أى إنسان إذا ما ابتلاه ربه برئاسة لجنة واحدة استحق على ذلك كثيرا من الإشفاق والرأفة فما بالك بمن ابتلاه برئاسة ثلاث لجان دفعة واحدة وكلها من ذلك النوع الذى يتسم بالمهام المصيرية الشائكة والتى تلقى نتائجها فى الأغلب الأعم كثيرا من المواقف المضادة والتى يصل بعضها إلى الهجوم الضارى لما توصلت إليه هذه اللجان من خلال تقاريرها التى يراها البعض مفزعة واصفين إياها بالتعسف والاستعلاء والتربص والبعض الآخر عادة مالا تلقى قبولاً لديه بشكل نسبى، وذلك هو الأستاذ الدكتور فاروق أبو زيد العميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة والعميد الحالى لكلية الإعلام بإحدى الجامعات الخاصة والذى اختاره السيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة ليرأس لجنة الأداء الصحفى، حيث يقدم تقارير هذه اللجنة للجهات المختصة ومن بينها نقابة الصحفيين لتتخذ إجراءاتها المناسبة لتصويب ما يعترى الأداء الصحفى من مخالفات وللجنة نشاطات فاعلة فى ترسيخ القيم الصحفية والآداب العامة على اختلاف نوعياتها وخاصة فى مجال الحوادث الشهيرة التى شغلت الرأى العام فى الآونة الأخيرة.. كما كان اختيار وزير الإعلام أنس الفقى للدكتور أبوزيد كرئيس للجنة الأداء الإعلامى دليلاً قاطعاً على مصداقية الرجل فى تقاريره حول الأداء الصحفى وكم كنا فى حاجة ماسة لمثل هذه اللجنة خاصة بعدما شهدت الساحة الإعلامية تسيباً وانفلاتاً كاد يهدد موروثنا القيمى والأخلاقى لمجتمعنا فى مقتل والذى لم يقتصر على قناة بعينها، بل سادت هذه الظاهرة المؤسفة قنوات كثيرة وتباينت التجاوزات ما بين المحاذير التى نص عليها قانون البث الفضائى لشركة الأقمار الصناعية «نايل سات» وليس هنا مقام ذكر هذه المخالفات لما يتضمنه بعضها من خدش للحياء، وكانت تقارير لجنة الأداء الإعلامى رغم أحكامها المخففة كاللوم والمؤاخذة فإنها كانت رادعا قويا لعدم تنامى هذا التيار الإعلامى السلبى المرفوض إذا ما اعتبرنا أن هذه التقارير هى بمثابة التنبيه الذى تليه عقوبات أكثر ردعاً تصل إلى حد إلغاء تراخيص القناة وإغلاقها. وأعتقد أن ترشيح د. فاروق أبو زيد للمرة الثانية لرئاسة اللجنة العامة لمتابعة ورصد وتصحيح الدعاية الإعلامية والإعلانية لانتخابات مجلس الشعب 2010 لهو دليل جديد على ما يحمله د. أبو زيد من مصداقية وموضوعية أهلتاه عن جدارة لتلك المهمة القومية ذات الحساسية الخاصة فى ظل أجواء انفعالية تشوب الحملات الانتخابية الساخنة، وذلك لتنوع غير مسبوق فى الاتجاهات السياسية والتى تتجاوز المعتقدات السياسية للأحزاب المشاركة إلى ما يحمله المستقلون من وجهة نظر مغايرة ومتباينة وفق أطياف انتماءاتهم. وإذا كان من أبرز مهام هذه اللجنة تهيئة الأجواء المناسبة التى من شأنها تحقيق ما نأمله لهذه الانتخابات من نزاهة وحيادية من خلال فرص متكافئة لكل الأطراف حكومة ومعارضة ومستقلين، فإن اللجنة رصدت كثيراً من الملاحظات لقنوات فضائية كقناة الفراعين ذات الانتماء القوى للحزب الوطنى والتى استخدمت شاشتها فى بث دعائى لبعض رجال الأعمال وأعدت اللجنة تقريراً بذلك إلى هيئة الاستثمار والمناطق الحرة وهذا يحمل فى مضمونه دلالة قاطعة على نزاهة وحيادية ما يتخذ من إجراءات حيال كل القنوات الفضائية دون تمييز مغرض تمسه شبهة الانتقاء. ونفس الشىء حدث لقنوات دريم والمحور والحياة وقنوات أخرى دون النظر لانتماء حزبى معين، حيث ارتكبت هذه القنوات مخالفات واضحة كان منها ما استشعرته اللجنة من سخرية لاذعة من بعض المرشحين كما استضافت إحداها أحد رؤساء الأحزاب غير المشاركة فى العملية الانتخابية والذى شكك فى نزاهة الانتخابات قبل إجرائها بأسابيع فى توقع متوجس وسابق لأوانه، كذلك كانت استضافة قناة خاصة لمرشح مستقل أبدى بأسلوب غير لائق انتقاداته لمرشح منافس له فى نفس دائرته. وهذا العرض السريع يمثل نماذج فقط لما ارتكب من مخالفات إعلامية وإعلانية تجعل من وجود مثل هذه اللجنة ضرورة حتمية لانضباط كافة الأنشطة إعلامية كانت أو سياسية وذلك حتى يكتمل هذا العرس الديمقراطى والذى لم تشهده الساحة السياسية المصرية حيث تمثلت فيه كل الأطياف المختلفة فى ظل فرص متكافئة ليترك الرأى الحاسم والنهائى لجماهير الناخبين الذين تنعقد عليهم الآمال فى اختيارهم الصائب نحو حياة ديمقراطية مزدهرة تعمل بجدية وحسم نحو تنمية مأمولة لمصرنا الحبيبة ونهضة منشودة نحقق من خلالها ما نصبو إليه من رفعة هذا الوطن وأمنه واستقراره.