فيلم «صرخة نملة» الذى كتبه «طارق عبد الجليل» وأخرجه «سامح عبد العزيز» هو ثانى الأفلام التى تنتهى بمشاهد الثورة المصرية فى 25 يناير بعد فيلم «الفاجومى» وهو أيضاً ثانى الأفلام التى تعانى مثل «الفاجومى» من مشكلات فنية تجعل مشاهد الثورة مجرد إضافات شكلية، بل إن «صرخة نملة» لديه مشكلتان: مشكلة فنية حيث قدم مزيجاً تقليدياً بين الكوميديا والميلودراما العتيقة التى استهلكتها أفلام الأبيض والاسود المصرية، ومشكلة سياسية إذ إن الفيلم لا يتحدث عن الإنسان الذى أشعل الثورة، ولكن عن إنسان مسحوق تماماً على كل المستويات، بل إنه فى رأى مؤلف الفيلم إنسان «ميت» لا يشعر بما يحدث له، إنسان أقصى طموحه أن يصرخ ويهرول للشكوى إلى الفرعون، فكيف يمكن أن ينتهى فيلم كهذا بمشاهد ثورة عاصفة تكاد تتناقض مع رأى الفيلم فى الشعب الذى تتحدث عنه؟! يتعامل «صرخة نملة» مع الفكرة المعروفة وهى «عودة مواطن» إلى مصر بعد غياب ليكتشف بقايا وطن. «جودة المصرى» لاحظ الدلالة المباشرة للاسم- يعود بعد 10 سنوات من العراق، وقد أمضى منها 6 سنوات مسجوناً تحت الاحتلال الأمريكى ليجد كل شىء قد تغيّر تماماً، زوجته وابنه الوحيد «مصرى» - لاحظ من جديد سذاجة الدلالة?- قد اختفيا، واخته الوحيدة قد تزوجت شخصاً مخدَّراً طوال الوقت، وأبراج عالية قد أقيمت حول المنطقة العشوائية التى يقيمون بها، أما الزوجة فقد احترفت الرقص- مثل أفلام الأربعينيات- فى مصر ثم فى الخليج، وأما أخت الزوجة فهى تبيع نفسها للسياح العرب بما يشبه زواج المتعة، يعمل «جودة» أولاً فى مقهى عشوائى، ثم يقرر أن يذهب للحصول على الصكوك التى أعلنوا عنها فى مصانع شبه مفلسة، ثم يرفع قضية على رئيس الجمهورية يطالب فيها بإلغاء نتائج استفتاء تم تنظيمه لتبرير بيع شركات القطاع العام، يتعرض «جودة» للتعذيب، ثم يتورط مع عضو مجلس شعب فاسد استخدمه كغطاء لعملياته التجارية، فجأة تقوم الثورة، وفجأة نرى «جودة» وهو يذهب إلى موكب الرئيس «بعد 25 يناير؟!» ليشكو من الفساد فيحصده الرصاص فى الوقت الذى يكتشف فيه أن سيارة الرئيس لا يوجد بها أحد، ويختتم الفيلم صرخته بمشاهد لثوار التحرير وموقعة الجمل على صوت قصيدة للشاعر «هشام الجخّ»!! لن نعرف عن «جودة» الذى لعبه «عمرو عبد الجليل» سوى أنه كان يعمل فى العراق بمحل أدوات كهربائية، ولكنه يتحول فجأة إلى صاحب قضية سياسية لإلغاء الاستفتاء، ورغم أن الفيلم يتحدث عن دولة بوليسية تُنتهك فيها الحريات، ويتحول فيها الإنسان إلى «نملة» بالمعنى الحرفى، كما أنها دولة تباع قطعة قطعة بما فى ذلك المقابر، فإن الفيلم يتحدث أيضاً عن شعب مات بالفعل، وتتردد بوضوح عبارة «الله يرحمك يا مصرى»، بل إن «جودة» يقترح على المحامى أن يدفع ببطلان الاستفتاء لأن الشعب مات، ثم يتهم الذين ذهبوا للتصويت بعدم الأهلية! لم يستطع أداء «عمرو عبد الجليل» وحضوره الفائق ولا اجتهاد رانيا يوسف وأحمد وفيق ويوسف عيد وحمدى أحمد وسلوم حداد إنقاذ المؤلف، ورغم تميز الديكور والموسيقى والتصوير إلاّ أنه من المضحك أن ينتهى فيلم عن شعب ميت بثورة عظيمة!!