تؤرقنى جدا هذه الأيام صحة الرئيس المخلوع من شعبه، لسبب آخر بعيد عن كم هذا التضارب والتهويل والأكاذيب التى تحاك عنها من قبيل احتضاره واكتئابه وهزاله وارتعاشه وبكائه، وكل تنويعات هذه المعزوفة الموجعة التى يتغنى بها ببراعة كورس التضليل والتدليس المرتبط بجوقة الفساد والفاسدين.. وأرقى يجىء من تلك العلاقة- المريبة- التى صارت نصب العين وملء السمع ولا يمكن إنكارها أو تجاهلها بين حال الصحة ودوام تحسنها وتألقها، وبين المناصب والسلطة والبقاء على مقاعدها.. فالحاصل الآن يوحى أن وجود الأولى ولتكن الصحة مرهونة ببقاء الثانية وهى السلطة، أو أن زوال واحدة منهما مؤشر ضرورى على اختفاء الثانية.. وإلا فبماذا نفسر أن الرجل الذى كان لا يهدأ من الحركة ذهابا وإيابا وصعودا وهبوطا فى سفر وتنقل إلى دول بعينها معظم الوقت رغم سنوات عمره الطويلة، أو الدوران والجرى وراء افتتاح وتدشين مشاريع خاصة ومعينة هنا وهناك، والذى قيل إن المحيطين به والمقربين منه كانوا يتعبون من محاولة اللحاق به وبحركته.. فهذا الرجل ما إن أريح وخلع من على كرسى السلطة حتى رحنا نسمع عن كل هذه الانهيارات الصحية المفاجئة، ونفس الحالة تنطبق على الست الزوجة والأبناء وشلة العصابة التى ما إن زال هيلمان سطوتهم حتى انهارت صحتهم وتضعضعت قواهم الجبارة.. وماذا نقول لمن صدعونا إن صحة الرجل «زى الفل» ويجب أن يرشح نفسه لفترة قادمة حتى لو بلغ المائة عام. ومادام أنه قادر على الفعل والتصرف خاصة أن أهم ما كان يميز مبارك طوال سنواته السابقة هو قوته البدنية وبنيانه الجسمانى المتين ومحافظته على صحته ولياقته.. فكيف ينهار كل هذا فى أيام بمجرد خلعه من على سدة الحكم والرئاسة؟.. هذه المعادلة- بطرفيها الصحة والسلطة- تحتاج لتحليل وتفسير من أساتذة علم النفس وأطباء الصحة النفسية، حتى يفكوا لنا طلاسمها ويحلوا رموزها، ويوضحوا لنا هل هى متلازمة ضرورية ومتبادلة هكذا فى المطلق وفى كل المناصب، أم أنها تختص بفئة بعينها ولمناصب لذاتها ولأسباب وظروف خاصة.. أما الكلام عن عدم القدرة أو الاستطاعة على محاكمة مبارك الآن إلا بعد أن تتحسن صحته ويسترد عافيته.. فهذه معادلة أخرى بأطراف مختلفة تماما.