يعتقد البعض خطأ أن ما يشهده المجتمع حاليا من «سيولة» سياسية وانفلات أمنى سبباً لمخالفة القوانين السارية، وابتداع منظمات أو تشكيلات وهمية جديدة لايساندها الواقع أو المنطق.. ويبدو أن نقابة الصحفيين أصبحت هدفا لبعض المقامرين الذين يحظون بمساندة من بعض أعضاء الحكومة بحجة ما يسمى بالتعددية النقابية والتى لم تعرفها مصر طوال تاريخها الطويل فالنقابة العريقة والتى مضى على تأسيسها أكثر من 70 عاما تتعرض حاليا لهجمات متتالية وكأنها أحد فلول النظام السابق. مع أن العكس هو الصحيح، حيث كانت تفتح أبوابها لمعارضى النظام، فضلاً عن سلالمها الشهيرة والتى تحولت إلى ما يشبه «الهايد بارك» لكل صاحب رأى أو مظلمة بجانب تعرض الكثير من أعضائها للحبس والتنكيل. لقد تعرضت النقابة للكثير من محاولات الاختراق والتفتيت لعل اشهرها الهجمة الشرسة التى شنها الرئيس السادات واصفا أعضاءها بالأفندية موجها بتحويلها إلى نادِ ولكن الله سلم وقتها، ثم محاولات وزير الإعلام الأسبق إدخال العاملين باتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى عضوية النقابة فى محاولة للسيطرة عليها ولكن المحاولة فشلت أمام إصرار الصحفيين على الرفض، ولكنه لم ييأس خاصة بعد أن أصبح رئيسا لمجلس الشورى، حيث دفع وبالتعاون مع قيادة صحفية سابقة أحد الأشخاص لتأسيس نقابة موازية للصحفيين واتضح أن هذا الشخص متهم فى عدة قضايا نصب.. وقبض عليه وحبس. والآن.. وبعد الثورة وبعد أن رفع أحد الوزراء شعار التعددية النقابية.. وجدنا من يطالب بإنشاء نقابة أخرى للعاملين بالصحف الالكترونية أى التى تصدر على شبكة الإنترنت.. وقد يكون عندهم بعض الحق.. لأن أغلبهم فعلا صحفيون محترفون، وبعض المواقع التى يعمل بها هؤلاء كثيرا ما تحقق سبقا صحفيا تتفوق به على الصحف المطبوعة، فضلا عن أنها أصبحت مصدر أخبار للصحفيين الآخرين! ولكن المشكلة بدأت عندما طالب البعض - ممن لا يعملون فى الصحافة - بإنشاء نقابة مستقلة للصحفيين.. بل هناك من تقدم بأوراق لوزارة القوى العاملة لتأسيس تلك النقابة وبالطبع كانت هناك موافقة وتشجيع من وزير القوى العاملة، مع أنه لو سأل أحد معاونيه لعلم أن هناك نقابة موجودة بالفعل للعاملين بالصحافة.. اسمها النقابة العامة للعاملين بالصحافة والطباعة والنشر وتضم كل العاملين فى الصحافة بما فيهم الصحفيون أعضاء النقابة العامة للصحفيين، وإذا كان الوزير قد أوضح أن النقابة الجديدة نقابة عمالية وليست مهنية فماذا عن النقابة القديمة للعاملين بالصحافة.. أليست نقابة عمالية أيضاً؟ لقد كنت ومازلت احترم د. البرعى لأنه كان أستاذى بكلية الحقوق ودرست على يديه التشريعات التعاونية وغيرها.. ولكن يبدو أن العمل السياسى أو كرسى السلطة قد تدفع البعض «لافتكاسات» جديدة لا يعرفها القانون ويرفضها المجتمع، فمصر لم تعرف طوال عمرها سوى ما يسمى بوحدة العمل النقابى، بمعنى أن كل طائفة لها نقابة واحدة تضم العاملين فى ذات المهنة طبقا لشروط عضوية معينة، فلدينا مثلا نقابة المحامين وكذلك الأطباء والممثلين والمهندسين وغيرهم من فئات المجتمع المختلفة الذين ينضمون جميعا تحت لواء نقابة واحدة ووحيدة. ولكن الوزير - أستاذ القانون - ومنذ أن تولى منصبه يرفع شعار تعدد العمل النقابى أى لا مانع من وجود أكثر من نقابة لفئة واحدة.. لماذا؟ لا أحد يفهم فلا القانون ولا العرف يساند الشعار الجديد للوزير.. ومن ثم ستشهد فئات المجتمع المختلفة ما يشبه «الحرب الأهلية» فيما بينهم، فاليوم الصحفيون وغدا المهندسون، ومن بعدهم الأطباء والمحامون وهلم جرا..! فهل نحن نعمل على استقرار المجتمع وإعادة البناء أم نبحث عما يسبب الخلاف والفرقة بين أبنائه خاصة المهنيين منهم والذين يعدون قادة الرأى والفكر فيه؟ الحقيقة لا أعلم دوافع الوزير هل تصفية حسابات مع قادة اتحاد العمال والذين رفضوا تعيينه وزيرا أم أنها مجرد وجهة نظر يجوز الاختلاف معها ومعارضتها؟! ألا يعلم السيد الوزير أن الصحفيين يعانون من ازدواجية مقيتة بين النقابة وما يسمى بالمجلس الأعلى للصحافة، حيث حاول الأخير سحب البساط من تحتها بدعوى «تدريب الصحفيين ورفع كفاءتهم المهنية».. فضلا عن اغتصاب وظيفة النقابة الأساسية فى حماية العمل الصحفى وكفالة حقوق الصحفيين وضمان أدائهم لواجباتهم. فطبقا للقانون 76 لسنة 1970 والذى ينظم الوضع الحالى للنقابة كشخصية معنوية.. من أهم أهدافها الأساسية العمل على الارتقاء بمستوى المهنة والمحافظة على كرامتها والذود عن حقوقها، ورفع المستوى العلمى والفكرى لأعضاءها، وضمان حرية الصحفيين فى أداء رسالتهم وكفالة حقوقهم! ألا يعلم الوزير وهو أستاذ التشريعات كل ذلك حتى يساعد بعض المغامرين على إنشاء نقابة «مستقلة» للصحفيين؟ ثم ما معنى نقابة مستقلة؟ هل تنشأ بدون قانون أو قواعد.. أم أنها نقابة «وسط» لا هى عمالية ولا هى مهنية! فالكل يعلم أن هناك ما يسمى بحكومة وأهالى، وعام وخاص، وشرعى وغير شرعى، فمن أين يأتى هذا المسمى الجديد «الاستقلال»؟ واستقلال عن ماذا؟ وما هو سنده؟ *** نعم لدينا مشاكل مع قانون النقابة الحالى وعملنا - كمجالس متتالية للنقابة - على تغييره ومازلنا نعمل على ذلك، فالقانون صدر عام 1970 أيام الاتحاد الاشتراكى العربى. ومن ثم أعطى له اختصاصات كثيرة اختفت وقضى عليها بعد حله، ولكنها مازالت نصوصا قانونية قائمة! ثم لدينا مشكلة أيضا فى شروط العضوية بالنقابة والتى لا تستلزم سوى الاحتراف والتفرغ والحصول على مؤهل عال وأن يكون حسن السير والسلوك ولم يسبق الحكم عليه فى جناية أو جنحة مخلة بالشرف والأمانة ولكننا نصطدم عند القيد بجداول النقابة - لأول مرة - بنصوص قانون الصحافة رقم 148 والذى اشترط أن تكون الصحف الخاصة فى صورة شركات مساهمة او تتخذ شكل التعاونيات، مع أن هناك بعض الصحف الخاصة مثل المال والعالم اليوم وغيرهما أكثر توزيعا وتأثيرا من صحف قومية وحزبية.. المرتجع منها أكثر من المطبوع. كما أن بعض الزملاء فى مجالس النقابة المختلفة كانوا يمارسون - ومازالوا - عملهم النقابى وعينهم على الانتخابات المقبلة وهو ما كان يفقد بعضهم الحيدة والمصداقية والجرأة فى اتخاذ القرار والمواقف النقابى السليم. *** والمعنى أن لدينا مشاكل مع القانون وفى الممارسة النقابية.. ولكن الحل يجب ألا يكون بتفويض النقابة أو تفتيت العمل النقابى! وسنظل نهتف بالشعار المعروف (عاشت نقابة الصحفيين.. قوية.. حرة.. موحدة).