اسمحوا لى أن أسبح ضد التيار، وأن أغرد خارج السرب وأنا أتابع قراءتى للمشهد السياسى الراهن فى مصر.. أسبح ضد تيار النفاق للثورة والثوار، وأغرد خارج سرب المنافقين الذين يوهمون الجميع بأنهم من أشد مؤيدى الثورة وهم بنفاقهم من ألد أعدائها.. فتعالوا نسأل أنفسنا بصدق فى لحظة صراحة مع النفس: أى مصلحة تحققها الثورة والثوار فى تعطيل مصالح البلاد والعباد بإغلاق ممر ملاحى دولى كقناة السويس، أو إغلاق مجمع التحرير فى وجوه أصحاب المصالح والحاجات..؟! وأى فائدة تحققها الثورة والثوار بالتهديد بتعطيل مترو الأنفاق، أو بقطع الطرق بين المحافظات..؟! و اذا كنا جميعاً نحترم الحق فى التظاهر السلمى والاعتصام وكافة أشكال التعبير عن الرأى، ولا نجادل فى حق الثوار وأهالى الشهداء فى الاعتصام بميدان التحرير وفى الميادين الرئيسية الأخرى فى السويس والإسكندرية وغيرها للإسراع فى القصاص من قتلة الشهداء فإن من حقنا أن نتساءل: وهل يتحقق هذا الهدف النبيل المشروع بالعصيان المدنى لشل الحياة فى مصر كلها..؟!! وإذا كنا جميعاً، أيضاً، نعترض وبقوة على تصدير الغاز المصرى للعدو الصهيونى بأبخس الأثمان، لكن من حقنا أن نتساءل أى مصلحة للثورة والثوار فى تدمير خط الغاز الذى يمر بالأراضى المصرية، للمرة الرابعة، وهو الخط الذى دفع تكلفته المصريون من «دم قلوبهم»..؟! إننى لا أزايد على أحد إن قلت إن الشرفاء والنبلاء الذين يعتصمون الآن فى ميدان التحرير هم الأصحاب الحقيقيون للثورة، وليس الذين ركبوا الموجة.. وزادوا من نبرة النفاق والمزايدة على اعتبار أنهم ثوار أكثر من الثوار..! فالثوار الحقيقيون وضعوا أرواحهم على أكفهم، وكل واحد منهم هو مشروع شهيد من أجل الحق والعدل وتحقيق مستقبل أفضل لمصر والمصريين.. أما من يحاولون التخريب وتعطيل مصالح البلاد والعباد فهؤلاء لا يمكن أبداً أن يكونوا ثواراً؛ لأن الأهداف النبيلة لا تتحقق إلا بوسائل نبيلة.. وإذا كان البعض قد انتقد الشدة التى ألقى بها اللواء محسن الفنجرى- مساعد وزير الدفاع - بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة مساء يوم الثلاثاء، والذى يعد من أهم وأخطر البيانات بعد البيان رقم واحد، فإننا هنا يجب أن نفرق بين أمرين عند القراءة المتأنية للبيان.. نفرق بين الموقف الثابت للمجلس فى دعم الثورة والثوار واحترام مطالبهم المشروعة، وبين تهديد المجلس العسكرى ووعيده للبلطجية والخارجين على الشرعية، والذين يحاولون الانقضاض على السلطة.. وفى تقديرى أن الخلط بين الأمرين ليس أمراً مستغرباً فقط، لكنه مستهجن أيضاً؛ لأن عبارات البيان واضحة وضوح الشمس، ولا تقبل أى لبس أو تأويل. فالفنجرى الذى نال إعجاب المصريين جميعاً عندما ألقى بتحية عسكرية نموذجية، كما يقول الكتاب، تحية لشهداء الثورة، لم يكن من الممكن أن يلقى بنفس التحية وهو يشدد على أن القوات المسلحة لن تسمح بالقفز على السلطة، أو تجاوز الشرعية لأى من كان.. وهى إشارة من جانب المجلس للشعب كله إلى أن هناك محاولات من جانب بعض الجهات الداخلية، وقد تكون الخارجية أيضاً، لاغتصاب السلطة أو لإجهاض الثورة.. وهذا الكلام ذكره المجلس العسكرى فى أكثر من مناسبة من قبل.. ولا أدرى لماذا لا نصدق أن هناك أيادى خفية داخلية وخارجية تتآمر على مصر وتريد أن تجعلها أسيرة للحظة الراهنة والتى تتسم بالارتباك والحيرة وعدم الاستقرار..؟! بالتأكيد لم يكن من المقبول أن يتحدث الفنجرى بالحسنى واللطف وهو يؤكد، أو يهدد، بأنه سيتم اتخاذ كافة الإجراءات لمجابهة التهديدات التى تحيط بالوطن.. فلا يوجد عاقل استمع إلى البيان وقرأ ما بين سطوره جيداً، يمكنه أن يعتبر ما قاله الفنجرى، فى هذا الصدد، تهديداً للثوار، وإظهار «العين الحمرا» لهم، كما قالت بعض الصحف، للأسف، فى عناوينها الرئيسية.. فمن الواضح من البيان، ومن المؤتمر الصحفى الذى عقده بعض أعضاء المجلس العسكرى مساء نفس يوم إعلان البيان، أن المجلس أظهر «العين الحمرا» نعم.. لكن للخارجين على القانون والشرعية.. أما الثوار فقد خاطبهم المجلس فى بيانه بما يثلج صدر كل مصرى وهو أنه سيتم إعداد وثيقة مبادئ حاكمة للدستور، لاختيار الجمعية التأسيسية لإعداد دستور جديد للبلاد، وأن الوثيقة سيتم إصدارها فى إعلان دستورى بعد اتفاق كافة القوى والأحزاب السياسية عليها.. كما أن البيان كان واضحاً كل الوضوح، وهو يؤكد على الاستمرار فى سياسة الحوار مع جميع القوى والأطياف السياسية وشباب الثورة، لتلبية المطالب المشروعة للشعب، وأن حرية الرأى مكفولة للجميع، فلكل مواطن الحق فى التعبير عن رأيه فى حدود القانون.. إننى لا أدافع عن المجلس العسكرى، ولا عن الحكومة، وبالتأكيد لا أهاجم الثوار.. لكننى أدعو الجميع إلى اليقظة والحيطة مما يحاك حولنا، وأن نحرص جميعاً على ألا تنحرف الثورة عن مسارها الصحيح والنبيل بسبب بعض الدخلاء؛ لأن فى مثل هذا الانحراف تضليل للشعب الذى ثار فى وجه الظلم والفساد والاستعباد، وهو أيضاً خيانة لدماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم الغالية الطاهرة.. «علشان مصر تعيش»!