البساطة الفنية كانت إحدى نجاحات الرواية التي خلّصتها من الزوائد اللغوية والصورية وهوامش المكان والزمان، وهذا لا يعني أن الرواية لم تحتفظ بقدرتها الفنية وطرحت موضوعتها بطريقة مباشرة، فالعكس هو الصحيح تماماً أمام هذه التجربة التي احتفلت بجنسها الأنثوي بطريقة مغايرة حينما أوصلت جماليات القبح النسائي بشكل رئيسي واستلهمته عبر “أفروديت” السورية التي لا تحمل من الجمال سوى اسمها؛ متناصّة -اسمياً- مع أفروديت الإغريقية ربة العشق والجنس والجمال والشهوة؛ لتكون “بائعة الكلمات” رواية عن القبح وليس عن الجمال كما درجت السرديات على تناوله؛ لكنه قبح خلاّق يسعى إلى إيجاد الجمال عبر منافذ كثيرة توخّت البساطة والتسلسل المنطقي، حينما أدخلت الأنساق الهامشية في طيّات المتون في صندوق السرد وفي بنية فنية ربطت الأحداث ببعضها، وجعلت من أفروديت الإنسانة البسيطة غير الجميلة مركز النص وشهوته أيضاً لكن بالطريقة الإنسانية التي ارتأتها ريمة راعي، وهي تحاول المؤاخاة النفسية والواقعية بين الاسم الضارب في جدلية الجمال، وبين نقيضه، في مجتمع يرى الجمال شكلاً. ما ذنب القبح؟ بساطة هذه الرواية هي عمقها الأخير. وفكرتها الاستثنائية تعزز مثل هذا العمق، وطريقة السرد التي ألحقت الهوامش بالمتن السردي العام وفتحت أجنحة الرواية على فضاءات أوسع من عقدتها، هي ما يجعل رواية “بائعة الكلمات” للروائية ريمة راعي ذات اتجاهات متعددة، تحاول عبر فصول مناسبة أن تلتحق بالخط العام لها تحت أسئلة أشاعتها الكاتبة عبر إعلاناتها المتكررة عن الرواية وهي أسئلة الرواية ذاتها: لماذا كل بطلات الحكايات جميلات؟ ما ذنب الدميمة في ألا تكون نجمة القصة٬ وأن تكون لها أسطورتها الخاصة؟ هل هناك علاقة بين الجمال ونقاء القلب٬ أم أن الحظ هو ما يلعب دوره دائمًا؟ مثل هذه الأسئلة كفيلة بأن تجعل من “أفروديت” -الشخصية الرئيسية في الرواية- ذات عُقدة على مستويات نفسية وعصبية واجتماعية، فالاسم يحيل إلى أسطورة الجمال الإغريقية / إلهة الحب والشهوة والجمال / لكنها في الرواية غير ذلك ولا تحمل سوى الاسم الذي ربما شكّل عقدة شخصية في ظاهر الأمر وباطنه، وبالتالي فإن الصراع الشخصي بين الاسم وحاملته -التي لا تنطوي على جمال أفروديت- هو العُقدة الجميلة في مفارقة سردية حملتها ريمة إلى تخوم وفضاءات أوسع من هذه الحبكة الظاهرة لتكشف الكثير مما يجب أن تكشفه على مستويات الصراع الأخلاقي والنفسي في محيط يبدو ساكناً وهادئاً إلا أنه يمور بالكثير من المفارقات والآلام العامة. الجمال الفعال إلى جانب هذا القبح في الشكل والمفارقة الاسمية الصريحة والتنويع عليه، ثمة شخصيات بدأت من الهامش صغيرة لكنها كبرت مع السرد وشكلت أجنحة فضائية للتحليق في الموضوعة الأساسية بغرض تكريسها وضخ الحياة في أوصالها، كأخيها فتحي غير القابل للتعلم؛ والأستاذ سعد الذي تعلمت منه كيف تبتكر الكلمات وتنشئها ومن ثم تسوّقها بين العشاق بفعل جمالي غريب في المكان مقابل مردود مادي بسيط مع بقاء حلمها الكبير أن تُنشئ مكتبة كالتي يمتلكها الأستاذ سعد. وبذلك تحولت شخصية أفروديت من مشكلة نفسية توصف باللاجمال إلى حالة إيجابية حينما صارت بائعة كلمات لأقرانها؛ لأنها الأقدر على استيعاب المفردات وتذويبها في منالات رومانسية أو شخصية، وبالتالي كانت مثار دهشة أصحابها وصاحباتها لما تمتلكه من قدرة على الوصول إلى الآخرين عبر الكلمات التي لا يمتلكها الآخرون. لذلك تحولت أفروديت من شخصية هامشية توصف باللاجمال إلى الجمال، الفعّال، الحيوي، الإيجابي، الخلاق وهي تواصل سيرتها اليومية في أكثر من منحى باستطرادات ضمّت إليها الكثير من المستتر الخفي في الحياة اليومية السورية التي تعاني من أوجاع الحرب، وظلت تنادي بالمحبة والجمال والمؤاخاة الإنسانية عبر الأفعال ونبذ الكراهية بشتّى مسمياتها وظروفها.