فى خطوة تعد إجراء استباقياً لإجهاض مناورة برلمانية لإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو، عقد إيهود باراك صفقة سرية مع رئيس الحكومة تضمن ديمومة كل منهما فى منصبه حتى نهاية ولاية الحكومة الحالية، فقد سارع باراك بالإعلان عن الانفصال عن حزب العمل قبل إطاحة أعضائه به من زعامته فى أبريل القادم وتنفيذ تهديدهم بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها.. وأعلن باراك عن تشكيل كتلة جديدة من خمسة أعضاء للحزب فى الكنيست تحت اسم الاستقلال سرعان ما انضمت للحكومة ليعيد انضمامها تشكيل الخريطة الحزبية فى البرلمان التى اختفت منها المعارضة اليسارية بانسحاب وزرائها الثلاثة احتجاجاً على مؤامرة باراك، وتسيطر على الساحة السياسية حكومة يمينية بامتياز أقطابها نتنياهو وباراك وليبرمان. لن نتوقف طويلاً أمام ظاهرة الانشقاقات الحزبية فى إسرائيل فهى القاعدة الأساسية لنشوء واختفاء الكثير من الأحزاب، لكن انشقاق باراك عن حزب العمل فى هذا التوقيت يحمل الكثير من الدلالات.. فالحكومة الحالية الائتلافية مؤلفة فى غالبيتها من أحزاب يمينية متشددة ولن يمثل الاعتدال النسبى فيها إلا حزب العمل بأعضائه البالغ عددهم ثلاثة عشر نائبا فى الكنيست، ووزراؤه الذين كانوا أربعة أصبحوا ثلاثة بعد انشقاق باراك ثم اختفوا عن التمثيل فى الحكومة بعد قرارهم بالاستقالة احتجاجا على مؤامرة باراك على الحزب وعليهم. ويجمع المراقبون على أن انفصال باراك عن حزب العمل كان جزءا من صفقة عقدها مع نتنياهو وأساسها منح باراك حقيبة وزارة الدفاع حتى نهاية ولاية الحكومة الحالية التى أعلن عنها رسميا فى شهر مارس عام 2009 ومدة ولايتها القانونية أربع سنوات. وصفقة باراك ونتنياهو أطاحت بحزب العمل قبل تنفيذ أعضائه تهديدهم بالانسحاب من الائتلاف الحكومى قبل موعد أقصاه شهر أبريل القادم. وحزب العمل أصبح يطلق عليه سخرية فى السنوات العشر الماضية «الليكووب»، وإقدام باراك على تلك الخطوة لا يعتبر انتحارا سياسيا، فمستقبله كوزير دفاع مضمون فى حكومة نتنياهو، وأعضاء الكنيست الأربعة الذين انشقوا معه مضمونة مواقعهم أيضاً فى حكومة نتنياهو الليكودية. وعلى الرغم من تقلص القاعدة البرلمانية للائتلاف الحكومى من 74 إلى 66 نائبا من مجموع 120 نائبا فذلك أفضل لرئيس الحكومة من تقلصها إلى 61 نائبا فى حالة اتخذ حزب العمل خلال اجتماعه فى شهر أبريل القادم قرارا بالانسحاب من الحكومة وربما الإطاحة بزعيمه باراك بسبب جمود عملية السلام. واعتبر نتنياهو أن انسحاب باراك من حزب العمل زاد من قوة الائتلاف الحاكم، وأن الحكومة أصبحت أكثر قوة فى إدارتها واستقرارها، وأعلن أن العالم أجمع أصبح يعلم والفلسطينيين أن هذه الحكومة ستظل موجودة خلال السنوات القليلة القادمة وهى التى ستتفاوض للسلام. ومهّد اليمين الطريق لتصفية حزب العمل، فلجنة الكنيست أقرت انشقاق أعضاء الحزب الخمسة وبغالبية أحد عشر من أعضاء اليمين، وكذلك أقر الاسم الجديد للحزب لكن حذف منه كلمتى برئاسة «إيهود باراك». الموافقون على الانسحاب أربعة من الليكود، اثنان من إسرائيل بيتنا، وعضو من يهودية التوراة، وعضو من شاس وعضو من حزب البيت اليهودى وعضوة من حزب العمل، والمعارضون ثلاثة أعضاء من حزب كاديما وامتنع عن التصويت عضو من حزب ميرتس وتغيب عن الجلسة عضو عن حزب العمل. اللافت للانتباه أن تلك الكتلة المكونة من خمسة أعضاء سيحصل أعضاؤها على أربع حقائب وزارية، الدفاع محجوزة حصريا لإيهود باراك، وشالوم سيمحون سينال مكافأة وزارة الصناعة والتجارة، ماتان فيلنائى وزير مسئول فى وزارة الدفاع عن الجبهة الداخلية والأقليات، وسيعمل الاثنان مراقبين فى المجلس الوزارى المصغر، وأوريت نوكيد ستحصل على حقيبة وزارة الزراعة، وعينات وولف لن تحصل على حقيبة وزارية لكن ترأس الكتلة الجديدة، وفى شهر أكتوبر القادم ستحصل على منصب رئاسة لجنة التعليم فى الكنيست وعلى التوالى تعيّن رئيسة لجنة الهجرة والاستيعاب مع الوعد بدعم حزب الليكود مرشح الكتلة لرئاسة الصندوق القومى الإسرائيلى. رئيس الحكومة نتنياهو الذى يحتفظ بحقيبة وزارة الرفاه الاجتماعى يلوح بها لأعضاء حزب كاديما الذين انتقلت إليهم عدوى الخوف من الانقسام مجددا، فنتنياهو حاول ذلك بعد ستة أشهر من تشكيله الحكومة الائتلافية عندما استمال إليه عضو الحزب فى الكنيست «شاؤول موفاز» وأشاع موفاز أن لديه 13 عضواً من الحزب على استعداد للانفصال والإعلان عن حزب جديد، وعرض نتنياهو عليهم الحقائب الوزارية وزارات تطوير النقب والجليل، ونواب وزراء ورؤساء لجان فى الكنيست، لكن موفاز تراجع عن قرار الانشقاق لإدراكه بأنه لن يحظى بتأييد الشخصيات المؤثرة فى الحزب. وأعقب انسحاب كتلة باراك من الحزب استقالة ثلاثة وزراء من الحكومة، ووقع انقسام آخر بين أعضاء حزب العمل فى الكنيست البالغ عددهم ثمانية نواب، أربعة منهم يتزعمهم وزير الدفاع السابق عمير برتس لم يتوصلوا إلى اتفاق نهائى بشأن الاختيار بين الاستمرار فى الحزب أو الانشقاق عنه وتشكيل كتلة مستقلة أخرى، وانفصالهم عنه يشكل ضربة جديدة للحزب الذى يسير فى طريقه نحو الانهيار. لكن شباب الحزب ردوا على قرار باراك بالبدء فى حملة حشد أعضاء جدد، ودعوة كل من هجره للعودة مرة أخرى. وكانت أول رسالة بعثوا بها لباراك أنهم نزعوا صوره من مقرات الحزب وحطموها.. هؤلاء الشباب من الحركات اليسارية يعلق المراقبون الآمال عليهم فى كبح جماح الحكومة اليمينية الليكودية، فلقد تمكنوا فى وقت قياسى من حشد أكثر من خمس وعشرين ألف متظاهر تجمعوا فى أكبر ميادين تل أبيب احتجاجا على قرار الكنيست بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق مع خمس عشرة منظمة يسارية إسرائيلية وفلسطينية تتهم بتلقى مساعدات من الخارج. والتهمة الموجهة لتلك الجمعيات أنهم يجمعون معلومات عن جنود الجيش الإسرائيلى بشأن دورهم فى جرائم الحرب على قطاع غزة ولبنان وفى الضفة الغربية. الأمل فى استقرار الأوضاع فى المنطقة وكبح جماح محور اليمين المتطرف المشكل من بنيامين نتنياهو وإيهود باراك وأفيجور ليبرلمان فى شريحة من الشباب الإسرائيلى، والذين يطالبون بإحياء مفاوضات السلام وإقرار مبدأ دولتين لشعبين دولة للشعب الإسرائيلى ودولة فلسطينية لها كل مقومات الدولة المستقلة.