جامعة القاهرة تتصدر قائمة ستانفورد لأفضل 2% من علماء العالم 2024 محليا    مجلس شئون التعليم بجامعة الإسكندرية يوجه بتيسير الإجراءات أثناء الكشف الطبي على الطلاب الجدد    إغلاق باب تسجيل الرغبات لطلاب المرحلة الثالثة في التنسيق اليوم 12 ظهرًا    لمواكبة متطلبات سوق العمل .. 6 برامج دراسية جديدة باللغة الإنجليزية بزراعة بنها    بعد واقعة التحرش.. الطريقة التيجانية تُفجر عن صلاح الدين التيجاني: يدعي المشيخة وليس عالمًا    سد النهضة مهدد بالانهيار، وشراقي: التوربينات توقفت وإثيوبيا مجبرة على تمرير المياه لمصر    وفد المنظمة العالمية لخريجي الأزهر يصل ماليزيا ويبحث التعاون مع وزير الشؤون الدينية    سجل 12.91 جنيه في البنك الأهلي.. سعر الريال السعودي في 5 بنوك خلال تعاملات اليوم    اسعار اللحوم اليوم الاربعاء 18-9-2024 في الدقهلية    وزيرة البيئة تلتقى السفير الياباني بالقاهرة لبحث سبل تعزيز التعاون    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء.. عز ب 41500 جنيه    شركة تايوانية تنفي تصنيعها لأجهزة الاتصال التي تم تفجيرها في هجمات لبنان    تفاصيل الهجوم الإسرائيلي على أهداف لحزب الله في جنوب لبنان    كوريا الشمالية تُطلق صواريخ باليستية قصيرة المدى في تجربة جديدة    خسائر إسرائيلية جديدة.. مقتل 4 جنود وإصابة 6 في معارك غزة    عاجل| "أكسيوس": هناك احتمال بتنفيذ حزب الله هجوما كبيرا ضد إسرائيل    نادي الأسير الفلسطيني: حملة اعتقالات وعمليات تحقيق ميداني واسعة تطال 40 مواطنا من الضفة    تقييم صلاح أمام ميلان من الصحف الإنجليزية    فاروق جعفر يهاجم مجلس إدارة الزمالك بسبب نجله    زهران: تم الاستئناف على براءة رمضان من المنشطات.. والسعيد تلقى 60 ألف دولار من الأهلي    "أكثر لاعب إنجليزي تسجيلًا".. كين يعلق على كسره رقم روني    تحرير 1509 مخالفة عدم تركيب الملصق الإلكتروني    حالة الطقس في مصر اليوم: سحب كثيفة وأجواء معتدلة    إحباط بيع 12 طن دقيق مدعم بالسوق السوداء    طعنها وسط الشارع.. قرار قضائي جديد بشأن المتهم بقتل زوجته في الجيزة    القبض على 5 أشخاص للتنقيب عن الآثار بالتبين    محافظ أسيوط يقرر إغلاق دار للمسنين لتردي أوضاع النزلاء وإحالة مسئوليه للتحقيق    وزير السياحة يوافق على مد رحلة معرض رمسيس وذهب الفراعنة بالخارج    السياحة تدرس إقامة معارض أثرية مؤقتة تجوب دول العالم    أنشطة متنوعة لقصور الثقافة بأسوان في انطلاق مبادرة "بداية"    الصحة تتابع الخطوات التنفيذية لتفعيل الهيكل المؤسسي للوزارة    مصرع شاب صدمته سيارة بكوم امبو    موعد مباراة أتلتيكو مدريد ولايبزيج في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    عاجل.. مفاجآت اجتماع ال«4 ساعات» في الأهلي.. حسم مصير الصفقات وعلي معلول    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    مادين طبر ل «صباح الخير»: لهذا السبب أرفض عمل ابنتى بالوسط الفنى طلبت من نانسى عجرم تبطل «غنا»!    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الأربعاء 18-9-2024 في محافظة قنا    وزير الصحة والسكان يتابع الخطوات التنفيذية لتفعيل الهيكل المؤسسى للوزارة    لدمج المكفوفين.. التوسع فى إصدار كافة الوثائق الحكومية بطريقة "برايل"    مايكروسوفت: روسيا تستهدف الحملة الرئاسية لكامالا هاريس    اقتراح برغبة لوزير التعليم لتحديد التنسيق للمدارس الثانوي بموجب إعلان واحد فقط    متحور جديد من فيروس كورونا ينتشر حول العالم    حبس سائق لسرقته مقر شركة بمنطقة شبرا    فرص عمل.. شروط مبادرة «وظيفة تك» وأهدافها    دعاء خسوف القمر اليوم.. أدعية مستحبة رددها كثيرًا    أمين الفتوى للزوجات: "طبطى على زوجك كفاية الزمن جاى عليه"    ترامب: نحن قريبون من حرب عالمية ثالثة    خسوف القمر: بين الظاهرة الفلكية والتأمل في عظمة الخالق    حفلة أهداف.. الشباك تهتز 28 مرة في أول أيام منافسات دوري أبطال أوروبا    ملف رياضة مصراوي.. أول ظهور لفتوح.. برنامج شوبير.. والمنشطات تصدم رمضان صبحي    نظام غذائي يزيد من خطر الإصابة بالسكري    عواقب صحية خطيرة للجلوس على المكاتب..تجنبوها بهذه التمارين البسيطة    احتفالية دينية في ذكرى المولد النبوي بدمياط الجديدة.. صور    أحمد أيوب لإكسترا نيوز: مبادرة "بداية" فكر وعهد جديد يتغير فيه مفهوم الخدمة المقدمة للمواطن    حظك اليوم| الأربعاء 18 سبتمبر لمواليد برج الحمل    حظك اليوم| الأربعاء 18 سبتمبر لمواليد برج الدلو    شاهد اللقطات الأولى من حفل زفاف بينار دينيز وكان يلدريم (فيديو)    هل يدخل تارك الصلاة الجنة؟ داعية تجيب: «هذا ما نعتقده ونؤمن به» (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموروث الحكائي العربي وقضايا الشفاهية
نشر في نقطة ضوء يوم 30 - 04 - 2018

بدأت الثقافة العربية مرحلة جديدة بعد الإسلام والانتشار في الأرض، وهي مرحلة إبداع وإضافة أدبية وعلمية وثقافية هائلة، واستفادة من الحضارات الأخرى. إن السبب في تحول الثقافة العربية من ثقافة إقليمية الطابع (محصورة في شبه الجزيرة العربية) إلى ثقافة حضارية عالمية إنسانية، هو انتشار الدين الإسلامي بين أبناء العروبة، ومن ثم كانت رسالتهم ربانية إنسانية عالمية، وقامت على نشرها في جنبات الأرض: دول، حضارات سابقة، أمم وممالك متعددة.
ويعود هذا السبب إلى أن العقيدة القائمة على المثل الأخلاقية الناجمة عن التأمل هي وحدها القادرة على إيجاد نشاط حر، أعني نشاطا خُطِّطَ بتصميم مرتب للهدف منه، والواقع يؤثر في الواقع بالنسبة نفسها التي يمزج فيها بين المثل وعالم الحياة اليومية، لكن النفس الإنسانية تعمل حينئذ في التغيير إلى ما هو أدنى، والأحداث التي تنتج نتائج عملية فينا هي أحداث تشكلها عقليتنا وتعمل فيها.
فلا يمكن أن نعيد الحضارة، إلى عوامل مادية فقط، لا بد من وجود دفعة روحية أخلاقية، تعمل في بنيان الأمة /الشعب كي يتمثّلوا قيما عظمى، في حياتهم اليومية، ومن ثم تنتج تغيرات في قلوبهم، وعقولهم وسلوكياتهم، ومن ثم اندفاعة ضخمة للبناء الحضاري وتعزيز الثقافة والإبداع الإنساني.
وفي حالة ضعف أو هزال أو التخلي عن المثل الأخلاقية لا تتحسن القدرة العملية، بل تتضاءل، ما يجعل الإنسان باردا وحاسبا، ويخضع لحسابات المنفعة، ويغيب الهدف العام، والوعي بالرسالة الأخلاقية.
لقد قدمت الحضارة الإسلامية التعددية الثقافية في مفهومها الحديث، الذي يعترف بخصوصية الثقافات المختلفة، ودور الثقافات في الإثراء المتبادل بينها. وهذا أدى إلى انتشار الإسلام بين أبنائها وكذلك اللغة العربية: نطقا وكتابة وتعلما وتأليفا، أو كتابة وتعلما وتأليفا فقط، وقد ضمت ثقافات عديدة، بعضها أسس حضارات زاهرة قبل الإسلام، مثل الحضارة الفارسية، والحضارة المصرية القديمة (الفرعونية والقبطية)، والحضارة البابلية والآشورية، وثقافات لا آخر لها مثل ثقافات البربر في بلاد المغرب العربي، والثقافات الإفريقية والهندية وغيرها، وكلها أثرت وتأثرت بالثقافة العربية الإسلامية عامة، وكان السرد ميدانا فاعلا لالتقاء هذه الثقافات، فما أسهل ترجمة القصص، ومعايشة أجوائها وشخصياتها وأحداثها، والأمثلة على ذلك في القديم والحديث لا تحصى، فبالسرديات تتقارب الشعوب وتتلاقى.
إن تراثنا الشفاهي، على الرغم من تدوينه تراثيا هو تراث شعبي، مثله مثل التراث الشعبي المكون للآداب العالمية الشعبية، ومن العجيب أن الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة في التراث العربي، الذي تعالت عليه الثقافة العربية النخبوية، هو وحده الذي عرف طريقه إلى الآداب العالمية، عن طريق الترجمة والعلاقات التجارية ورحلات الحجيج والحروب الصليبية، إلى الغرب الذين شهدوا في أحكامهم الحيادية بتفرد القصص العربية، عن غيرها من سرديات الهند وفارس، من حيث الكم والكيف، ومن حيث التأثير في الآداب الغربية والعالمية.
فالموروث الحكائي العربي ضخم للغاية، ولو نظرنا إليه نظرة نوعية، من جهة الشفاهية والكتابية، سنجده على قسمين: موروث شفاهي (القصص الشعبي وقصص العامة)، وموروث كتابي، مثل فن المقامة وقصة حي بن يقظان، وفن الرسالة القصصية، والكثرة الكاثرة منه تراث شفاهي شعبي، يخضع لنمط الإرسال السردي الشفاهي، وجاء التدوين للشفاهي كنوع من تقييد النص الشفاهي في إحدى مروياته الشفاهية، وتكرار تقييد مصادر أخرى لم يكن إلا رصدا أو تسجيلا لرواياته المتعددة.
قطعا، فإن الموروث الشفاهي أكثر كمًّا من المكتوب، وفق منطق التطور، لأسباب عديدة ترتبط بالسرد نفسه، ومنتجيه، ومتلقيه.
ذلك، أن المنطق الإنساني يقتضي أن يكون الحكي الشفاهي أكثر من المكتوب، فمن السهل الكلام، والكل يمتلك القدرة، مع تفاوت في التعبير والتأثير، وقلما نجد من يمتلك القلم وموهبة التعبير السردي الكتابي، فعندما نصدر حكما بأن الشفاهي أكثر من الكتابي، لا نضاد الحقيقة ولا التاريخ، وحتى الآن سردياتنا اليومية الكل يشترك فيها بالسماع والرواية والنقل، وكأن الحكي خبز يومي لكل البشر بلا استثناء، وهناك الكثير في الحياة يمكن أن يحكى ويشكل حكايات قائمة، تروى وتتناقل.
كما أن العرب أمة في الأساس شفاهية، اتخذت من السماع والنقل والحديث والحكي سبيلا للتواصل والتسلية والإخبار والمعرفة، تستوي في هذا مع كثير من الأمم والشعوب، مع وجود فروقات بين الشعوب، فهناك شعوب سرعان ما انتقلت من الشفاهية إلى الكتابية، وهناك شعوب تأخرت، وهناك شعوب ظلت شفاهية واندثرت ثقافتها ولغتها، لأنها لم تجد من يدون لغتها أساسا.
كذلك نجد الكثير من القصص المكتوبة في التراث العربي في أساسه حكايات منطوقة، بل متداولة على الألسن، ولا عجب أن نجد كتبا سردية اعتمدت على قصص شفاهية، وحرص مؤلفوها على بنائها بشكل قصصي فريد، منها على سبيل المثال كتاب: «البخلاء» للجاحظ، فما هو إلا تسجيل واضح لوقائع حقيقية، سمعها المؤلف، فهي شفاهيات مكتوبة في نص أدبي جعل مذمة البخل والبخيل أساسه، فلا عجب أن نجد فيه قصصا بأسماء أصحابها أنفسهم، من أجل المزيد من التوثيق، فلم يكتف بذكر الواقعة أو الإشارة إلى أصحابها مع تجاهل الأسماء والأمكنة، وإنما حدد وأشار وعيّن ونبه.
فيمكن أن تتعدد الروايات للقصة الواحدة، فنجد الرواية نفسها بألفاظ مختلفة، ورواة متعددين، كما هو في الحديث الشريف، وفي كثير من النصوص الشعرية والسردية، والأخبار، وهذا يصدق أن تلك القصص حقيقية، وأن كل راو إذا كان صادقا اجتهد في نقلها بشكل أمين، ولكن كلٌ ينقل من وجهة نظره، ووفق حظه من المعرفة، وموقعه السماعي. وهذا أمر يصف السرديات العربية ذات الأصل الشفاهي وهو الغالب، لإيضاح أن النفس العربية قديما كانت تفضل الحقيقي الواقعي على المتخيل.
.........
٭ باحث أكاديمي من مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.