في دير سانت كاترين، وفي أحد سراديب الجوار من ممراته العتيقة، يتم عرض مئات الجماجم، يقول تاريخ الدير الرهيب هي لقساوسة، تعاقبوا على كرسي سدة الدير، فيه لمئات السنين مما يؤكد ملكية الدير وأحقية المسيحية الممهورة برفات الجماجم، لكأن القرون ثبتت في روع المشاهد منه روح خلاص المسيح المؤيد بروح القدس، وتتالت على الدير من بعد الحقب، مجرات من سيرة حتى أطل الفاطميون يوماً، وهم أناس لهم من الوجد مثل ما للمسيحيين من عشق التسامح، فامتزج إسلام ومسيحية ومن بينهم نضرة الود في كل المعاقب . التقيا الاثنان إسلام ومسيحية في عشق أبدي، تماسكا نحو ذات العلية، من مقام ليس لوجده أصغار، عندها وحدها تكون وحدة الرفد الإلهي تتجلى للخلق تبيان من معانٍ، هنا لا يتدارك الرسم كلاماً إنما أطر من رحم الحقيقة زجل فاقم لرونقه مسجد في قلب الدير فاعتنقا وتشابكا لهلال، نعم هلال من قلب الصليب، هكذا تكون الديانة تحركاً مستمراً وثوراً، من عَلَمَ الفاطمي هداها وابره حين ألقى من عصا الترحال شقاها، فأناخ للمجد المسيحي في سوحتها ظلال، هكذا هصر المصري منذ القدم في أعماقه أعمدة أربع فكان في فجر التاريخ فرعوني الرؤى، ومن ثم مسيحي الهوى، إلى أن تلقى في وعيه الإسلام، وعبر مشاوير الزمن عبر العابرين على أرضه منذ القدم، من آشوريين وهكسوس وبيزنطيين مضوا جميعاً وبقي المصري يغازل أرضه ويسامح، فتشربت روحه نبض التسامح هو المصري، إذن سواء وُجِدَ رسمه في مسجد بدير أو دير بمسجد، إنه المصري الأصيل من رحم التسامح أولدت في ذاته معنى الانتماء لأرض الخالدين إذ يدخلوها دوماً بسلام آمنين. وكذا عاش الهلال مع الصليب ليس عبارة تطلق في هواء البوح ، تتجسد اليوم في كيان حي للتدليل على روح التسامح بين الأديان في مصر عبر كل العصور. وهذا ما جسده المسجد الفاطمي بسانت كاترين الذي يقع بالكامل داخل جوف الدير الأمين أقدم الأديرة في التاريخ. فهذه الظاهرة الفريدة لم تحدث في أي مكان بالعالم سوى في مصر وقد نظر إليها مؤرخو الغرب بشيء من الدهشة والاستغراب، حيث سجلوها في كتاباتهم، مما يؤكد علاقة المحبة بين المسلمين والمسيحيين، ويعد علامة بارزة لتسامح الأديان ودليلاً "قاطعاً" على الحرية الدينية في مصر. بناء المسجد واختلف المؤرخون عن الشخصية التاريخية التي أمرت ببناء هذا المسجد فقد أرجع بعض المؤرخين أن الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي هو الذي قام ببناء المسجد ونسب البعض الآخر إلى أن الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله هو الذي قام بإنشاء هذا المسجد والدليل هو وجود كرسي شمعدان مصنوع من الخشب داخل الجامع مدون عليه نص كتابي يضم اسم منشئ الجامع وهو أبي المنصور أنوشتكين الآمري نسبة إلى الخليفة الآمر بأحكام الله الذي بنى هذا الجامع والدليل الثاني وجود نص بالخط الكوفي محفور على واجهه منبر الجامع يؤكد أن بناء الجامع كان في عهد الآمر بأحكام الله . وتشير الوثائق التاريخية على العلاقة الطيبة بين مسلمي مصر وأقباطها إلى قيام بعض الرهبان بترميم المسجد وإصلاحه ورعايته إذا حدث للمسجد تلفيات أو انهيار بعض جدرانه، ومن ناحية أخرى كان سلاطين مصر يقدرون رهبان هذا الدير وينزلهم منازل رجال الدين العظام ويذكر أن السلطان سليمان الأول كان يصدر فرمانات بمنع الاعتداء على الدير ومحتوياته ويلزم ناظر المنطقة بالحفاظ على سلامة رهبان الدير. ويواجه المسجد الكنيسة الرئيسية من ناحية الشمال الغربي للدير حيث تصافح مئذنته برج الكنيسة في مشهد إيماني عميق التأثير ويستقر المسجد على ربوة عالية تعلو عن أرض الكنيسة بنحو خمسة عشر متراً ويبلغ المسطح الداخلي للمسجد: طول الضلع الشرقي 7.17م والضلع البحري 15.43م والغربي 7.40م والقبلي 10.12م وله ثلاث نوافذ، طول كل منها متر ونصف المتر، وعرضها نحو المتر وهو مفتوح في مواجهة الباب. والمسجد له منارة منفصلة عنه تبعد مسافة مترين، تحتوي على 36 درجة بطول 11 متر، وتم تأسيسه من الحجر الجرانيت، ويحمل سقفه عمودين، أهم ما يحتويه المسجد من أثار هي: المنبر، وكرسي الشمعدان، وكرسي المصحف، ويبلغ طول المنبر 2.47 متراً، وارتفاع الباب يبلغ 2.60 متراً، ومدخله على شكل نصف دائري مدبب الرأس وتوجد لوحة خشبية تتضمن كتابة كوفية، ويتخذ الكرسي شكلاً هرمياً مقطوعاً منقوشاً على جانبه بالخط الكوفي، ويوجد داخل المحراب حجر مدون عليه أسماء الزوار. خدمة الدير وعن أسباب بناء المسجد يقول عبد الرحيم ريحان مدير عام مركز البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بسيناء والوجه البحري: إن الأسباب التي دفعت لبناء المسجد وجود قبائل من العرب كانت تقوم على خدمة الدير وقد أسلم معظمهم في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، وعرفوا باسم " قبائل الجبالية " نسبة إلى جبل موسى، فكان من الحاجة إنشاء مسجد لهم حتى يقومون على خدمة الدير، بعد دخولهم الإسلام، كما كان يهدف إنشاء الجامع إلى إتاحة الفرصة للمسلمين الذين يعيشون حول الدير ويقومون بحمايته وكذا لخدمة الحجاج المسلمين الذين يمرون بمنطقة الجبل المقدس للتبرك به. وعن أحوال المسجد قال الأب "مستيرمان" في دير سانت كاترين : لقد ظل المسجد مهجوراً لسنين طويلة مما أصابه العطب ببعض نواحيه من طول فترة إهماله ولكن منبره مازال بحالة جيدة أما المئذنة فهي في حالة يرثى لها ولكن مع بداية القرن العشرين زاد الاهتمام بالمسجد خاصة حينما أمر الملك "فؤاد" بترميم وتجديد المسجد، وتعيين مرتبات للخدم وسدنته، أما الآن فقد أصبح المسجد والدير ضمن اهتمامات هيئة الآثار المصرية ورعايتها، واعتُبِر مثل الدير، من آثار مصر التاريخية. وعن الوصف المعماري للجامع يقول: د.محمد الششتاوي رئيس المكتب الفني بالمجلس الأعلى للآثار: إن تخطيط الجامع عبارة عن مستطيل جداره الجنوبي 9.88م، الشمالي 10.28م الشرقي 7.37م، الغربي 7.06م ارتفاعه من الداخل 5.66م ينقسم لستة أجزاء بواسطة عقود نصف دائرية من الحجر الجرانيتي المنحوت ثلاثة عقود موازية لجدار القبلة وأربعة متعامدة عليه. وأضاف: وله ثلاثة محاريب، الرئيسي متوج بعقد ذي أربعة مراكز كالموجود في الجزء القديم من الجامع الأزهر، وله منبر خشبي آية في الجمال يعد أحد ثلاثة منابر خشبية كاملة من العصر الفاطمي الأول وهي منبر جامع الحسن بن صالح بالبهنسا ببني سويف والثاني منبر الجامع العمري بقوص، كما يشبه المنبر الخشبي بمسجد بدر الدين الجمالي الذي يعود تاريخه إلى 484ه ، 1091م المنقول من عسقلان إلى الحرم الإبراهيمي بفلسطين.كما أن للجامع مئذنة جميلة من الحجر الجرانيتي تتكون من دورتين قطاعهما مربع في منظر لا يتكرر ولن يتكرر إلا في مصر. خدمة(وكالة الصحافة العربية)