بصراحة.. لست مرتاحًا أبدًا لماسورة مؤتمرات الحوار التى انفجرت فجأة فى البلد، والتى أثارت وتثير حالة من الهرج والمرج.. مرة وفاق قومى.. وبعدها بيوم.. حوار وطنى.. وهى كلها ليست اسمًا على مسمى.. فالحوار غائب عن كل هذه المؤتمرات.. ونقاط الخلاف أكثر بكثير من نقاط الاتفاق.. وهى تحفل بالانشقاقات والانسحابات والخناقات والاعتراضات.. ولا أدرى من صاحب فكرة هذه الحوارات والتى لا تحقق أى هدف مرجو منها إلا إلهاء صفوة البلد ومفكريها وكبار مسئوليها عن القضايا الأهم فى هذه المرحلة الخطيرة التى تمر بها البلاد.. والغريب أن كل من شارك فى مؤتمر الحوار الوطنى الذى عقد - للأسف - تحت رعاية الحكومة، أجمعوا على أنه أسوأ ما حدث فى الفترة الأخيرة، وأنه حوار اضر ولم يفد بشىء؛ بسبب سلسلة الاشتباكات التى جرت بين أعضاء الحزب الوطنى المنحل وشباب الثورة. فما حدث - كما يرى الكثيرون - ليس حوارًا، وبالتالى لم يكن وطنيًا، وقد كان مثالا صارخا على إهدار الحكومة للمال العام فيما لا يفيد..!! وأنا شخصيا شاركت فى الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الوفاق القومى، يوم السبت الماضى، وليتنى ما شاركت.. فقد وجدت شجارًا وتنابزًا بالألقاب بين اثنين من أكبر فقهاء القانون الدستورى فى مصر والعالم وهما د. يحيى الجمل ود.ابراهيم درويش، وكاد زمام إدارة المؤتمر أن يفلت من يد د. الجمل، الذى بدا منفعلا جدًا وهو يؤكد لدرويش أنه هو السبب فى دعوته للمؤتمر، لأنه صديقه، وأنه حاول الاتصال به على تليفونه المحمول لكنه لم يرد، وهنا انفعل د. درويش وهو يرد قائلا: إن الذى دعاه للمؤتمر هو رئيس المجلس العسكرى.. وأنه حاول الاعتذار عن عدم الحضور لكن كان هناك إصرار على حضوره، وقال إنه من العيب أن كل دول العالم تستعين بخبراته ولا تستعين به بلده مصر.. وضاع الحوار فى مشادة ما أنزل الله بها من سلطان.. محورها «ماقال لى وقلت له».. هذه مجرد عينة من الحوار الذى يدور فى مؤتمرات الحوار، وهى بالتأكيد لا تفيد أحدًا لا على المستوى «القومى» ولا على المستوى «الوطنى». وليت الحكومة بدلا من إضاعة الوقت والجهد والمال فى تنظيم مؤتمرات للحوار لاتفيد أحدًا، بل تضر، أن تنظم ولو مرة واحدة مؤتمرًا اقتصاديًا يشارك فيه الخبراء من مختلف الأحزاب والتيارات على غرار المؤتمر الذى عقد فى فبراير من عام 1982، للبحث عن مخرج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى نعيشها، والتى تحكم خناقها علينا يوما بعد يوم.. فمصر تخسر يوميا 40 مليون دولار، أى حوالى ربع مليار جنيه، فى قطاع السياحة وحده يوميًا، نعم يوميًا، والاحتياطى النقدى تراجع إلى 28 مليار دولار فقط، وعجز الموازنة يرتفع لمعدلات غير مسبوقة، ومعدل النمو لن يزيد على ما بين 1 إلى 2%. أما معدل الفقر فحدث ولا حرج.. فهو يقترب حاليًا إلى نسبة 70%، ووصول الدين العام إلى 1080 مليار جنيه تمثل 90% من إجمالى الناتج المحلى، مع أن المعدلات العالمية تقضى بألا يتجاوز معدل الدين العام 60% بأى حال من الأحوال. كما أن خسائر قطاع الصناعة تتراوح مابين 10 إلى 20 مليار جنيه، بسبب توقف معظم المصانع. كل هذا والحكومة مشغولة بتنظيم مؤتمرات للحوار والشجار.. والشباب مشغولون بدورهم بالمظاهرات المليونية.. لأسباب ما أنزل الله بها من سلطان. لقد تساءلت منذ أكثر من شهر فى مقال عن أوضاعنا الاقتصادية المتردية فى نفس هذا المكان.. «البلد رايحة على فين».. وما زال السؤال مطروحًا كما هو.. وأتمنى أن تجيب عنه حكومة د. شرف.. هى البلد فعلاً رايحة على فين..!!