من المؤكد أن يوم الجمعة الماضى كان يوماً مختلفاً فى حياة مصر والمصريين وكل شعوب ودول العالم، ففى بيان مقتضب وسريع وكلمات لم يبلغ عددها أكثر من ست عشرة كلمة أعلن السيد عمر سليمان مساء يوم الجمعة الماضى البيان الرئاسى الذى قال: “قرر الرئيس مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلّف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد”. بهذا البيان انتقلت مصر من عهد إلى عهد ولم يعد الرئيس حسنى مبارك رئيساً للبلاد، وانتقلت السلطة للقوات المسلحة المصرية، وهى المؤسسة التى أقسمت على حماية البلاد وتحظى - لدورها الوطنى - باحترام وتقدير وثقة الجميع، وجاء موقف القوات المسلحة منذ صدور بيانها الأول انطلاقاً من مسئولياتها بحماية الشعب ورعاية مصالحه وأمنه وحرصاً منها على سلامة الوطن والمواطنين ومكتسبات شعبنا وممتلكاته وتأييداً لمطالب الشعب المشروعة. انتقال السلطة وضع قواتنا المسلحة أمام مسئولياتها الوطنية والتاريخية، وأدرك المجلس الأعلى للقوات المسلحة مدى جسامة هذه المهمة وخطورتها، وهو أمام جماهير تطالب بإحداث تغييرات جذرية، متطلعاً لتحقيق كل آمال الشعب المصرى. لقد كان البيان رقم (3) هو بيان المسئولية وبيان طمأنة الجميع، فقد أوضح أن المجلس مع تحمله المسئولية واستعداده لاتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير لتسيير الأمور فى البلاد فإنه فى نفس الوقت لن يكون بديلاً عن الشرعية التى يرتضيها الشعب ويختارها المواطنون، وتقدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بكل التحية والتقدير للسيد الرئيس محمد حسنى مبارك على ما قدمه فى مسيرة العمل الوطنى - حرباً وسلماً - وعلى موقفه الوطنى فى تفضيل المصلحة العليا للوطن، فى إشارة لقراره التاريخى بتخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وفى إشارة أخرى مهمة فقد وجه المجلس التحية والإعزاز لأرواح الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداء لحرية وأمن بلدهم ولكل أفراد الشعب. وفى مشهد لن تنساه الذاكرة الشعبية أدى المتحدث الرسمى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة التحية العسكرية لأرواح الشهداء. خطا المجلس الأعلى للقوات المسلحة خطوات متقدمة فى مهمته الجديدة مدركاً للظروف التى تمر بها البلاد والأوقات العصيبة التى مرت على الوطن ووضعت مصر وشعبها فى مفترق طرق، وفرضت على الجميع الدفاع عن استقرار مصر والحفاظ على ما تحقق لأبنائه من مكتسبات، ورأى - وهو على حق - أن المرحلة الراهنة تقتضى إعادة ترتيب أولويات الدولة على نحو يحقق المطالب المشروعة لأبناء شعبنا ليجتاز الوطن هذه الظروف. لقد أوضح البيان الرابع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة - بإدراك عميق لدوره - أن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً لحرية الفرد فحسب ولكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة فى نفس الوقت، وهذا يعنى إيمان المؤسسة العسكرية بالشرعية الدستورية واحترامه لاختيارات الناس وأن القانون هو سيد الجميع ومنه تأتى الضمانات الكاملة لحريات المواطنين وتأتى منه أيضاً شرعية أى حكم أو سلطة، فلا شرعية تفرض بالقوة، ولا حرية لا يضمنها القانون. أعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة التزامه الجاد والصارم بكل ما ورد فى بياناته السابقة وأعرب عن ثقته بقدرة مصر ومؤسساتها وشعبها على تخطى المرحلة الدقيقة الراهنة، وناشد كافة جهات الدولة الحكومية والقطاع الخاص بالقيام برسالتهم السامية والوطنية لدفع الاقتصاد إلى الأمام وطالب شعبنا بتحمل مسئولياته. واعتبر المجلس الحكومة الحالية برئاسة السيد أحمد شفيق حكومة تسيير أعمال وكذلك المحافظون. وشدد على تطلعه لانتقال سلمى للسلطة فى إطار نظام ديمقراطى حُر يسمح بتولى سلطة مدنية منتخبة حكم البلاد وبناء الدولة الديمقراطية الحرة، معلناً فى نفس الوقت أن مصر كجمهورية ودولة تلتزم بكافة الالتزامات والمعاهدات الإقليمية والدولية، مناشداً شعبنا التعاون مع إخوانهم وأبنائهم من رجال الشرطة المدنية من أجل أن يسود الود والتعاون. وأهاب برجال الشرطة الالتزام بشعارهم «الشرطة فى خدمة الشعب». حدد المجلس الأعلى للقوات المسلحة فترة تسيير أمور البلاد لمدة ستة أشهر وتولى رئيس المجلس المشير حسين طنطاوى تمثيل المجلس والبلاد داخلياً وخارجياً والتحدث باسمها خلال هذه الفترة وحق المجلس إصدار مراسيم تحمل صفة القوانين وتعديل بعض مواد الدستور. والأهم من ذلك تلك الخطوات التى نالت استحسان الشارع المصرى وخصوصاً فيما يتعلق بتعطيل العمل بأحكام الدستور الحالى وحل مجلسى الشعب والشورى. بهذا الإعلان الدستورى المهم طويت صفحة فى الحياة السياسية المصرية وبدأت صفحة أخرى، من المؤكد أنها ستكون معبراً لصفحات أخرى، باعتبارها ستشكل ملامح المستقبل لمصر وشعبها. لقد مرت مصر بظروف عصيبة، لكن لها جوانبها العظيمة والمبهرة وحتى يتم الانتقال منها وعبورها والحديث من المستقبل وصناعته ينبغى الاعتراف أولاً بأن البلاد مرت بظروف طارئة وقامت قواتنا المسلحة بحماية أبناء شعبنا العظيم الذين رفعوا شعارات شريفة وطالبوا بحقوق مشروعة، لا يمكن تحقيقها إلا فى ظروف مواتية ومناخ هادئ، لتهيئة المناخ لمرحلة ديمقراطية حقيقية ودعم جهود المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتحقيق كافة طموحات وتطلعات المواطنين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولهذا طالب المجلس كل المصريين الشرفاء بالعودة للحياة الطبيعية وتكاتف كل فئات الشعب وعدم الإضرار بأمن البلاد وإرباك كافة مؤسسات ومرافق الدولة والتأثير السلبى على القدرة فى توفير متطلبات المواطنين وتعطيل حركة الإنتاج والعمل ومصالح المواطنين والتأثير السلبى على الاقتصاد الوطنى وإعطاء الفرصة لعناصر غير مسئولة للقيام بأعمال غير مشروعة. لقد أعلن المجلس الأعلى إيمانه بمطالب وحقوق كل فئات شعبنا وتقديره لما تَحمّله أبناء الشعب لفترات طويلة لكنه يأمل من الجميع تهيئة المناخ المناسب لإدارة شئون البلاد فى هذه الفترة الحرجة إلى أن يتم تسليمها إلى السلطة المدنية الشرعية والمنتخبة من الشعب لتتولى مسئولياتها لاستكمال مسيرة الديمقراطية والتنمية. *** إذن فالجيش المصرى بما يمثله من معانٍ ورمز فى وجدان المصريين، يعلن ويؤكد بوضوح أن مهمته محددة ومؤقتة وأنه لا يطلب السلطة ولا يسعى إليها ولا يتمنى الاستمرار فيها، فقد فُرض الوضع عليه وتحمل المسئولية بناء على هذه الأوضاع وهو يسعى لإنهاء مهمته بأسرع ما يمكن وأن يسلم الدولة إلى رئيس منتخب بصورة سلمية حرة تعبر عن توجهات الشعب. وبمعنى آخر إلى سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية منتخبتين انتخابا سليماً من جانب الشعب. لقد أعاد اللواء أركان حرب أحمد مختار الملا مساعد وزير الدفاع هذه المعانى فى لقائه مع رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء تحرير الصحف المصرية «قومية وحزبية وخاصة» وفى هذا الاجتماع الذى دام نحو ساعة وحضره اللواء أركان حرب عادل عمارة مساعد وزير الدفاع واللواء أركان حرب إسماعيل عتمان مدير إدارة الشئون المعنوية قال اللواء الملا، إن ثورة الشباب كانت ثورة نظيفة لها مطالب منطقية وطبيعة غير أن الخطير الآن هو ظهور بلطجية وقطاع طرق، ثم ظهر اتجاه جديد هو اضراب واعتصام بعض فئات من المواطنين وهذا من حقهم، لكن هل هذا وقته؟! والبعض يظن أنه عندما نطالب الناس بالعودة إلى العمل والإنتاج فإننا نخدعهم وهذا غير صحيح. ونقول ونؤكد أن ما كان يجرى قبل 25 يناير لن يعود. وتناول اللواء الملا الوضع الاقتصادى السيئ للبلاد والخسائر اليومية التى تترتب على تعطيل العمل عبر الاعتصامات والاحتجاجات. وقال: كيف نستطيع فى ظل هذا الوضع أن نتحدث عن القضاء على البطالة أو زيادة الحد الأدنى للأجور. وأضاف أن هذا ليس وقت تصفية حسابات أو تحقيق مكاسب أو الفوز بمناصب أو التسلق على أكتاف الآخرين فهو وقت مصر وعلينا جميعا الحفاظ على الوطن وروح هذا الشعب وأن نقضى على الإحباط ونزيل أسباب الاحتقان، فالكل الآن مصريون ونحن نناشد الجميع الحفاظ على البنية الأساسية والاقتصادية للمجتمع وتغليب المصلحة الوطنية. وحول ما ينشر عن قيام البعض بتهريب الأموال إلى الخارج أكد اللواء الملا أن تسعين بالمائة مما يقال وينشر لم يحدث. فلقد انتبه المجلس العسكرى لذلك وقام بتحجيم الأمر. فمن يملك طائرة خاصة لا يستطيع الإقلاع بها دون ضوابط ومن يُرِد تحويل أموال لا يستطيع دون إجراءات قانونية.. مؤكدا فى النهاية أن المجلس العسكرى لن يسمح بأى فساد أو ظهوره مرة أخرى. وأشار إلى أن من صالح المجتمع أن تعود الشرطة إلى مهامها. وشدد اللواء الملا على أن الرئيس مبارك لم يعد فى السلطة بعد تخليه عنها وعلينا جميعا ألا نجرحه ونشهر به أو نختلق حكايات وأقاويل عنه فالرئيس مبارك له تاريخه ولا نستطيع أن نقول إنه كان فاسدا لمدة 30 عاما حكم خلالها مصر وإلا أين كنا نحن وكيف سمحنا بهذا. وشدد قائلا إن الرئيس مبارك له إنجازات عظيمة عسكرية ومدنية وله أيضا أخطاؤه. مضيفا: أن تنحى الرئيس مبارك عن سلطاته أنقذ البلاد من كارثة. إنها مرحلة جديدة وضع فيها الجيش المصرى ملامح الفترة الانتقالية القادمة التى ستفتح الباب لآفاق جديدة لمستقبل جديد ومختلف لمصر وشعبها. والمهم أن تكون رسائل وتعهدات قواتنا المسلحة قد وصلت. وأعتقد أنها وصلت فلا عودة إلى ما قبل 25 يناير.