظر فى خطوات وآليات نقل السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة فى أقرب وقت وفقاً لخريطة طريق جديدة تتضمن جدولا زمنيا للخروج الآمن من المرحلة الانتقالية إلى دولة القانون والمؤسسات. ومع تعدد واختلاف المقترحات والرؤى التى تطرحها القوى والتيارات السياسية وكذلك بعض المرشحين المحتملين للرئاسة حول إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية وخطوات وآليات نقل السلطة، فإنه يبقى ضرورياً التوافق والتوفيق بين كافة تلك الرؤى والمقترحات للتوصل إلى خريطة طريق لإخراج مصر من المحنة والأزمات التى تواجهها حالياً. إنه لا خلاف على أن ثمة إجراءات وتدابير بات مطلوبا التعجيل باتخاذها وأولها وأهمها استعادة الأمن ومواجهة حالة الانفلات الأمنى والقضاء على ظاهرة البلطجة.. أداة النظام السابق وفلوله لزعزعة الأمن والاستقرار وإفشال الثورة، وهو الإجراء الذى يتطلب إعادة هيكلة وتطهير أجهزة الأمن والشرطة. وفى هذا السياق فإنه يتعين الرجوع عن قرار تفعيل قانون الطوارئ باعتباره أحد مساوئ النظام السابق، وباعتبار أنه لا توجد ضمانات حقيقية لاستخدامه ضد البلطجية والمجرمين ومثيرى الشغب فقط، والصواب هو إصدار مرسوم بقانون «البلطجة» الذى عطّل النظام السابق إصداره بعد إقراره من مجلس الشعب قبل عدة سنوات.. ومازال التطهير.. تطهير كافة مؤسسات الدولة من فلول وأتباع النظام السابق هو الفريضة الغائبة فى الثورة والتى لم يقم بها المجلس العسكرى حتى الآن، وهو إجراء بالغ الأهمية والضرورة خاصة فى أجهزة الإعلام الرسمية والصحافة القومية. أما خطوات وآليات نقل السلطة وإجراء الانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية وما يتعلق بها من قوانين كانت مثار اعتراض غالبية القوى والتيارات السياسية، فإن على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الدعوة إلى مؤتمر عام عاجل يضم ممثلى تلك القوى والتيارات ومعهم ممثلون عن شباب الثورة أيضاً للتوصل إلى توافق عام بشأنها لإنهاء الجدل والخلاف والبدء فى خطوات نقل السلطة. *** ومع هذه المراجعة لإدارة المرحلة الانتقالية، فإنه يبقى التأكيد على أنه لا خلاف بل إنه الإجماع.. إجماع المصريين على أن جيش مصر الوطنى العظيم ممثلاً فى المجلس الأعلى الذى انحاز للثورة منذ اليوم الأول هو درع الوطن فى الحرب والسلم وهو الضامن للثورة وأهدافها ومكتسباتها.