مؤلفة هذا الكتاب “مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي” د. مكارم الغمري، أستاذ الأدب الروسي المقارن والعميد الأسبق لكلية الألسن بجامعة عين شمس، وتعد أول مصرية تحصل على الدكتوراه في الأدب الروسي والمقارن بجامعة موسكو 1973. ومن أبرز مؤلفاتها: ”الرواية الروسية في القرن التاسع عشر”، “بوشكين عند نافورة الدموع”. حصلت على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب المقارن، وجائزة عين شمس التقديرية، وميدالية بوشكين وغيرها من الجوائز. في مقدمة الكتاب تقول: تتحاور الحضارات لتنتج الجديد، وفي دورات الحوار الحضاري كان للحضارة العربية الإسلامية إسهاماتها وعطائها الملموس. ثم يحاول الكتاب الكشف عن ماهية المؤثرات العربية الإسلامية في الأدب الروسي وأهميتها بالنسبة لطريق تطور هذا الأدب من خلال التوقف عند إنتاج الأدباء: ألكسندر بوشكين، وميخائيل ليرمونتوف، وليف تولستوي، وإيفان بوتين… والأدب المقارن يهتم بالكشف عن مضمون العلاقات الأدبية قديمها وحديثها. لم يكن المسلمون بعيدين عن روسيا، فقد وصل التجار العرب المسلمون إلى قلب روسيا وأقاموا علاقات تجارية واسعة، وثمة مخطوطة يرجع تاريخها إلى بداية القرن الثاني عشر الميلادي، وتعد من أقدم الأدبيات الروسية المكتوبة، وهي قصة السنوات العابرة، وفيها تتعرف على قصة الأمير “فلاديمير” الذي اعتلى الحكم في روسيا عام 1970، واعتنق الإسلام ثم ارتد عنه إلى المسيحية التي صارت فيما بعد ديانة رسمية لروسيا. الرومانتيكية الروسية والشرق وعن أهمية الشرق العربي بالنسبة لتطور الشعر الأوروبي الرومانتيكي كتب الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين يقول: هناك عاملان كان لهما تأثير حاسم على روح الشعر الأوروبي هما: غزو العرب والحروب الصليبية، فقد أوحى العرب إلى الشعر بالنشوة الروحية ورقة الحب، والولع والبلاغة الفخمة للشرق. ويعتبر الشاعر بوشكين شخصية رئيسية، بل ومركزية في الحركة الرومانتيكية الروسية، ويمكن من خلال التعرف على الملامح العامة في رومانتيكية بوشكين فهم أسباب اهتمامه بالشرق، وهذه الملامح يمكن إيجازها في العناصر التالية وهي: تجسيد المشاعر الإنسانية “غير العادية” من خلال بطل بوشكين الرومانتيكي. وتميز إنتاج بوشكين بالقدرة على المزج الفريد بين القومي والشعبي من جهة، ورد الفعل العالمي من جهة أخرى، ومن ثم تنطبق على عليه مقولة بيلينسكي بأنه شاعر عظيم لكل الشعوب وكل العصور، ونظرا لهذا الإحساس مع الشرق العربي قرر بوشكين التخفي في زي منجم عربي والاعتراف بحبه للمرأة التي أحبها، وقد كتب بوشكين اعترافه في الأشعار التالية: تحت سماء إفريقيا ولدت وعشقت الحياة في مصر ولكني هنا مفتون بك ونسيت وطني وكل كنوز الأرض ومداركي الرائعة أهبها لعينيك الرائعة وخصلات شعرك الصفراء المتموجة إن تاريخ هذه الأبيات الشعرية يعود إلى عام 1827، وقدمت في حفلى تنكرية أقيمت في نفس العام، وأن الزي العربي التنكري الذي كان يرتديه بوشكين كان أحد أكثر الأزياء التنكرية “إثارة” في الحفل. وتذكر الكاتبة: أن ”الموضوع الشرقي” في إنتاج بوشكين من الموضوعات الرائدة في إنتاجه، ومن بين مؤلفاته المتأثرة بالشرق العربي يمكن الإشارة إلى محاور أساسية تمثل الأركان الرئيسية في بناء الموضوع العربي في إنتاجه: “روسلان ولودميلا”، و”القصائد العالمية الغزلية”، و”قبسات من القرآن”. ميخائيل ليرمونتوف وتنقلنا الكاتبة إلى ميخائيل ليرمونتوف (1814 – 1841) والذي يعد من أشهر شعراء روسيا في القرن الماضي، ويحتل مكانة تالية لأكبر شعرائها ألكسندر بوشكين ويعتبر الموضوع الإسلامي العربي قد شغل حجما أقل من إنتاج ليرمونتوف بالنسبة لكتاباته عن الشرق القديم المتاخم لروسيا (منطقة القوقاز)، التي كانت في عداد الاتحاد السوفيتي. بيد أن القمة الفكرية والفنية لإنتاج ليرمونتوف المستوحى من الشرق العربي الإسلامي تبدو على نفس الدرجة من الأهمية بالقياس إلى أعماله المرتبطة بالقوقاز، بالإضافة إلى ذلك فإن بعض قصائده عن القوقاز تكتفي بالقصائد المستوحاة من الشرق العربي، وذلك من خلال الموضوع الإسلامي، ومن خلال أهل القوقاز الذي عايشهم ليرمونتوف عن كثب، تعرف على الكثير من تعاليم الإسلام ونهجه. ولاشك أن عناصر الحضارة العربية لبت احتياجات التطور الإبداعي للرومانتيكيين الروس. يشار إلى أن كتاب “مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي” ، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في نحو 330 صفحة من القطع المتوسط.