اعتقد البعض أنه بأداء د. عصام شرف اليمين أمام المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمرة الثانية خلال أربعة أشهر فقط أن الأمور ستستقر وأن الأوضاع ستكون «عشرة على عشرة»، وأن التعديل الوزارى الأخير سيكون نهاية المطاف، وسينام د.عصام شرف قرير العين مطمئن الفؤاد، وأن الميدان سيهدأ ويبدأ التفرغ والإعداد لمرحلة العمل والبناء، إلا أنه كما يقولون - تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن. .. ولكن تبين أننا كنا نأكل «رز مع الملايكة» لأن استقرار الأوضاع - كما يؤكد المشهد السياسى الآن - ضرب من الخيال، بعد أن ثبت بالدليل القاطع أن د. شرف مازال يعيش بين نارين.. نار ميدان التحرير التى تشتعل يوماً بعد يوم، ونار المسئولية الملقاة على عاتقه والتى ساقته أخيراً ليكون نزيلاً فى مستشفى دار الفؤاد مصاباً بوعكة صحية إلى أن خرج سليماً معافى ليشارك فى احتفالات الدفعة 105 لطلبة الكلية الحربية ليقضى تماماً على شائعة استقالته التى روّج لها البعض «لإشاعة» الفوضى أو ربما لحاجة فى نفس يعقوب. وبدأت الأزمة عندما تعالت صيحات بعض القوى السياسية مطالبة بإسقاط الحكومة، ورفض التعديل الوزارى، وتشكيل مجلس رئاسى يتولى شئون البلاد فى المرحلة القادمة مع أن المدة المتبقية على الانتخابات البرلمانية والرئاسية لن تزيد على 3 أشهر. فيما اقترحت بعض الائتلافات تشكيل مجلس لحماية الثورة من حكومة د. شرف لأنها التفت - من وجهة نظرهم - على مطالب الثورة، وقالوا فى بيان لهم: إن شرف يناور الآن للقفز على مكتسبات الثورة، وأنه يسعى لإجهاضها، والتحضير لثورة مضادة..!! وهو كلام يثير العجب أكثر مما يثير الغضب..! وطالب اتحاد شباب الثورة على لسان عصام الشريف عضو المكتب التنفيذى باستقالة حكومة شرف بالكامل، رافضاً سياسة الترقيع التى ينتهجها رئيس الحكومة الحالى لامتصاص غضب ثوار التحرير، ودعا إلى إنشاء حكومة ثورية تمثل كل أطياف الشعب، وإنشاء محكمة تابعة للثورة، شبيهة بمحكمة «الغدر» أيام الخمسينيات والستينيات لتطهير البلاد من رموز النظام السابق، مع إلغاء قانون تجريم الاعتصام وقانون الطوارئ والمحاكمات العسكرية لعدم قبولها درجات الاستئناف والنقض - على حد قوله - مع أن المجلس العسكرى قرر مؤخراً أن المحاكمات العسكرية مخصصة لردع البلطجية وجرائم الاغتصاب وحماية الأمن القومى. وفى نفس السياق فقد سجلت بعض القوى السياسية اعتراضها أو عدم رضاها عن «تشكيلة» الحكومة الجديدة بدعوى أن بعض وزرائها كانوا قريبى الصلة بأركان النظام السابق أو أن لهم علاقات مشبوهة مع اللوبى الصهيونى مما زاد من حدة الاحتقان فى الشارع السياسى، وارتفاع وتيرة الجدل بين القوى السياسية وائتلافات شباب الثورة. وقد طالب أحمد عبد الموجود عضو أحد الائتلافات بإقالة الوفدى الكبير د. على السلمى وزير التنمية الإدارية فى بداية الثمانينيات ونائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطى ووزير قطاع الأعمال العام فى حكومة د. عصام شرف الجديدة على أن يحل محله د. حسام عيسى أستاذ القانون الدولى وعضو لجنة استعادة أموال مصر المنهوبة، والذى طالب مراراً وتكراراً بإقالة د. جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات بدعوى أنه المسئول عن فساد مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء والصناديق الخاصة فى الداخلية. كما اعترضت بعض القوى السياسية على تولى د. محمد عبدالفضيل القوصى حقيبة وزارة الأوقاف، وأسامة هيكل وزارة الإعلام، ومعتز خورشيد فى التعليم العالى لكونه كان عضواً فى أمانة السياسات، كما زادت حدة الاعتراض على استمرار د.حسن يونس فى وزارة الكهرباء لتراخيه فى دعم محطة الضبعة النووية، وعلاقته القوية بنظام مبارك، كما اعترض معتصمو التحرير على المهندس محمد عبد الله غراب وزير البترول لعدم اتخاذه موقفاً حاسماً فى شأن تصدير الغاز لإسرائيل، ورفضوا استمرار فايزة أبوالنجا فى وزارة التعاون الدولى لموافقتها على توظيف أموال المعونات فى خدمة مبارك والدعاية للحزب الوطنى وانتخابات مجلس الشعب السابقة مع أن الوزيرة رفضت مؤخراً بعض المنح الأوروبية والأمريكية المشروطة والتى تمثل تدخلاً لتلك الدول فى الشأن الداخلى المصرى، كما رفضت الوزيرة أيضاً حصول أى منظمة أهلية على معونات أوروبية أو أمريكية دون علم الحكومة المصرية، وذلك بعد أن رصدت بعض الأجهزة المعنية حصول 28 منظمة أهلية وحقوقية على 42 مليون دولار أمريكى بعد الثورة، بدعوى دعم الديمقراطية فى مصر من وراء ظهر الحكومة المصرية. أما الاعتراض الأكبر فكان ولايزال - على د. أحمد البرعى وزير القوى العاملة حيث تحركت جموع غفيرة من اتحاد العمال للمطالبة بإقالة الوزير لدعمه اللامتناهى للكيانات العشوائية والمستقلة على حد زعمه، وإصراره على تمرير قانون الحريات النقابية دون مراعاة اتحاد العمال أو وحدة العمل النقابى. كما اتهم اتحاد العمال د. البرعى على لسان الوزير السابق إسماعيل فهمى بضلوعه فى تسريح العمالة وتصفية الشركات وتفاقم مشكلة المعاش المبكر وبيعه شركة الأهرام للمشروبات، وعلاقته القوية بالمنظمات الأمريكية المشبوهة أثناء فترة عمله فى الأممالمتحدة والجامعة الأمريكية والتى ظل مستشاراً لها لمدة 20 عاماً. وفى نهاية المطاف طالبت مؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان والتحالف المدنى للحرية ومراقبون بلا حدود بإنشاء حقيبة وزارية جديدة لحقوق الإنسان على أن يتولى مسئوليتها د. محمد فائق وزير الإعلام الأسبق وترشيح محسن عوض ونجاد البرعى وبهى الدين حسن وعبدالله خليل نواباً له، كما انتقدت مؤسسات أخرى د.شرف لتغاضيه عن إعادة هيكلة المجلس القومى للمرأة، والاكتفاء بوجه نسائى واحد هو د.فايزة أبوالنجا عند تشكيل الحكومة الجديدة. وكان د. عصام شرف قد أدى اليمين الدستورية أمام المشير محمد حسين طنطاوى بعد الانتهاء من التشكيل الوزارى الذى ضم 27 وزيراً منهم د.على السلمى الذى حمل حقيبة وزارة قطاع الأعمال العام بالإضافة إلى كونه نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطى، بالإضافة إلى د. حازم الببلاوى الذى تحمل مسئولية وزارة المالية مع منصب نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية. وكان د. عصام شرف قد صرح مؤخراً بأن هناك بعض الجهات تضع عراقيل فى أداء عمله لرئاسة الوزراء، ولا ترغب لمصر خيراً مضيفاً أن الذى يشجعه على العمل ويدعوه للصبر هى تلك الأصوات الداعمة لكل القرارات التى يتم اتخاذها لصالح مصر أولاً وأخيراً.