محمود أحمدى نجاد شخصية مثيرة للجدل.. نقاده أجمعوا على الاختلاف عليه.. فهناك من يلتفون حوله كأنه وثن يصعدون به إلى عنان السماء ومنهم من يتجنبونه كأنه الطاعون يخسفون به إلى أدنى طبقات الأرض وبين الأضداد تتوه معالم الشخصية بين الحقيقى والوهم. فقد عرفه العالم مهاجماً ومهدداً للإدارة الأمريكية وحليفاتها إسرائيل طوال فترة رئاسته الأولى وحتى الآن، بالرغم من عدم تجاوزه لمحنة التشكيك فى صحة فوزه فى الانتخابات الرئاسية الثانية والتى تسببت فى سقوط العشرات من القتلى فى صفوف معارضيه، فلازال الرئيس نجاد يتبنى سياسة الهجوم المباشر رغم أن الإدارة الأمريكيةالجديدة قد طرحت أسلوب الحوار كمبدأ بديل للتفاهم والوصول إلى حل نهائى لملف إيران النووى. فالرئيس الإيرانى الحالى الذى جاء كطرح جديد للثورة الخمينية التى أطاحت بحكم الشاه منذ أزيد من ربع قرن لم تكتف بدورها الدينى بل سعت منذ توليها زمام الأمور داخل إيران إلى بسط نفوذها فى الخارج أيضا، فهى تعلم أنها تستمد قوتها من قوة نفوذها فى الخارج. لذا فإن الزيارة التى قام بها الرئيس نجاد لجنوب لبنان منذ أيام جاءت لإحياء ذكرى انتصارها مع حليفاتها على إسرائيل وتعلن سخريتها من العقوبات الدولية التى أقرها مجلس الأمن مؤخراً.. ويؤكد عدد من المحللين أن الهدف الخفى لهذه الزيارة هو رغبة الرئيس الإيرانى فى استعادة شعبيته التى اهتزت أركانها بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما أعقبها من مظاهرات رافضة للتيار المحافظ الذى يمثله ورغبة التيار الاصلاحى المعارض فى إجراء تعديلات سياسية وإلغاء الحكومة الدينية واستبدالها بحكومة مدنية.. ويشير المراقبون للسبب الحقيقى لهذه الأحداث الأخيرة هو رفض التيارالإصلاحى لعسكرة الثورة ويعزز هذا الرفض أن معظم المناصب الوزارية وأجهزتها يشغلها عناصر من الحرس الثورى لدرجة أن نسبة نواب البرلمان الحالى ذوى الميول العسكرية تصل إلى 63%. ويرجع الإصلاحيون أسباب هذه العسكرة لرغبة النظام الدينى المحافظ وأعوانه فى تأمين استمرارهم فى المواقع القيادية. فى حين يرى آخرون أن فشل الرئيس نجاد فى مواجهة المشاكل الاقتصادية الداخلية التى تفاقمت بسبب العقوبات الدولية الأخيرة تسببت فى تزايد نفقات استيراد السلع بنسبة 30% الأمر الذى أصبح ينذر باندلاع المظاهرات والاحتجاجات ويهدد الأمن الداخلى. دراسته وتجاربه/U/ فالرئيس نجاد الذى جاء محمولاً على أكتاف الطبقة الشعبية وسعيه الدائم منذ توليه بلدية طهران إلى كسب ودها وإعلانه بأنه ينتمى لهذه الطبقة فقد كان والده حرفياً وعمل فى عدة مهن أبرزها البقالة والحلاقة والحدادة. فالرئيس نجاد ولد فى أكتوبرعام 1956وأنهى دراسته بمراحلها الابتدائية والمتوسطة والثانوية فى مدارس العاصمة طهران ثم أصبح حاكماً لمدينة ماكوثم مدينة خوى ورئيس بلدية طهران واستكمل دراسته وحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة العلوم والصناعة وعمل أستاذاً فى نفس الجامعة وعن مشواره السياسى يقول (إنه بدأ مع توليه بلدية طهران لأنها مهدت له الطريق لينافس على منصب الرئاسة ضد الرئيس السابق هاشمى رفسنجانى ويفوز بفترته الرئاسية الأولى) ويعد الرئيس نجاد الرئيس التاسع فى سلسلة الحكام الإيرانيين بعد قيام الثورة الخمينية والتى أطاحت بآخر الأباطرة من عائلة بهلوى الذين توارثوا عرش الطاووس فى الفترة التى سبقت قيام دولة الملالى الإسلامية هناك. ويقول نجاد (إنه كان معجباً منذ صغر سنه بالفكر الخمينى وأنه أسس رابطة الطلبة الإسلامية فى الجامعة وتعلم من خلالها العمل فى المجال الاجتماعى والسياسى وأن تجربته فى مجال الصحافة أهلته ليكون مسئولاً عن إصدار سلسلة همشرى الصحفية وأنها صقلت خبرته السياسية). ويذكرله مؤيدوه بأنه من أكثر الرؤساء الذين تحققت على يديه الأحلام الإيرانية ومنها زيادة بسط النفوذ الإيرانى فى الخارج وتطوير برنامجها النووى فى حين يحمله البعض الآخر مسئولية تردى الأحوال الاقتصادية داخلياً. فإيران تعانى من ارتفاع فى معدلات البطالة لنسبة تتخطى 20% وارتفاع نسبة التضخم لدرجة تجاوزت 90% وانخفاض فى الدخل بنسبة 72% وأن العجز فى الميزانية كان بنسبة 10% عند دخول نجاد للسلطة وارتفع فى أواخر عام 2008 إلى30%. وهنا يقول سعد ليلاز الخبير الاقتصادى الإيرانى (إن الأزمة المالية ستجعل حكومة نجاد تسحب مبالغ مالية طائلة من صندوق الاحتياطى الإيرانى وهذا سيؤدى إلى زيادة العجز فى الميزانية مما يهدد بالإفلاس مستقبلاً). وأدت تداعيات الأزمة إلى إقالات متتالية فى حكومة نجاد وشملت وزير الاقتصاد ورئيس البنك المركزى ثم وزير الداخلية على كردان. عقوبات دولية خانقة/U/ وأجمع عديد من المراقبون السياسيون والمفكرون على أن الذين انتخبوا نجاد عن قناعه أصبحوا الآن نادمين على الإدلاء بأصواتهم لصالحه. ويحمل المراقبون مسئولية تردى الأوضاع للمؤسسة الدينية وقوانينها الراديكالية التى تتحكم فى مجريات الأمور ولا يستطيع نجاد ولاسواه أن يقف أمامها بل هو مرغم على أن يسبح معها، فنجاد لايعدو كونه دمية تتحكم فيها هذه المؤسسة الدينية. كما يرفض العديد من المسئولين المعارضين للسياسة التى ينتهجها نجاد فى الخارج و يقولون (إن السياسة الإيرانية الخارجية هى السبب فى تدهورالأوضاع فى الداخل لأن الكثيرمن الأموال تصرف لدعم مؤيدى النظام الإيرانى فى الخارج بالإضافة للكثير من الأموال التى تصرف لإشعال الأوضاع الداخلية فى بلدان أخرى مجاورة) أضف إلى ذلك العقوبات الاقتصادية المشددة التى أدت إلى تناقص حاد فى حجم الاستثمارات الأجنبية. ولكن المثير للدهشة والتساؤل فى ذات الوقت هو هل قيام الدولة الإيرانية بدور فزاعة العصافيرلدول الجوارهو دور محورى متفق عليه بين إيران و الولاياتالمتحدة التى حققت مبيعات للسلاح لدول الخليج بحوالى 123 مليار دولار وهى الصفقة الأكبر التى تتم بين طرفى المعادلة وبرقم غير مسبوق لتلك الدول المسالمة التى يتهددها التلويح الإيرانى المستمر بامتلاك سلاح ذرى يقض مضاجع الجيران ويدفعهم للبحث عن سبل تسمح بتحقيق توازن للرعب الذى يسود منطقة هى الأغنى بالبترول عصب الحياة اليومية للاقتصاد العالمى بالإضافة لإعلانها الدائم لحقها التاريخى فى البلدان المجاورة والتى كانت جزءاً من إمبراطورية فارس القديمة ويبدأ عراكها من خرائط الجغرافية فى الكتب الدراسية وتصف فيه الخليج العربى بأنه الخليج الفارسى.