إعلام فلسطيني: استشهاد أطفال جرحى في مستشفى كمال عدوان بغزة    استشهاد أفراد عائلة بالكامل جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس    تراجع أسعار الذهب في بداية تعاملات الجمعة 25 أكتوبر    سعر الحديد اليوم الجمعة 25-10-2024 في الأسواق    محطة مياه كوم حمادة بالبحيرة تحصد شهادة T.S.M في تطبيق أعلى معايير الجودة    فتح باب التسجيل للطلاب الوافدين للالتحاق بجامعة الأزهر حتى غدٍ السبت    أمريكا تحث رعاياها حول العالم على تجنب التجمعات والمظاهرات    «القاهرة الإخبارية»: استخراج جثامين الشهداء من حاصبيا بلبنان ونقل المصابين للعلاج    تصاعد التوترات عالميا بعد انضمام كوريا الشمالية إلى الحرب الروسية الأوكرانية    رد عاجل من لجنة الحكام على قرار إلغاء هدف الجزيري أمام الأهلي    "وعلى نياتكم ترزقون".. كيف تفاعل رواد مواقع التواصل مع فوز الأهلي على الزمالك؟ (صور)    أمر غير متوقع وراء تسديد محمود عبد الرازق شيكابالا ضربة الترجيح أمام الأهلي.. عاجل    ارتدوا الملابس الخريفية.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس ال 6 أيام المقبلة    انطلاق الدورة السابعة من مهرجان الجونة السينمائي وسط حضور نجوم ونجمات الفن    مي فارق تشكر «المتحدة» على دورها في مهرجان الموسيقى العربية    تعرض والدة أحمد عصام لأزمة صحية طارئة: «متسبنيش وتمشي»    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: مد فترة التصالح في مخالفات البناء.. مفاجأة بشأن إهدار شيكابالا ركلة الترجيح أمام الأهلي    الأردن يدعو المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات رادعة تلجم العدوانية الإسرائيلية    أسعار اللحوم والدواجن اليوم 25 أكتوبر بسوق العبور للجملة    سعر الدولار أمام الجنيه في تعاملات الجمعة 25-10-2024    اعتقاد خاطئ حول إدراك ثواب الجمعة مع الإمام في التشهد الأخير    طريقة عمل الكيكة السريعة، لفطار مميز وبأقل التكاليف    اليوم، إطلاق 5 قوافل طبية قافلة طبية ضمن مبادرة رئيس الجمهورية    "وقولوا للناس حُسنًا".. موضوع خطبة الجمعة اليوم    أحمد درويش: هناك معوقات للاستثمار الأجنبي وهذه روشتة العلاج    ترتيب هدافي الدوري الفرنسي قبل مباراة اليوم    الدكتور محمد صلاح، السيرة الذاتية لوكيل تعليم المنوفية الجديد    توزيع الطعام وزيارة المقام في الليلة الختامية لمولد الدسوقي بكفر الشيخ    إقبال كبير من المواطنين على معرض دمياط للأثاث بالزقازيق    قبل انطلاقها الليلة، كل ما تريد معرفته عن احتفالية "ليلة عيد الوهاب" بالسعودية    الأوقاف تفتتح 23 مسجدًا بالمحافظات اليوم الجمعة    اليوم، تعامد القمر على الكعبة المشرفة، وهذه طريقة تحديد القبلة أثناء الظاهرة    حملات تفتيشية مكثفة على الأنشطة التجارية بالشرقية    لو مسافر.. الأسعار المحدثة لتذاكر قطارات السكك الحديدية    بدون الالتزام بمحل الاقامة.. أين توجد وحدات المرور المميزة؟    فريق طبي بالمستشفى الجامعي بطنطا ينجح في استئصال ورم سرطاني بالمريء    مستشار وزير الصحة ينصح الآباء: الختان جريمة ولا علاقة له بالدين والشرف    قائد الحرس الثوري الإيراني: إسرائيل تحفر قبرها تدريجيًّا وتهيئ نفسها للانتحار    رسالة صلاح عبدالله للاعبي الزمالك بعد خسارة كأس السوبر المصري.. ماذا قال؟    «مستواه لا يليق».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا لاذعًا على نجم الزمالك    محمد صلاح: الزمالك قدم مباراة قوية رغم الظروف.. وجوميز أخطأ في التشكيل منذ البداية    حبس موظف لقيامة بقتل زوجته بالمطرية    أمطار غزيرة لمدة 96 ساعة.. موعد أول نوة شتوية 2024 تضرب البلاد (استعدوا للتقلبات الجوية)    وكيل الصحة يزور قسم الأطفال بحميات العباسية لتطبيق النموذج الناجح داخل سوهاج    جوتيريش: الوضع الإنساني في شمال غزة هو "الأسوأ منذ بدء الكابوس"    ارقصوا على قبري.. سعاد صالح توجه رسالة نارية لفنان شهير    نشرة التوك شو| تكليفات رئاسية بتوطين علاجات الأورام وأصداء تصريحات مديرة صندوق النقد    أشرف داري: فخور باللعب للأهلي.. وأتمنى وضع بصمتي في البطولات القادمة    أحمد الغندور «الدحيح» يفتتح الدورة السابعة من مهرجان الجونة السينمائي    نسرين طافش: "كفايا عليا أحضر مهرجان الجونة عشان أشوف أحلى الأفلام"    أصل الحكاية| «جامع القائد إبراهيم» أيقونة إسلامية في قلب الإسكندرية    إم جي 2024.. مزيج من الأناقة والتكنولوجيا بأسعار تنافسية في السوق المصري    تجديد الثقة فى المهندس ناصر حسن وكيلًا لتعليم الغربية    عمرو الفقي يعلن التعاقد مع متسابقي برنامج "كاستنج" للمشاركة في أعمال درامية    مصدر مسؤول: مصر أكدت للوفد الاسرائيلي رفضها للعملية العسكرية الجارية بشمال غزة    تأخير الساعة 60 دقيقة.. موعد تفعيل التوقيت الشتوي 2024    مصرع سائق وإصابة شقيقه فى حادث إنقلاب سيارة بالمراغة شمال سوهاج    أكرم توفيق: طلع عينينا لنفوز بالسوبر أمام الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من بيرة الفراعنة المُبرَّدة إلى حانات الثورة
نشر في نقطة ضوء يوم 25 - 07 - 2017

من النبيذ الذي كان يرتشفه العمال الذين بنوا الأهرامات إلى تحفّظ الأقباط عن تصنيع الخمر في بعض فترات العهود الإسلامية، إلى الدور الثوري الذي لعبته الحانات... قد يكون ممكناً أن نتعرّف على حياة المصريين من خلال الحديث عن علاقاتهم بالخمور.
كان النبيذ مصاحباً للعمال الذين بنوا الأهرامات خلال عملهم. ولفت محمود خير الله، في كتابه "بارات مصر... قيام وانهيار دولة الأنس"، إلى أنه عُرفت أربعة أنواع من النبيذ وخمسة أنواع من البيرة التي كانت تعرف باسم "هاكت" في عصر الفراعنة.
وأضاف خير الله أن البيرة كانت في مصر القديمة مشروباً للصغار والكبار، وبلغ اهتمامهم بها حداً لا يمكن تصديقه، حيث استطاعوا تبريدها بواسطة هواء الأنهار. أما النبيذ المصري فكان أفضل ما يُقدم للفراعنة والآلهة، وحصل على درجة من القدسية لدرجة أنه كان يُحفظ مع الموتى، وكان اسمه الفرعوني هو "يورب".
وأشار أحمد محمد عبد العال، أستاذ الآثار في جامعة المنيا، إلى أن كلمة "نبيذ" في مصر القديمة كانت تشير عادة إلى العصير المخّمر من العنب الطازج، وكان النبيذ بهذا المعني أهم الخمور عند قدماء المصريين بجانب أنواع أخرى مصنوعة من النخيل والبلح ونوع آخر كان يصنع من ثمر المخيط.
وقال : إن النبيذ كان من المشروبات المحببة لدى المصريين القدماء، وهذا ما توضحه النقوش على جدران المعابد والمقابر مثل مقبرة "بتاح حتب" التي يوجد فيها نقش يوضح كيفية صناعة النبيذ، وكذلك مقبرة من عهد الأسرة الخامسة في منطقة سقارة، وأخرى من عهد الأسرة الثانية عشرة في قرية البرشا ومقابر عدّة من هذا العهد أيضاً في قرية بني حسن في المنيا في شمال صعيد مصر.
كان عدد كبير من الرجال يجمعون عناقيد العنب الكبيرة في سلال ويحملونها على ظهورهم إلى مكان العصر، وهنالك يفرغونها في أوعية كبيرة ليست عميقة، ثم يدوسون العنب بأرجلهم، ويقوم بذلك خمسة أو ستة رجال مجتمعين وعلى إيقاع الموسيقى. هكذا وصف عبد العال طريقة صناعة النبيذ من العنب عند قدماء المصريين.
كما كانت ثمار البلح ذات قيمة خاصة عند المصريين القدماء. ووفقاً لعبد العال، فقد استخرجوا منها نوعاً من نبيذ البلح يسمونه في صعيد مصر ب"عرفي"، وتشتهر بعض مدن محافظة قنا مثل نقادة بصناعته حتى اليوم، ويستخدم في العقاقير الطبية، كما يستخدم شراباً.
أما نبيذ النخيل فكان يتألف من عصارة شجرة النخيل، ويُحصل على هذه العصارة بحزّ ثمار الشجرة تحت قاعدة أغصانها العليا مباشرة. هذا ما قاله أستاذ الآثار الذي أشار إلى أن السائل فور أخذه من النخيل لا يكون مسُكراً، ولكنه يكتسب الصفة بالتخمر.
الخمر والجعة في مصر القديمة كانا جزءاً أساسياً من الوليمة، تقول الباحثة ماجدة المهداوي في بحث كتبته بعنوان "وليمة من العصر الفرعوني"، شارحةً أنهما كانا يُقدّمان للضيوف في أباريق كبيرة تنتهي بطرف رفيع ومصفاة تمسك باليد لتصفية الشراب. وعندما كان أحد المدعوين يفرط في الشراب، كان الخدم يضعونه على السرير في زاوية الغرفة حتى يستعيد وعيه مرة أخرى.
العصر الإسلامي
بعد دخول الإسلام مصر أصبح الأقباط أكثر تحفظاً في تصنيع الخمور. هذا ما يقوله المستشرق البريطاني ستانلي لين بول فى كتابه "تاريخ مصر في العصور الوسطى"، ذاكراً أن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله أمر بمنع الجعة ومصادرة الخمر تماماً.
وأشار لين بول إلى أن دولة المماليك الأولى التي تأسست في القرن السابع الهجري لم تكن تحفل كثيراً بتعاليم الدين الإسلامي في قصور الحكم، وهذا ما ظهر من خلال قصائد الشاعر بهاء الدين زهير التي احتلت فيها قصائد الخمر مكانةً بارزةً. كذلك وُصف العديد من سلاطين المماليك بأنهم مدمنون للخمر مثل الأمير "بيسري" الذي كان عاجزاً عن المشاركة فى إدارة الأمور العامة لأنه كان مستغرقاً تماماً في الشرب.
أم السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، فقد كان صارماً في ما يتعلق بالآداب العامة، لذا لم يسمح بالخمر رغم أن ضريبته كانت تدرّ عليه ستة آلاف دينار سنوياً، كما قام بإغلاق الحانات والمواخير، بحسب لين بول.
جلسات السُكر في العصر المملوكي كانت أيضاً محلاً لحبك المؤامرات والتخلص من الأعداء. هذا ما ذكره المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، مدللاً على ذلك باتفاق علي بك المعروف ب"أبي العذب" مع مجموعة من الأمراء على قتل أعدائهم خلال جلسة سُكر.
في زمن الحملة الفرنسية
وفي كتابهم "وصف مصر"، دوّن علماء الحملة الفرنسية (1798- 1801) الكثير عن صناعة الخمور في مصر في ذلك الوقت، ورسموا صورة واضحة لمهنة "المُقطر" الذي يُعتبر العنصر الرئيسي في إنتاج الخمور.
وجاء في الكتاب: "تحرّم الشريعة الإسلامية الخمور، ويراعي المسلمون المتمسكون بدينهم ذلك، أما الكبار والتجار والجنود فيرتكبون هذه المعصية في الخفاء، ويصنع المصريون عدداً من المشروبات الروحية أحسنها وأجودها هو المشروب المصنوع من العنب المجفف، أما ما يُستخرج من التين والجميز والبلح وثمار التين الشوكي فهي أدنى قيمة، ويفرط الأقباط في تناول الخمور".
وشرح الكتاب أماكن وطريقة صنع النبيذ فقال: "لعلّ الفيوم هي الولاية الوحيدة التي يُصنع فيها النبيذ، فبعد أن يُهرس العنب لمدة ساعة في إناء فخاري اسطواني الشكل، يوضع في جوال كبير مصنوع من قماش صوفي بالغ السُمك، ثم يعتصر الجوال بشدة، ويستقبل عصير العنب الذي يسيل من الجوال على هذا النحو في إناء فخار يشبه الإناء الأول، لتتم فيه عملية التخمير التي تستغرق مدة تبلغ من 8 إلى 15 يوماً، يُصب بعدها السائل في قوارير كبيرة، تُدفن تحت الأرض حتى رقبتها، وتغلق فتحتها بسدادة خشبية، ويُحكم إقفالها بالجبس، ورغم هذا الاحتياط، فإن النبيذ لا يظل على حاله لأكثر من بضعة شهور، حيث نجده عادة في حالة خل".
السُكر في القرن التاسع عشر
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تأثرت صناعة الخمور في مصر بالاحتلال البريطاني، عام 1882، بسبب تناول جنود الاحتلال لكميات كبيرة من الكحوليات لتخفيف الضغط العصبي الواقع عليهم، وهو ما أدى إلى رواج كبير لهذه الصناعة.
وفي كتابه "خبايا القاهرة... عن ليالي القاهرة وخفاياها في بداية القرن العشرين" الصادر عام 1958، رصد الكاتب أحمد محفوظ أماكن البارات خلال هذه الفترة قائلاً: "حانات القاهرة في أيام الفاطميين والأيوبيين والمماليك، كانت تقع في أطرافها على النيل، مثل طموه والجيزة وناهية وطرة. وفي قلب القاهرة كانت هناك حارة الروم وحارة النصارى وقنطرة الوز وبركة الأزبكية، وكان يديرها غير المسلمين من الأقباط واليهود".
ويتابع: "في أوائل القرن العشرين تركزت البارات في شارع وش البركة (نجيب الريحاني لاحقاً) حيث محلات "الألدراتو" و"الألكزندري" و"باميه بار" و"الكستبان الأحمر" و"بار ماري" و"أوبلسك" و"شولار"، إلى شارع "كلوت بك" حيث حانات "السبعة أبواب" و"حلواني اللوفر" إلى شارع "البواكي" حيث ملهى "ألف ليلة".
دور ثوري للحانات
ويشير الكاتب في كتابه المذكور إلى أن البارات شكّلت على مدار ثلاثة قرون في مصر قصص كفاح كبيرة، كما ساهمت في ترسيخ الدولة المدنية والحفاظ عليها من الاندثار والزوال. بل إن بعضها لعب دوراً في الثورات التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث ، ففي الأربعينيات من القرن العشرين، كما يروى خير الله، أنفقت شركات الخمور العاملة في مصر أموالاً طائلة للدعاية لمنتجاتها، واضطرت إلى المشاركة في إنتاج أفلام سينمائية كان موضوعها رصد حروب الشرطة ضد تجارة المخدرات لتكريس الصورة الذهنية التي تعتبر تناول المسكرات فعلاً طبيعياً كما جرى تصوير الأمر في أغلب الأفلام السينمائية.
وروى أن بعض المطاعم المعروفة كحانات لعبت "أدواراً عظيمة وملهمة في تاريخ هذا البلد، عبر انحيازها الدائم إلى جانب الثوار في أيام الثورات المصرية الكثيرة، خلال القرن العشرين".
قبو "ريش"، كان مخبئاً لسعد زغلول ورفاقه إبان ثورة 1919، ولا يزال يحتفظ بأبوابه السرية من بينها باب سري خلف البار يلتف دائرياً لينفتح ويقود مباشرة إلى شارع هدى شعرواي.
ويضيف: ما يزال القبو يحتفظ أيضاً بالمطبعة القديمة وهي التي وفّرها المالك اليوناني القديم للبار لسعد زغلول ورفاقه من الثوار حينما بدأوا يدرسون طبع المنشورات ضد الاحتلال الإنجليزي في مكان آمن وسط القاهرة، فكان قبو ومطبعة "كافيه ريش" هما المكان الذي أعلنت منه ثورة 1919 مطالبها للعالم.
ويتطرق إلى بار الحرية الذي يقع في وسط القاهرة مشيراً إلى أنه واحد من البارات القليلة التي تميّزت بطابعها الشعبي في الوقت الذي اعتبرت فيه أيضاً دليلاً نخبوياً على ممارسة الحرية.
فقد احتضن بار الحرية على مدار تاريخه، ومنذ تأسيسه قبل ثمانية عقود، مَن ثاروا ضد فساد حاشية الملك فاروق الأول ومَن رفضوا القبضة الأمنية النافذة لنظام ما بعد ثورة يوليو 1952. وأيضاً بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، كان "الحرية" ملاذاً آمناً للثوار، يكمل خير الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.