كنا نعتقد أن الأمور تتجه إلى الاستقرار وأنه من الضرورى أن «تتوافق» جميع القوى السياسية على إجراءات محددة لسرعة الخروج من المرحلة الانتقالية التى تمر بها البلاد.. تمهيدا لعودة الاستقرار وسرعة دوران عجلة الإنتاج لتعويض ما منيت به البلاد من خسائر بسبب الأحداث فى الشهور الماضية. خاصة بعدما تحقق المطلب الرئيسى لثوار التحرير ومنظمى المليونيات المتتالية. وهو رؤيتهم للرئيس المخلوع فى قفص الاتهام أمام محكمة الجنايات، خاصة أيضا أنه تمت إعادة تشكيل الوزارة من جديد ثم إجراء تغييرات واسعة فى المحافظين والاستعداد لحركة تطهير رموز النظام القديم وكل من شارك فى إفساد الحياة السياسية فى البلاد. ولكن يبدو أن البعض لا يرغب فى ذلك لأسباب «تكتيكية» تتعلق بمكاسب سياسية مؤقتة، وعلى سبيل المثال.. ما حدث بعد صدور قانون مجلسى الشعب والشورى، فقد طرح المشروع فى بداية يونيو الماضى على الرأى العام لمناقشته تمهيدا للاتفاق على صورته النهائية التى تصدر فى مرسوم بقانون، كما حدث فى قانون الانتخابات العامة من قبل. وكان المشروع عندما طرح يتضمن مجموعة من المبادئ الأساسية التى توافق عليها المجتمع أو لم يحن الوقت المناسب لإلغاء بعضها أو تعديل البعض الآخر منها، حيث جاء المشروع محافظا على نسبة ال 50% من العمال والفلاحين فى تشكيل البرلمان بمجلسى الشعب والشورى. وأكد على إجراء الانتخابات تحت إشراف قضائى كامل، وألغى ما كان يسمى ب «كوتة» المرأة فى مجلس الشعب وأعاد العمل بنظامى القائمة والفردى فى الانتخابات، ولكنه اشترط ثلث الدوائر للقائمة والثلثين للفردى، كما ترك المشروع تقسيم الدوائر الانتخابية على مستوى الجمهورية للنقاش العام.. كذلك النسبة الواجبة من الأصوات التى يجب أن تحصل عليها القوائم الانتخابية حتى يمثل مرشحوها الناجحون فى الانتخابات.. فى المجلس الجديد، خاصة أنه اشترط أن تكون القوائم الانتخابية مغلقة وليست مفتوحة.. أى يصوت الناخب على القائمة بأكملها وليس من حقه أن يختار بعض مرشحيها فقط أو يعيد ترتيب الأسماء الواردة بالقائمة. فكل هذه «الملامح» الأساسية لمشروع القانون عرضت للنقاش العام وأبدى الكثير من الأحزاب والتيارات السياسية رأيها فى المشروع، وبعد شهرين أصدر المجلس العسكرى هذه التعديلات فى صورة مرسوم بقانون رقم (108) لعام 2011 بتعديل بعض أحكام القانون (28) لسنة 72 فى شأن مجلس الشعب. ومن الواضح أن المجلس استجاب للكثير من الاقتراحات التى قدمت فى هذا الشأن، حيث عدل النسبة بين المقاعد المخصصة للفردى والقوائم من الثلثين والثلث إلى النصف لكل منهما، حيث نصت المادة الثالثة فى القانون على أن يكون انتخاب نصف أعضاء مجلس الشعب بنظام الانتخاب الفردى والنصف الآخر بنظام القوائم الحزبية المغلقة.. وهو تعديل تتطلبه المرحلة الحالية للبلاد.. فليس كل المصريين أعضاء فى الأحزاب ولا يمكن حرمان مواطن من حقه الأساسى فى الترشح لمجرد أنه ليس عضوا فى أحد الأحزاب القائمة سواء كانت قديمة أو جديدة، وفى ذات الوقت جاء التعديل ليعطى القوائم الحزبية نصف الأعضاء فى محاولة لتقوية الأحزاب القائمة، حيث يمنحها السلطة فى اختيار مرشحيها وتحديد موقعهم فى القائمة والتى غالبا ما تعبر عن برنامج الحزب. ولكن المفاجأة أن أغلب الاعتراضات على القانون كانت من الأحزاب القديمة والتى تمارس العمل السياسى منذ أكثر من ثلاثين عاما.. وكان المفروض أنها ربت كوادر وبنت قاعدة حزبية يعتد بها يمكن أن تعتمد عليها فى الانتخابات. فبعض هذه الأحزاب «جاب من الآخر» -كما يقولون- واعترض على عدم إلغاء نسبة الخمسين فى المائة من العمال والفلاحين، بينما اعترض آخرون على استمرار العمل بالنظام الفردى مطالبين بإجراء الانتخابات بنظام القوائم الحزبية المفتوحة فقط، هذا إلى جانب النسبة التى حددها القانون للقائمة الحزبية والتى لم تتجاوز (نصف فى المائة) من عدد الأصوات الصحيحة.. بحجة أنه يجب أن تكون القوائم غير مشروطة بأية نسبة من الأصوات، ولكن الاعتراض الأهم.. والمعاد تكراره.. هو أن إجراء الانتخابات بالنظام الفردى- حتى ولو كان بنسبة 50% للأعضاء المطلوبين للبرلمان- سيعود بنا لما قبل 25 يناير.. حيث يسيطر فلول الوطنى على تلك الانتخابات بما يملكون من مال وخبرة فى التزوير فى ظل الانفلات الأمنى الموجود! *** وفى رأيى أن تلك حجة واهية لأسباب عديدة منها أن النظام الفردى معمول به فى البلاد من أول ما عرفت الحياة البرلمانية أى منذ أكثر من 100 عام، كما أنها تمثل «إهانة» للشعب المصرى وتصف الناخبين بعدم الوعى وإمكانية شرائهم بالمال أو النفوذ. والأهم من ذلك أنها تبالغ فى تصوير قوة الحزب الوطنى المنحل وأنه كان يستند على قاعدة عريضة من العضوية وله مرجعية سياسية وفكرية متأصلة فى نفوس أعضائه.. وهو غير صحيح بالمرة، لأن العضوية لم تكن تزيد على بضعة آلاف منهم مالا يزيد على 250 عضوا فقط يمكن وصفهم بالعضوية النشطة أو القائدة وهم أعضاء لجنة السياسات والأمانة العامة للحزب وأمناء المحافظات، أما غيرهم من الأعضاء فهم «مصريون» مواطنون عاديون شاركوا فى الحزب باعتباره إحدى مؤسسات الدولة!.. مثله مثل حزب مصر من قبل ومن قبله الاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى أى مجرد عضوية ورقية فقط! أما قضية التزوير والخلل الأمنى.. فهى بمثابة البحث عن «شماعة» للفشل المتوقع لبعض الأحزاب واستباق للمحاسبة من قبل الجمعية العمومية للحزب لقادته عن هذا الفشل. فقد أجرينا الاستفتاء على التعديلات الدستورية وكانت هناك عمليات استقطاب شديدة وحملات إعلامية مكثفة لرفض الاستفتاء أو التصويت ب «لا» على تلك التعديلات.. ولكن الإرادة الشعبية أفصحت عن رغبتها فى سرعة استقرار البلاد بالخروج من المرحلة الانتقالية وصوتت بنعم، فضلا عن الصورة الحضارية والانضباط الملحوظ فى عملية التصويت والتى كانت محل فخر لكل المصريين وتقدير من كافة أنحاء العالم. والأهم من ذلك أن قانون الانتخابات العامة نص وأكد على الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات بداية من إعداد القوائم الانتخابية وحتى إعلان النتيجة.. وطبقا للشعار المعلن «قاضٍ لكل صندوق»، كما أن القوات المسلحة تعهدت بمساندة الشرطة والتعاون معها فى تنظيم العملية الانتخابية والحفاظ على أمن اللجان والناخبين.. فمن أين سيأتى التزوير إذن؟! ومن ثم.. لا أفهم لماذا تختلف أقوال البعض عن أفعاله، فالنخبة السياسية المحدودة العدد مقارنة بالأغلبية الصامتة من المصريين والتى يبدو أنها تريد احتكار العمل السياسى فى مصر.. هذه النخبة تطالب بالديمقراطية واحترام الإرادة الشعبية وترفع دائما شعار الاحتكام لما يسفر عنه الصندوق الانتخابى.. هذا هو حديثهم الدائم فى التليفزيون والصحافة.. ولكن عندما يجد الجد وتأتى ساعة الحسم ويطلب منهم النزول إلى أرض الملعب لبدء المباراة يكثرون من التعلل بالحجج الواهية.. فلماذا لا تطبقون ما ترفعون من شعارات؟.. لماذا لا تحتكمون للصندوق؟.. لماذا تهينون ناخبيكم وتتهمونهم بعدم الوعى والجهل وإمكانية شراء أصواتهم؟.. لقد كان النظام السابق يخوفنا بفزاعة الإخوان، والآن يحاول البعض أن يعاود الكرة ويخوفنا بشبح وهمى اسمه «الفلول» مع أن كلنا مصريون علينا كافة الواجبات ولنا كافة الحقوق وكلنا أمام القانون سواء إلا من أدين بحكم قضائى نهائى! هذه هى الديمقراطية التى تنادون بها.. فلماذا لا ترغبون فى تطبيق متطلباتها وهى أن يترك الأمر للشعب لاختيار ممثليه فى البرلمان بعد أن تحقق ما طلبتم به من ضمانات لسلامة الانتخابات وضمان نزاهتها وشفافيتها؟ *** لقد صدر القانون وأصبح أمرا واقعا ولابد من التعامل معه.. خاصة أنه خفض سن الترشح إلى 25 عاما ليعطى الفرصة للشباب للمشاركة السياسية الأوسع وإمكانية دخول الانتخابات والنجاح فيها وتمثيل مواطنيهم فى البرلمان، كما أنه أتاح الفرصة للمصريين غير المنضمين للأحزاب للمشاركة فى الحياة السياسية، فضلا عن الحفاظ على حقوقهم الأساسية فى الانتخاب والترشح. أما حجة عدم التعرض لمسألة تصويت المصريين فى الخارج.. فمدى علمى أن الجهات المعنية انتهت من الناحية الفنية للاستعداد لذلك وتم الاتفاق على تفويض السفراء المصريين فى الخارج على الإشراف على الانتخابات.. ولكن اتضح أن هناك عقبات سياسية تتعلق بموافقة الدول التى يقيم على أرضها المصريون فى الخارج.. فبعضها تحفظ وبعضها رفض الموافقة أو السماح بذلك!