المعهد السويدى بالإسكندرية ليس مجرد مؤسسة ثقافية تنظم العديد من الأنشطة والندوات واللقاءات.. لكنه شاهد عيان على الحرية والمناخ الديمقراطى الذى تتمتع به مصر، من خلال مناقشة العديد من المواضيع الشائكة من سياسة وثقافة ودين ومجتمع فى إطار الحوار بين الثقافات والحضارات فى دول البحر المتوسط. ومنذ يوليو الماضى تولت السفيرة برجيتا هولست إدارة المعهد وهى خريجة اقتصاد وعلوم سياسية من جامعة جوتنبرج بالسويد، ولها خبرة كبيرة فى العمل الثقافى والسياسى على مدار 35 عاما فى دول العراق ومصر ونيجيريا وبعض الدول الأفريقية ولها تجربة مهمة مع الأديب نجيب محفوظ حيث قامت بترجمة روايته «الجبلاوى». وتصادف أن هذه الترجمة جاءت فى نفس العام الذى حاز فيه على جائزة نوبل للآداب. التقت «أكتوبر» السفيرة بريجتا هولست لتتعرف على ملامح تجربتها فى دول الشرق الأوسط وأفريقيا وعلى خطتها المستقبلية لإدارة المعهد السويدى بالإسكندرية وكان هذا الحوار: *ماذا عن تجربتك مع نجيب محفوظ؟ **عندما قررت ترجمة رواية «الجبلاوى» للأديب العالمى نجيب محفوظ فوجئت بعدد كبير جدا من المصطلحات التى لا أفهمها ولا يمكننى أن أترجمها لأنها لغة عامية، حيث كان يحكى عن عمامة الجبلاوى ويقول عنها إنها «مقلوظة»، ورغم أننى حصلت على دراسات فى اللغة العربية، فإن هذه المصطلحات كانت تمثل مشكلة لى، وقد سألت البعض من حولى، فوجدت كل شخص يروى لى تفسيرا مختلفا عن الآخر، فقررت أن أذهب لصاحب الرواية، فكلمت الأستاذ نجيب بالتليفون وطلبت مقابلته، ورحب بى جدا، وذهبت له فى منزله وفوجئت بشخصيته الجميلة الودودة وكان متعاونا جدا معى، وسهّل لى كثيرا من عملى، ومن يومها أصبحت صديقة لأسرة نجيب محفوظ، وأصبحت على علاقة صداقة مستمرة به وبزوجته الفاضلة. *وماذا عن تجربتك فى العراق؟ **العراق لها تجربة وذكريات خاصة لدّى، فزوجى رحمه الله كان عراقيا وتعرفنا على بعض أثناء بعثته لدراسة الدكتوراه فى السويد، وتزوجنا وسافرنا معًا للعراق، وكان ذلك عام 1975، وهناك عملت فى تدريس اللغة الإنجليزية بكلية التربية جامعة بغداد كما ساهمت فى بعض الأعمال الإدارية والثقافية فى سفارة السويد ببغداد، إلى أن عينت من قبل وزارة الخارجية السويدية مسئولة عن القسم التجارى بالسفارة، ومن هنا بدأ مشوارى الدبلوماسى، ثم غادرت العراق عام 1982 عائدة إلى استكهولم لأعمل بوزارة الخارجية لمدة ثلاث سنوات. ولم أعد للعراق إلا فى عام 2008 وبكيت بشدة عندما رأيت التدمير الموجود هناك، فما حدث بالعراق لم يحدث منذ عام 1258 عندما جاء المغول لبغداد، فالتدمير فى كل مكان، وخاصة الآثار والتراث تم تدميره بالكامل، لقد شعرت وقتها أننى فى كابوس، فالعراقيون عاشوا سلسلة من الحروب لا ذنب لهم فيها منذ عام 1980 فى حربهم مع إيران، لقد عاصرت فترة كان القماش الأسود نادرا فى الأسواق بسبب انتشار لبس الأسود، فكل منزل بالعراق به حداد، ثم نظرت للعراقيين فوجدتهم مازال لديهم الأمل ويضحكون، فعرفت كم هم صامدون، وأتوقع أن تعود العراق إلى أفضل مما كانت بسبب طبيعة شعبها الجاد القوى والمحب للعمل. *وهل كانت زيارتك فى 2008 لعمل أم زيارة أسرية؟ **كانت زيارتى ضمن بعثة من الأممالمتحدة لمدة عامين لدراسة الوضع فى العراق، حيث تم ترشيحى من قبل الحكومة السويدية للعمل كرئيس للقسم السياسى فى بعثة الأممالمتحدة للعراق. *ولكن العمل فى أفريقيا كان يختلف بالتأكيد عن العمل فى الدول العربية، فما هى تجربتك فى أفريقيا، وما هى أوجه المقارنة؟ **لقد أعطانى العمل فى أفريقيا خبرة كبيرة جدا، ليس فقط فى عملى الدبلوماسى ولكن أيضا فى مجالات الحياة، وعندما ذهبت لأفريقيا وخاصة نيجيريا وغانا، لم أكن أجلس فى مكتبى، بل كنت أتجول فى البلاد كلها، أرى القرى والنجوع، أتعلم لغتهم وحياتهم وعاداتهم وثقافتهم، فذهبت إلى 31 محافظة بنجيريا من 36 محافظة، وتعرفت على 200 طائفة لكل منها عاداتها وتقاليدها، واهتممت كثيرا بدراسة المجتمع الأفريقى بشكل عام. كانت دهشتى كبيرة عندما علمت أن نيجيريا بها عدد كبير من المسلمين فى أفريقيا، فتعدادها 140 مليون نسمة، 40% منهم مسلمون، كما أن لديهم الكثيرين من الحاصلين على الدكتوراه من هارفارد، فالمستوى التعليمى لديهم متقدم جدا، ولكن المشكلة أن لديهم أيضا فقراء كثيرين، ولكن عرفت أن الأفارقة سعداء بمعيشتهم ولديهم هدوء داخلى، كما لاحظت وجود تشابه كبير بين العالم العربى والأفريقى خاصة ما يخص الترابط الأسرى، ومدينة مثل «كانوا» بنجيريا كانت على مدار التاريخ لها رحلات تجارية مع الجزائر وليبيا، تلك العلاقات التجارية نتج عنها روابط أسرية وعلاقات مصاهرة، ورغم وجود هذا التقارب بين المجتمع الأفريقى والعربى فإن المجتمعين دائما ينظران إلى المجتمع الأوروبى والأمريكى، ولا ينظرون لبعضهم البعض، ولذلك فهما لا يكتشفان أوجه التشابه. *بعد أن توليت مسئولية إدارة معهد ثقافى مثل المعهد السويدى، كيف ستطبقين تجاربك وخبراتك العديدة على العمل فى هذا المعهد؟ **أرى أن أهم دور للمعهد السويدى هو إقامة الحوار بين أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهذا الحوار الذى ينمو بشكل كبير، سيكون هو السبيل الوحيد للتفاهم وللتقارب وسوف نطبق ذلك من خلال لقاءات حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، والدين كفلسفة والقيم المتبادلة، وبالطبع الثقافة، وسوف استغل بكل تأكيد خلفيتى فى الشرق الأوسط ومعرفتى بالجمهور العربى واللغة العربية لأنها هى المفتاح لفهم الشعب المصرى. فأهم دور للمعهد هو التواصل بين الشعوب، وأؤكد أننى من خلال عملى حتى الآن هناك بعض الفئات فى المجتمع العربى لا تعرف كيف يفكر الأوروبى، والعكس صحيح. وعلى سبيل المثال هناك العديد من المصطلحات التى يستوعبها المجتمع العربى جيدا ولكنهم فى أوروبا لا يفهمونها، مثل كلمة «الأمة الإسلامية» فالغرب لا يفهم ماذا يقصد المسلم بالأمة الإسلامية، وغيرها كثير من المصطلحات وسوف أقوم بإحضار كبار العلماء من المسلمين ليحاضروا ويشرحوا مثل هذه المفاهيم للباحثين من أوروبا ويتناقشون حولها. *هل هناك تعاون يتم مع إسرائيل بصفتها دولة من دول الشرق الأوسط؟ **نحن نتعامل مع جميع الدول العربية بنفس المنطق ونفس الفكر، ولا يوجد لدينا أى تحيز تجاه دولة على حساب أخرى، والمعهد من أهدافه أن يقيم الحوار مع الدول العربية وأوروبا، ولذلك فإسرائيل لا تدخل فى مخططاتنا أو مشاريعنا، وكذلك إيران، فنحن نركز فقط على الدول العربية، كما أن فلسطين من أكثر الدول المشاركة معنا فى معظم أنشطتنا ولقاءاتنا.