فى هذه الأوقات الدقيقة التى تمر بها مصر الغالية والتى يجب أن نرتفع فيها عن أية رغبة أنانية أو أى هوى مغرض سوى المحافظة عليها حتى تصير كما كانت دائماً مصر المحروسة والتى نريدها دوما كذلك ولن يتحقق هذا إلا بالتفانى فى الإخلاص لها والوفاء لما قدمته لنا من عزة وكرامة شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء ويكفينا فى ذلك تلك المشاعر الجياشة التى يحيطنا بها شعبنا العربى من المحيط إلى الخليج قلقا على مكانة مصر الأم الرؤوم لهذه الأمة قناعة من هذا الشعب العربى أن استقرار مصر هو استقرار للأمة العربية جمعاء، بل الأمة الإسلامية كلها، لأن مصر هى بلد الأزهر الشريف، تلك المنارة الإسلامية التى جمعت الإسلام وعملت دوما على رفعته وصون كرامة المسلمين فى أنحاء المعمورة. وإذا كان شباب مصر قد أراد التغيير فإن هذا حقهم وحقنا جميعا فى تداول السلطة وفوق كل ذلك فهى سنة الحياة، ولكن هذا لا يعنى الفوضى والانسياق وراء رغبات مشبوهة تستهدف تحقيق مصالح شخصية دون النظر إلى مصلحة الوطن وأمنه واستقراره وإذا كانت بعض القوى السياسية التى افتقدت الشرعية فى الشارع السياسى المصرى ممن افتقدوا الجماهيرية التى تؤهلهم لما يريدونه من سلطة تكون سبيلهم لتحقيق أغراضهم التى تضع مصلحة الوطن فى مؤخرة أولوياتهم أمام مصالح شخصية زائلة، وهذا قد اتضح بشكل واضح فيمن قفزوا على احتجاجات الشباب ومطالبهم المشروعة فى ضمان مستقبل يحقق لهم آمالهم فى حياة حرة كريمة وخاصة فيمن هبطوا على أرض الوطن بعد غيبة طمعا فى فرص اغتنام داهمة ظنا منهم على غير الحقيقة أن هؤلاء الشباب ليس لديهم الوعى الكامل بمقاصد هؤلاء المتطفلين الذى لا يبتغون من وراء سرقتهم لهذه الانتفاضة سوى مصالح هى الأبعد عن استقرار مصر وأمنها. وكلمتنا هنا إلى شباب مصر الأوفياء والذين يطالبون بحق لهم ولمصر كلها أن ينتبهوا جيدا لمحاولات الاندساس فى صفوفهم حتى لا تتحول انتفاضتهم إلى فوضى سوف تكون مصر هى التى تدفع الثمن غاليا من مستقبلهم ومستقبلها بل مستقبلنا جميعا. وقد كان الرئيس حسنى مبارك واضحا وصريحا حين أقر فى أكثر من بيان وجهه للأمة المصرية وخاصة إلى أبنائه الشباب منهم بأن مطالبهم مشروعة وتندرج تحت أبسط حقوقهم وقد كان الرئيس مبارك كعهدنا به دائما وفيا مخلصا لمصر التى ضحى من أجلها وجعل من حياته منذ تخرجه فى الكلية الحربية والكلية الجوية ملحمة وطنية حافلة بسجل رائع من التضحيات التى افقدته حياته الطبيعية كإنسان، حيث اشتهر عنه أنه أعطى كامل وقته وكل طاقته من أجل رفعة هذه الأمة وعزتها وليس ببعيد ذلك العمل الفذ الذى قام بتخطيطه ليلقن إسرائيل درسا قاسيا كان من نتائجه تحقيق نصر أكتوبر فى ست ساعات هى وقت عبور قواتنا المظفرة إلى أرض سيناء الحبيبة محققة نصر أكتوبر العظيم بعد ضربة حسنى مبارك وقواته الجوية المصرية والتى كانت مفتاح هذا النصر المؤزر.. وتواصل عطاؤه للوطن حين تسلم مقاليد الحكم فى ظروف عصيبة ولولا حكمته وحنكته السياسية وإخلاصه للوطن لكانت مصر مرتعا للفوضى والعشوائية التى تهدد مستقبلها وتحقق أغراض المتربصين بها. وهنا نتساءل.. هل يستأهل هذا الرجل رغم تاريخه النضالى المشهود هذه المهتارات التى ارتكبها بعض المارقين من الانتهازيين والذين يريدون القفز على السلطة والحكم رغم ما تؤكده كل الظواهر والبراهين القاطعة على أنهم ليسوا أهلاً لما يريدون؟! إن حسنى مبارك كأب لهؤلاء الشباب الغاضب لم يكن يوما راغبا فى سلطة بعيدا عن الشرعية التى منحها له الشعب بجميع طوائفه باختيارهم له فى خمس دورات كاملة عرفانا منهم ووفاء لما قدمه لهم من تضحيات وانتصارات فى رحلتى الحرب والسلام حتى اكتمل تحرير الوطن كاملا بعودة سيناء كاملة، وآخرها حين رفع مبارك العلم المصرى على طابا تلك المساحة الضيقة من أرض مصر التى أصبحت رمزا لكرامة التراب الوطنى. والذى يجب أن يفهمه هؤلاء الشباب المصرى أن الرئيس قد أوضح فى بياناته المتتالية لهم أنه يقر بشرعية مطالبهم وقد أخذ بشجاعة بالغة عهدناها فيه دائما خطوات واضحة لتنفيذ هذه المطالب دون أن يحدث ذلك فراغا دستوريا يمكن أن يقفز بمصر الغالية إلى المجهول.. ولنا فى ذلك أمثلة كثيرة فى دول مجاورة.. وإذا كان الشباب المصرى الغاضب يحب مصر ولا جدال فى ذلك. فإن الرئيس مبارك يكن لها أضعاف هذه المشاعر الإيجابية، ومن هنا كان قراره بإقالة الحكومة التى أخفقت فى تحقيق طموحات هؤلاء الشباب كما أقال كل من تصوره الشباب معيقا لتحقيق ضمانات آمالهم فى مستقبل زاهر. ولم يكتف بذلك وإنما قدم لهم بدلاء من الشخصيات المصرية التى تحظى باحترام الشعب ولا يشك أحد فى نزاهتهم وتجردهم حبا منهم للوطن وإخلاصا له منهم. الوزير عمر سليمان صاحب الجولات التفاوضية فى أدق القضايا المصرية كنائب لرئيس الجمهورية وكذلك الفريق أحمد شفيق ذلك الرجل الذى أبلى بلاء حسنا كقائد لقواتنا الجوية فى أكثر اللحظات حساسية وفى موقعه الأخير كوزير للطيران المدنى حين كلفه بتشكيل حكومة جديدة من خيرة علمائنا وأكثرهم ولاءً للوطن فضلاً عن تكليفاته الصريحة بأن تعمل هذه الحكومة من أجل الشباب الواعد وأن تضع فى مقدمة أولوياتها طموحات شباب مصر واجيالها القادمة قناعة من الرئيس بأنهم هم عماد الحاضر وامل المستقبل حتى تتحقق لمصر الآمال المنشودة تواصلا مع ما حققه من إنجازات خلال ثلاثين عاما شهدت كثيرا من نهضة غير مسبوقة فى سائر المرافق الحيوية على أرض مصر. وحول ما يطلبه الشباب من حريات أوضح الرئيس نيته الأكيدة على اتساع دائرتها رغم ما تحقق على أرض الواقع من سقف لحرية التعبير فى سائر وسائل الإعلام وخاصة حرية الصحافة التى تشهد نهضة لم تشهدها أعرق الدول الديمقراطية فى العالم. ولنا فى هذه الظروف الدقيقة التى تمر بها البلاد دليل قاطع على ذلك. وإذا كان الرئيس حسنى مبارك قد أكد فى بيانه الثانى أنه لم يكن ينتوى الترشح لدورة رئاسية قادمة فإن ذلك دليل آخر يقطع بأن الرئيس يؤمن بتداول السلطة، ولكنه التداول الذى يحفظ لمصر مكانتها الرائدة ولا يحدث فوضى لا تحمد عقباها ولا تعرّض سيادة مصر للخطر المحدق والذى يتربص بها الأعداء من الخارج والانتهازيون من تجار المبادئ فى الداخل. كما وعد بتعديل مواد الدستور بما يضمن حياة سياسية قوية وفق دستور يلبى كل طموحات المستقبل. أيها المصريون الشرفاء.. هذا هو حسنى مبارك يقدم خريطة لمستقبل مصر. وهذه هى أيامكم التى يجب أن تضطلعون فيها بدوركم الرشيد حرصا على مكتسباتنا ومواردنا التى يضعها المارقون فى مهب الريح دون أن يعوا أن مصر فوق الجميع. أما شبابنا العظيم فهو عدتنا التى سوف تضمن لنا مصر عظيمة كما نتمناها، ومن هنا نهيب بهم أن يدركوا المخاطر التى يمكن أن تتعرض لها إذا هم لم يكونوا على مستوى الحدث الذى تتعرض له مصر هذه الأيام.. ولا نملك إلا الدعاء إلى الله أن يجعل هذا البلد العظيم آمنا سخاء رخاء وهو رب العرش العظيم.